“ماجد حبو
وصلني على البريد الالكتروني الخبر التالي: “استضاف المجلس الأمريكي السوري والأمريكيون من أجل سوريا الحرة، يوم الأحد 7 حزيران / يونيو، ندوة عبر الإنترنت للجالية الأمريكية السورية مع الممثل الأمريكي الخاص للمشاركة في سوريا والمبعوث الخاص للتحالف العالمي لهزيمة داعش، السفير جيمس جيفري ونائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط والمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا جويل رايبورن.”. اقتادني الفضول لمتابعة الخبر، رغم أنني أعرف قصة هذا المجلس ومن يسيطر عليه، منذ دفع تكاليف لقاء سوري في 2011 في اسطنبول لسد الطريق أمام 18 حزبا وجمعية كانت تعد بإشراف الفقيد حسين العودات والصديق عبد العزيز الخير وحسن عبد العظيم ورجاء الناصر، لإطلاق أكبر تجمع منذ الاستقلال، من أجل التغيير الديمقراطي أعد له سمير العيطة وهيثم مناع وبطرس حلاق وعبد العزيز الخير “عهد الكرامة والحقوق” الذي أقر في مؤتمر حلبون.. يومها سعى وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه ووزير الخارجية التركي داود أوغلو والقطري حمد بن جاسم لنسخ المثل الليبي وتشكيل “مجلس انتقالي سوري (في كل تصريحاته كان جوبيه يستعمل هذا الاسم للمجلس الوطني السوري) وبذلك ضمنوا وضع المعارضة التي كانت أو طلب منها المغادرة للخارج، تحت سيطرة ووصاية ما سمي “أصدقاء الشعب السوري”.
أستعيد هذه الصورة يوم نال هذا المجلس الأمريكي السوري بشخص رئيسه لؤي صافي وآخرين مقعدا دائما في المجلس والائتلاف مع إصرار الخارجية الأمريكية على أن يكون عينها الساهرة على ما يفعلوه. ووصلت درجة التبعية والطاعة عنده إلى قصص مضحكة. إحداها وقعت قبل بدء أول جلسة للمفاوضات في مونترو، قدم لؤي صافي استقالته من الائتلاف، لأسباب ذكرها يومها، وقرر أن يعمل استاذا في جامعة قطرية. فأرسل له السفير الأمريكي روبرت فورد طلبا فوريا بالعودة عن استقالته والالتحاق باسطنبول ليكون المتحدث الرسمي باسم وفد الائتلاف للتفاوض. نفّذ الأمر على الفور، ومسح كل ما قاله عن الائتلاف في استقالته.
أستعيد هذه الصفحات ليطلع عليها المغفلون الذين يعتقدون أنهم قد شكلوا خلال السنوات الماضية لوبي سوري في واشنطن. حتى أنهم يصورون أنفسهم وراء “قانون قيصر”. علما بأن هذا القانون جرت صياغته من قبل نواب معروفين بعلاقتهم مع الأيباك ولوبي السلاح ولوبي النفط، وبدأ التحضير لإقراره منذ أكثر من أربع سنوات ومنذ أواخر حقبة أوباما. وتم إرضاء “الشباب” بتسميته “قيصر” بينما كان في البدء “محاسبة سوريا”.
لن أتحدث في تبعات “قانون قيصر” على المجتمع السوري، فقد أعفاني من هو أكثر كفاءة في الاقتصاد مني بذلك، يمكن لم يريد التوسع قراءة مقالة أستاذ الاقتصاد المعروف الدكتور عارف دليلة، وقد قضى دليلة العقد الأول من هذا القرن في السجون السورية. تذكير ضروري لأحد حديثي المعارضة حديثي النعمة الذي يعمل منذ مغادرته سوريا في 2012 حاملا للشنط، بعضها لجماعات مصنفة إرهابية وبعضها الآخر لحسابه الخاص، والذي هاجم الدكتور عارف دليله لموقفه من قيصر متهما إياه بالعمالة للنظام..
من انجازات “اللوبي السوري” في واشنطن، وضع أحد أعضائه، الإخواني نجيب الغضبان، سفيرا للائتلاف في واشنطن، ومنها أيضا عدم تصنيف فرع الإخوان المسلمين السوري الذي يقوده السبسبي على قائمة الإرهاب باعتباره “من قوى الثورة والمعارضة”. ولم يكن مؤيدا لقرار الخزانة الأمريكية بتصنيف جبهة النصرة على قائمة الإرهاب ثم نسي الموضوع بطلب أمريكي، والمطالبة بعدم إرسال أية مساعدات إنسانية إلى الداخل السوري وأن ترسل المساعدات إلى تركيا حيث تستلمها جمعية IHH الإخوانية والهلال الأحمر التركي شبه الحكومي.
في الاجتماع الذي بدأت به المقال أعلاه، مع جيفري ورايبون، تبجح جيفري بالقول : “الولايات المتحدة هي أكبر مانح فردي للمساعدات الإنسانية للشعب السوري، حيث قدمت أكثر من 10.6 مليار دولار كمساعدة إنسانية منذ بداية الثورة السورية”… صفق المشاركون من وراء الفيديو كونفرس، ولم يملك واحدا منهم الجرأة على السؤال: لمن وكيف ومتى؟
أنكد من ذلك، قال لهم جيفري: “ستفرج الولايات المتحدة عن 50 مليون دولار لتمويل الاستقرار في الشمال الشرقي. وقد طلب وزير الخارجية مايك بومبيو مؤخرًا من تحالف داعش العالمي تقديم 700 مليون دولار للمساعدة في تحقيق الاستقرار – نصفها سيذهب إلى سوريا.”
رغم أن الحاضرين يعتبرون قسد تنظيما إرهابيا تابعا لحزب العمال الكردستاني، لم ينبث أي منهم ببنت شفه، ولم يجرؤ واحد على السؤال بلطف مثلا: “هل يعتبر ترميم وبناء الخدمات في مدينة الرقة التي هدمتها قوات التحالف مشمولة بتمويل الاستقرار؟ وهل 350 مليون دولار تكلفة للمجهود العسكري أم لإرسال الغذاء والدواء الضروريين لأهالي المنطقة؟؟
المصيبة أن قيصر والعقوبات والمحاصرة إلخ، ثمة شروط لرفعها، فما هي هذه الشروط؟ حسب جيفري ستة شروط اختصرها كما يلي:
· 1. إنهاء استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيميائية.·
2 – إنهاء دعم الإرهابيين وحرمان الإرهابيين من الملاذ الآمن.·
3 – تهيئة بيئة تسمح بالعودة الآمنة والطوعية للاجئين والمشردين إلى ديارهم ؛·
4. منع سوريا من أن تكون منصة لإيران لتوسيع هيمنتها الإقليمية.·
5 – متابعة المساءلة وتقديم مرتكبي جرائم الحرب والفظائع ضد الشعب السوري إلى العدالة. و 6. لم يعد يشكل تهديدا لجيرانه.
النقطة الأولى كما نعرف موجودة منذ المسودة الأولى للقانون قبل خمس سنوات، بعد مأساة دوما.النقطة الثانية، وفق الواقع وقرارات مجلس الأمن ووزارة الخزانة تنطبق على تركيا وقطر، في كل ما يتعلق بالجهادية التكفيرية “السنية”: هتش وحراس الدين والجيش الإسلامي التركستاني، ولا تنطبق على النظام السوري، كذلك إذا أخذنا قرارات الخزانة الأمريكية، وتصنيفاتها، فهي تصيب “وحدات حماية الشعب” التي يرأسها قياديون في حزب العمال الكردستاني قدموا من قنديل، والحزب مصنف إرهابيا في الولايات المتحدة الأمريكية؟ وأخيرا تصيب النظام فيما يتعلق بالميليشيات الشيعية حصرا، من حزب الله إلى الفاطميين والزينبيين والحرس الثوري الإيراني إلخ.. فلماذا هذا النفاق وازدواج المعايير؟ وعدم ذكر كل من جاء اسمهم في القرار 2254 واعتبر الخلاص منهم ضروريا لنجاح العملية السياسية؟النقطة الثالثة: تهيئة بيئة للعودة الطوعية… عندما طالبنا بعودة اللاجئين هاجمنا الإئتلاف وقال هذه ورقة ضغط على النظام، وتمنع “حكومة” الائتلاف وحكومة “هتش” اللاجئين من العودة؟ حيرتونا؟النقطة الرابعة يوجد إجماع عليها في المجتمع السوري وأنصار لها حتى في صفوف حزب البعث والجيش.النقطة السادسة: “لم يعد يشكل تهديدا لجيرانه”، هذه أكبر نكتة لم تخطر حتى على بال رسام الكاريكاتير السوريين: النظام السوري يشكل تهديد لجيرانه؟ سماؤه مستباحة وثلث أراضيه خارج السيطرة وأربع جيوش بما فيهم القوتين العسكريتين الأعظم روسيا وأمريكا قاعدين في سوريا، الشمال يتترك والجولان محتل والإسرائيلي يقصف ويرسل الصواريخ كلما نزلت شعبية نتنياهو، وجيفري خايف على جيران سوريا؟؟
لم أنس النقطة الخامسة، إلا أنني أجلتها للآخر لأهميتها. كمناضل حقوقي وقمحي، عضو في التحالف الدولي لملاحقة مجرمي الحرب، أعتبر حديث جفري عن “متابعة المساءلة وتقديم مرتكبي جرائم الحرب والفظائع ضد الشعب السوري إلى العدالة” إساءة إلى كل المناضلين من أجل العدالة ووضع حد للإفلات من العقاب في سوريا والعالم. كيف يمكن أن يثق إنسان في الكون بأن الإدارة الأمريكية حريصة على محاسبة مرتكبي الجرائم، وفي نفس اليوم الذي يتحدث فيه جفري، يقول وزيره بومبيو بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستضع على قائمة العقوبات كل عامل في المحكمة الجنائية الدولية يتابع ملف الأمريكيين المتهمين بجرائم حرب في أفغانستان.. ولكي تكمل، يعود معلمه ترامب للقول في اليوم التالي: ليس فقط من يلاحق مجرمي الحرب الأمريكيين بل أيضا حلفاء أمريكا. أي أن أي قاض في المحكمة الجنائية الدولية يفتح تحقيقا في جرائم الحرب الإسرائيلية سيتعرض للعقوبات الأمريكية مثله مثل الفنزويلي والسوري والكوبي إلخ..نعود لما سمي “اللوبي السوري”.. من الأمانة للسائرين في ركابه أن يكونوا صادقين مع أنفسهم ومع الناس، وأن يطلقوا على أنفسهم اللوبي الأمريكي للترويج للسياسات الأمريكية في سوريا والمنطقة.. حرصا على كلمة اللوبي وتعريفها: الذي تعلمناه في الدروس حول جماعات الضغط “اللوبيات”: “هو العمل أو الفعل الذي تقوم به جماعة ضغط، بين ممثل أو مجموعة مصالح مع صانع قرار بهدف التأثير على صنع القرار”(المعهد الاسكندنافي لحقوق الإنسان 2015)صنع القرار … وليس الاستماع والتصفيق لصناع القرار الذين رسموا كامل سياساتهم ثم طلبوا من مجموعة بشرية من أصل سوري الدفاع عنها والترويج لها؟؟؟
“ماجد حبو: معارض وطني ديمقراطي ومناضل حقوقي، أمضى في السجون السورية 14 عاما في القرن الماضي، شارك في تأسيس مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية، ومن مؤسسي اللجنة العربية لحقوق الإنسان، شارك في بناء فرع المهجر لهيئة التنسيق الوطنية وانتخب رئيسا للفرع قبيل استقالته. من قياديي تيار قمح وعضو الأمانة العامة للمؤتمر الوطني الديمقراطي. عضو اللجنة الاستشارية للمعهد الاسكندنافي لحقوق الإنسان.