عبد الباسط الساروت

(تسلمت هيئة تحرير كركدن.نت هذا المقال في الأسبوع الأول لمقتل الأخ الخامس من عائلة دفعت الثمن الأغلى لخيار المواجهة المسلحة للحل الأمني العسكري الذي فرضه النظام السوري على شعب ثائر على الدكتاتورية والفساد. من نافل القول أن قناعتنا بأن تحويل ثورة سلمية مدنية إلى مواجهة عسكرية وحريبات، كانت أكبر خدمة قدمت للسلطة الأمنية الحاكمة، هذه القناعة لم تكن تعني يوما الدخول في مستنقع التكفير والتخوين، أو بضاعة تجار الحرب وسماسرة التبعية في مواجهات شكل السوريون وقودها وجثثها ومشرديها ومعاقيها. إلا أننا نعتبر هذه الحالة إنموذجا لغلبة الإنفعال على العقل والعواطف على الحكمة السياسية الضرورية لكل تقدم للأمام، من هنا ضرورة الحديث فيها دون “ممنوعات”.
احتراما لفترة الحداد، قررت تأجيل نشر المقال إلى لحظة يمكن فيها تناول الموضوع بعيدا عن فورات الدم المرافقة)

كما جرت العادة عند وقوع أي حدث، سواء كان محلياً أم لا، ينقسم السوريين إلى فريقين اثنين من ضجيج ودم. ومن دون أي عجب، انقسم السوريون أمام مقتل الساروت إلى فريقين يتراشقان السباب والشتائم والاتهامات وادعاءات الوطنية وتخوين الآخر. فكان منهم من رأى في الساروت قائداً ورمزاً تحدى النظام الذي استعمل كل الوسائل المتاحة من سلاح وحلفاء اقليميين ودوليين لحرق البلد مقابل بقاء الأسد. بينما استقى آخرون من أغاني الساروت ومقاطع الفيديو خاصته، إدانات صريحة وواضحة لتوجه الساروت الجهادي والإرهابي وإعلانه مبايعة داعش والتي قوبلت بالرفض.

يتحدث الكاتب السوري نبيل الملحم في مقابلة صحفية على موقع “ألترا صوت دوت كوم” عن “إن الثورة التي لا تراجع نفسها تسقط لا الماضي، بل تسقط المستقبل”. وهذا صحيح إذا آمنا بصحة ما يقال بأن النقد غايته التوجيه لا التشويه.
لذلك، عملنا على استكمال دعوة موقع “الجمهورية دوت نت” في “تجميع فصول قصّة الساروت بأكمل صورة استطعنا الوصول إليها”، من زاوية تراجع تهديد السلم الأهلي في سيرة الساروت. ويتمثل هذا التهديد في إحدى أغاني الساروت التي تتوعد بذبح مكون من مكونات الهوية السورية وطرد آخر دون اعتبار لكونهم بشراً. وعليه يأتي السؤال، أليس من الضروري لثورة “كل السوريين” أن تقوم بإعطاء جميع الحقوق لأصحابها سواء آمنوا بها أو لم يؤمنوا؟! لم تقترن تسمية ثورة يوماً بتهديدات بالذبح لمجموعة تعيش بينها وتشاركها يومياتها. لا ننكر حقيقة إجرام النظام وعبثية الموت التي تقترن باسمه، لكن ذلك لا يسمح بشكل أو بآخر بمجاراة النظام في تحويل الثورة إلى طرف في الصراع الأهلي. وقد نجح!! ونشير هنا أيضاً إلى أننا لا نغفل مأساة شخص فقد أربع إخوة وهو لم يبلغ السابعة والعشرين من عمره الذي لم يخلو من حصار وترهيب.

في تأكيد جماعة من السوريين على قيادة الساروت ورمزيته للثورة يسهم البعض في تعزيز خطاب الكراهية دون مسائلة لتعزيز خطاب الكراهية المقابل. قد يرى البعض في هكذا نقد أنه تبريرٌ للنظام وإجرامه ولكن لا يجب أن يجهل أحدنا حقيقة أن العنف دائرة مفرغة يتم الاستثمار فيها عبثاً. وعليه، يتشارك نشطاء الثورة السورية مسؤوليتهم في مواجهة هذا العبث والاستثمار في السلم الأهلي ليتمكنوا من صناعة ثورة على النظام لا إنتاج صورة عنه.
بعبارة أخرى، لا يشكل مواجهة خطاب الكراهية تلوناً كما يتفق فريقي النظام والمعارضة مصادفة على تسميته بالخط الرمادي، بل هو دعوة لجعل تجريم العنف في خدمة التغيير السياسي والمجتمعي.

في هذا السياق، يعتبر الباحث السوري ماهر حميد في رثائه للساروت على صفحته على الفيسبوك أن لحية الساروت تمثل خط الثورة حيث تنقل الحراك إلى العسكرة ومنها إلى السلفية والجهادية. “كان لحية الساروت تمثل خط سير الثوره فمن فتى امرد يقف بجانب فدوى سليمان و يغني للثوره الى حامل بندقيه بشعيرات على دقنه الى ملتحي يبايع داعش ,(التي رفضت هذه البيعه ) الى كل من يمنحني رصاصه”.

في البحث في إعلام الثورة، نجد أن معظم الناشطين والناشطات قد ترك الأمر مادة سهلة لكيفورك الماسيان والذي استغل الصحافة التي جعلت من الساروت رمزاً للثورة ليقول للعالم أجمع أننا كمعارضة لسنا طلاب عنفٍ فقط بل وإرهاب أيضاً، وأن النظام السوري واجه منذ البداية إرهاباً وإرهابيين لا مطالب بالتغيير والإصلاح. بالتأكيد يجب ألا يغيب عن أحد أنه، أي كيفورك المقيم في ألمانيا، معروف بمواقفه المتطرفة من الأحداث وتحالفه مع أحزاب عنصرية وكارهة لوجود السوريين بينهم في الخارج.

إلى اليوم لم يقدر متصدري الحراك بعد دور خطاب الكراهية في خسارة الثورة سمعتها ودعمها محلياً وعالمياً. بالإضافة لذلك، يسهم في تلك الخسارة تغاضيهم (دون حساب لا لحرمة دم ولا لحقيقة أن قرابة مليون سوري يعيشون اليوم في أوروبا بعد أن شردهم النظام السوري وداعش) عن الخطاب المناصر للتنظيمات الإرهابية كداعش والقاعدة والتي كانت قد تسببت بالكثير من الآلام للمجتمعات السورية والأوروبية أيضاً.

نتفق مع فريق النظام حول تجريم العنف والكراهية في خطاب الساروت لو أن بوصلتهم كانت متركزة على مفهوم السلم الأهلي بالمطلق مما يعني بالمقابل تجريم عنف النظام.
نعم، السوريون الراغبون بالعيش المشترك قد انقسموا حول الساروت من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. ولا نقول إنه خطأ بل هو أمر صحي وديمقراطي ولكن فقط في دولة قانون يتم فيها تجريم العنف وخطابات التحريض والكراهية. فيما عدا ذلك فإن ما يجري هو غياب مجسد للبوصلة وعدم اكتراث بالمستقبل يستوجب رغبةً وعملاً حقيقيان من أجل التغيير لا الاكتفاء بطرح الشعارات.

مرام داؤد

المصادر:

https://www.aljumhuriya.net/ar/content/زمان-عبد-الباسط?fbclid=IwAR3wsVy2h3Bi1neTj6vUMCHgsIZ9OwWIQXYK2ZjGb7gT-OgSfQNYTkW2SGo

 

https://www.syriana-analysis.com/watch-the-msm-mourning-glorifying-a-radical-jihadist/?utm_source=SyrianaAnalysis

 

https://www.ultrasawt.com/نبيل-الملحم-أغار-من-عبد-الباسط-الساروت/جورج-كدر/أدب-وحياة/ثقافة?fbclid=IwAR2Ls7HZDIv6Z-tQHphnU12euCdsoc6CE8XDO8fP31cvyw-wcePWhLrcURc

 

https://www.facebook.com/photo.php?fbid=2355798707820467&set=a.103747959692231&type=3&theater

Scroll to Top