آشور أزادي
حتى لا نكون مجحفين بحق المخابرات التركية، نعترف بأن الدكتور حقان فيدان (باشا MIT) يتمتع بذكاء جهنمي نسبة لنظرائه في المنطقة. وهو الذي خطط مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مباشرة ما يتعلق بالملف السوري. أما “الأوغلويات”، من داود إلى شاويش، فتكفلا بالإخراج الإعلامي والدبلوماسي للمشروع العسكري الأمني التركي الخاص بشمال سوريا.
وضعت المخابرات التركية منذ اليوم الأول للحراك الشعبي بيادقها في موقع الرقيب على كل القوى والفصائل السورية التي عملت في الأراضي التركية، بما في ذلك (المنظمات الخيرية). الملازم توفيق كان فوق رأس رياض الأسعد، فرقة من مخابراته سلمت الهرموش للجيش السوري، اخترقت المخابرات التركية قيادات النصرة وأحرار الشام، وعندما سعى حسان عبود إلى استقلال القرار، تم اغتياله مع ثلاثين من قيادة الأحرار. لم يعد التنسيق بين المخابرات التركية وأبو مسلم التركماني نائب البغدادي، حتى اغتياله سرا، وهذا الأخير هو القائل بأن هناك حديث نبوي يقول “أتركوا الترك ما تركوكم”. منذ اليوم الأول لفكرة تأسيس مجلس عسكري، جرى إبعاد كل الوطنيين من الضباط المنشقين واعتمد على الإخوانيين هيثم رحمة (عضو ما يسمى باللجنة الدستورية!!!) ونذير الحكيم وسليم ادريس؟؟… وأبعدت كل الكفاءات لمخيمات تحت الرقابة أو إلى أوربة وبعض الدول العربية. جرى فتح الحدود لقرابة 120 ألف “جهادي” من أكثر من سبعين دولة لدخول الأراضي السورية بعضهم كان ينقل في سيارات الإغاثة لمؤسسة IHH “الإغاثية”. كانت اللجنة العسكرية MOM تضم دولا غربية وخليجية، ولكن تحت السيطرة التركية. كيف ننسى أن إريك شوفالييه سفير فرنسا في سوريا هو من روّج لسليم إدريس وسماه (ديغول سوريا)؟؟. وقد جندت المخابرات التركية عددا من السوريين داخل المجلس الوطني والإعتلاف للمتابعة الدقيقة لكل اجتماع بما فيها اللقاءات المصغرة.
تمسك المخابرات التركية كل الموالين لتركيا الأردوغانية سواء بتسجيلات لهم يستلمون الأموال أو يستقبلون المومسات في الفنادق. المخابرات التركية وضعت في غرف وفد التفاوض أجهزة تنصت في حين اكتفت السلطات السويسرية بمراقبة الممرات والمداخل لأسباب أمنية. وهي تمسك برقبة نصر الحريري في تسجيلات باستلام المال من موظف في البعثة القطرية في جنيف كما وثق “الكتاب الأسود” أو دخول مومس إلى غرفته في فندق رويال في جنيف أو حساباته البنكية في تركيا. لذا فهو تحت “السيطرة الكاملة” كما أكد لنا أحد نواب المعارضة التركية.
أصرت السلطات التركية على إبعاد الكورد (وليس فقط أعضاء حزب الاتحاد الديمقراطي) من اجتماعات الرياض ووفد التفاوض، وكان الأمريكي راضيا عن غياب الكورد لأن ذلك يضع قسد تحت ضغط واضح: الولايات المتحدة هي الطرف الوحيد الذي يدعم قسد، لا الأمم المتحدة ولا الأستانة تعترف بكم أو بوجودكم. وسقطت وحدات حماية الشعب في هذا الفخ. وزادت من خطابها الإيديولوجي واضعة صور أوجلان حتى على أبواب المقابر، معتبرة “انتصاراتها” انتصارات لنهج “القائد أبو”. وصار بقاء القوات الأمريكية مطلبا وجوديا للأوجلانيين.
لقد كنا نعلم بكل هذا، لذا حرصنا على المشاركة في مؤتمر القاهرة وحضرت المؤتمر ضمن المكون السرياني. والجميع يتذكر كيف حركت المخابرات التركية أحمد رمضان للتواصل مع أحمد العسراوي وصفوان عكاش من هيئة التنسيق لورقة تفاهم في باريس وبروكسل لضرب مؤتمر القاهرة، الأمر الذي قصم ظهر البعير بين هيئة التنسيق والتيار الوطني الديمقراطي الساعي لتشكيل جسم سياسي وطني ديمقراطي مستقل ينبثق عن مؤتمر القاهرة. لكن للأسف كل بلد كان يرى الملف السوري من مصالحه الخاصة، لذا أكمل السفير المصري ياسر العلوي ما بدأه أحمد رمضان والإخوان في تمزيق منصة القاهرة وتسليمها لمن يخضع لهم. وبذلك توافق الأعداء على تغييب وضرب التيار الوطني الديمقراطي السوري.
لا يمكننا نسيان “التخبط السعودي” منذ تسليم بندر وأخيه للملف السوري إلى انعقاد الرياضين 1+2. كان بندر بن سلطان نسخة مسخ لحمد بن جاسم، والذي خبث، كما يعلمنا القرآن الكريم، لا يخرج إلا نكدا.
لقد تشارك “أصدقاء الشعب السوري” و”أصدقاء الحكومة السورية” في إيصالنا إلى ما نحن عليه، بتوافقهم على ضرورة تغييب وإبعاد القرار السوري المستقل. وأصبحت الأرض جاهزة للتوسل لكل احتلال أو تدخل خارجي من قبل مرتزقة هذه الدول. حتى الأمم المتحدة ألبست بعض مجرمي الحرب ثوب “الاحترام” في الطريقة التي تم بها اختيار ما يسمى باللجنة الدستورية.
بقرائتي لبيان “المؤتمر الوطني الديمقراطي السوري” بالأمس نلاحظ تجنب فتح ملفات الماضي، إلا أنني كمواطن سوري مستقل، يرفض الحسابات بدأت استنكاري للعدوان التركي بالتذكير بما أوصلنا إليه. مع كل الإحترام لهذا البيان. كذلك استوقفتني مقابلة بليغة وفصيحة وصريحة للدكتور خالد المحاميد، أرفقهما لكم في مقالتي متمنيا النشر دون أي تعديل أو حذف.
لا للعدوان التركي
ليس ثمة جدوى للتعرض لما سبق التاسع من تشرين الأول/أكتوبر 2019، فالمشروع التركي لما سمي بالمنطقة الآمنة سبق وجود داعش وولادة قسد. الحكومة التركية التي سمحت بدخول قرابة 120 ألف مقاتل أجنبي إلى الأراضي السورية لا تملك أي صك براءة في لجوء ملايين السوريين هربا من قمع السلطات السورية والتنظيمات الإرهابية، وبالتالي ليس لها إعطاء الدروس في مواجهة الإرهاب أو توفير بيئة آمنة لعودة اللاجئين. من هنا تجريمنا لموقف بعض السوريين المؤيدين للاحتلال التركي أو المشاركين فيه. فهل دور ما يسمى “الجيش الوطني” محاربة أبناء شعبنا في شرقي الفرات والقتال تحت أمرة الجيش التركي؟
ما يحدث اليوم، ليس مواجهة مع وحدات حماية الشعب أو قسد أو الإدارة الذاتية، نحن أمام احتلال لأراض سورية في أكبر مشروع للتغيير الديمغرافي في تاريخ سوريا الحديث. وأي تغيير ديمغرافي واسع يستخدم اللاجئين الضحايا في إثارة النعرات القومية بين مكونات الشعب السوري الواحد. إن “حزام العفة الأردوغاني” يزرع إسفينا في صلب النسيج المجتمعي السوري مع كل ما يترتب على ذلك من نتائج كارثية بعيدة الأمد.
وكما يتوافق أغلبية أبناء شعبنا، لا يوجد نصر عسكري في الوضع السوري المعقد، وكما شاهدنا نزوح مئات الآلاف من عفرين، فإن عدد الضحايا سيكون أكبر ممن تدعي الحكومة التركية إعادتهم إلى سوريا. لا يختلف الحل الأمني العسكري التركي عن خيار السلطات السورية الأمني العسكري منذ 2011، ومن مهازل القدر تحول فصائل مقاتلة سورية إلى “شبيحة” للمشروع الأردوغاني.
إن المؤتمر الوطني الديمقراطي السوري، الذي رفض وجود المقاتلين غير السوريين من أي بلد أتوا ولأي طرف انضموا، يدين بشدة العدوان التركي ويتوجه إلى كل المنظمات السياسية والمدنية وأبناء شعبنا للوقوف في وجه هذا العدوان وتنظيم أشكال المقاومة المدنية المختلفة لإحباطه.
المؤتمر الوطني الديمقراطي 9/10/2019