محمد العبيد
لا ينتج المحتل حلا وطنيا، واذا أنتج هكذا حل، فهو بالضرورة وفق مصالحه العليا، والثمن باهظ على الصعيدين السياسي والاقتصادي. لا يوجد تدخل عسكري في التاريخ “لوجه الله” وبدون مقابل.
على الأغلب، لن يتناسب هذا الحل مع مصالح الشعب السوري من حيث الحفاظ على وحدته واستقراره وسيادة دولته وبالتالي سيكون حلاً مشوهاً يزيد من مآساتنا ولا يُنهيها، فبشكل أو بآخر، هذه الدول ايران – تركيا – روسيا – أمريكا، أصبحت بآن واحد، طرفاً اساسيا في النزاع والحل معاً، ومهما كان دور هذه الدول وحجم تدخلها في سوريا، لا يمكن أن يكون الحل إلا عبرها وبموافقتها وتعاونها .. طبعا مع الحفاظ على الفارق بالنسبة لدور كل منها. ولكن أيضا، وهنا المفارقة، كلما تضاربت مصالحهم كلما زادت الهوامش أمام السوريين للضرب بأوراق طبيعية نتيجة التاريخ والجغرافياوالمصالح المشتركة مع الدول العربية.
من هنا تأتي أهمية الدور العربي في الملف السوري، وهو الدور الأكثر تضررا والاقل تكسبا من استمرار الصراع السوري وترك سوريا دون حل سياسي أو تسوية سياسية.. لأن الحريق السوري يضعف أمنها القومي ويشكل سابقة سلبية تمس مفهوم السيادة والدور لهذه الدول.
لابد من الاشارة والاعتراف ان الدور العربي اليوم هو محرك اكثر ماهو مقرر ولهذا أسباب عدة وعوائق كثيرة لا يوجد متسع لذكرها، وغالبيتنا يدرك الكثير منها.
تحمل مفاوضات الملف النووي الايراني مخاطر ومخاوف عربية، وبأي شكل كان، فهذا الاتفاق لن يكونفي صالح أي دولة عربية وبالتأكيد ليس لصالحنا وربما يكون على حساب قضيتنا وعموم المنطقة .
لذا، لا بد من تقديم ضمانات، وحلحلة سياسية لباقي الملفات العالقة في المنطقة قبل هذا الإتفاق والاعلان عنه، فهناك خشية ومخاوف حقيقية من تنازل إيران عن طموحاتها النووية مؤقتا إلى حين، مقابل مشروعها التوسعي في المنطقة وفتح اقتصادها على العالم. وهي تعلم يقينا، أنه يمكن لإسرائيل أن تسمح باستمرار هذا المشروع والتعامل معه وتحجيمه بالشكل الذي يضمن استثماره في صالحها ، لكن لا تسمح اسرائيل والقوى العظمى لها بامتلاك السلاح النووي ولا حتى موازين القوى الكبرى في العالم تتحمل دخول عضو جديد إلى النادي النووي.
في ظل تحرك دولي عربي واقليمي واضح يهتم بالملف السوري وتغيير في موازين القوى من حيث المصالح والأدوار والمفاوضات الإيرانية، مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي في سوريا، نجد للأسف جمودا وغيابا لأي تحرك ونشاط سياسي سوري، بل يواجه هذا التحرك الدولي بوهن وبخلافات وانقسامات وهشاشة في المعارضة السورية .
كما أن الحل السياسي ليس ضربة سحرية، فالعمل من أجله لا يأتي من فراغ، ولا يعزز أي تحرك باتجاهه، حالة الانقسام والتشرذم التي تطبع المعارضات السورية، خاصة منها من لا يختلف عن نظيره إلا بالاسم ويشترك معه في التصور والمشروع.
لابد لنا كسوريين من التقاط التحركات المحيطة بنا على الشاطئ العربي، واستثمار هذا الدور لأن سوريا بكل المعاني، القومية والجيو سياسية، جزء أساسي مما يحدث حولها.
لابد من طرح وحمل هذه المخاوف والتحذيرات المذكورة أعلاه لتفعيل الدور العربي والخروج من حالة الجمود وانسداد الافق والخلافات، واستغلال التحركات العربية والدولية كما التصريحات واللقاءات في كل ما يتعلق بهذا الشأن من خلال الدفع والطلب بتفعيل الدور العربي ليكون ضاغطا لفتح قنوات دبلوماسية سياسية لدى الدول الكبرى، وأهمها امريكا وروسيا لتحريك الملف السوري للوصول الى الحل السياسي. وللتذكير فإن النظام يحاول الاستثمار والاستفادة من الدور العربي واكد ذلك في خطابه في وزارة الاوقاف بدمشق وتغنى بالاسلام وتمسك بعروبة سوريا بعد ان تخلى عنها سابقا.
وهنا اطرح السؤال الصعب
كيف لنا ندفع بالدور العربي للأمام، وهل نكتفي بالتصريحات والمطالبة السطحية فقط وننتظر من يبادر ام اننا نحتاج نحن لوضع تصوراتنا لهذا الدور الذي سيكون مؤثرا وكتابة مبادرتنا وطرحها لتتناسب مع هذا الدور المطلوب وتقديمها كوثيقة رسمية تكون مشجعة ومقنعة للجامعة العربية على تبنيها وحملها والتسويق لها باسمها لا باسمنا خاصة عند الامريكي والروسي وباقي الدول الكبرى
من خلال ذلك نستطيع التأثير ونكون مقنعين بادائنا لتحملنا المسئولية، من أجل تحريك فعلي وجدي للملف السوري والمساهمة في الحل القادم
لنعترف اننا كسوريين لا نملك من قرارنا شيء سوى أفكارنا وقدرتنا على المبادرة والطرح، كما نفتقد لأبسط مقومات التأثير والفعل فلنبادر ونطرح على من يملك القنوات الدبلوماسية والعلاقات الرسمية والدولية وله مصلحة بخلاصنا وكل من هو متضرر من عدم استقرارنا
أيضا لابد من الاشارة الى القرار ٢٢٥٤ هذا القرار شاغل الدنيا والسوريين والكل ينادي وموافق عليه ويصرح أن “الحل يكمن في تطبيق القرار ٢٢٥٤”… لكن لا أحد يقول لنا كيف يتم تطبيق هذا القرار بظل خلافات على تفسيره كما يفتقد القرار الآليات والأدوات للتطبيق مع غياب ارادة دولية وفي ظل تناقضات معرقلة داخل هذا القرار كفيلة بتعطيله سنوات وسنوات
كل هذا يقع على عاتق السوريين بايجاد الطرق المناسبة وطرح الاليات والادوات الممكنة لتطبيق هذا القرار، ولا ننتظر من الدول الجاسمة فوق سيادتنا أن تجد وتطرح علينا ذلك، فهي بالأساس غير مهتمة وغير مبالية ومصالحها أقرب الى استمرار الصراع أكثر من انهائه .
هل نستطيع ان نلتقط كل هذه الاشارات للتقدم خطوة الى الامام والخروج من حالة التشرذم والانسداد في العملية السياسية
هل نستطيع وضع رؤية جديدة لإعادة هيكلة المعارضة وتقديمها الى المملكة العربية السعودية كونها المفوضة بجمع المعارضة والخروج بجسم سياسي قوي ضمن إطار تنظيمي قانوني وآخر تفاوضي متمكن لنكون على قدر من المسئولية أمام تضحيات ومآساة شعبنا
هل نستطيع وضع تصور ما، يدعو الى لقاء في القاهرة على غرار لقاء سوتشي في الحضور وليس في النتائج يجمع مؤيدين ومعارضين وشخصيات سياسية وطنية! ليكون مؤتمرا وطنيا شاملا جامعا يفتح حوار سوري سوري يطرح وينتج حلول !
هل نستطيع وضع تصور لتطبيق القرار ٢٢٥٤ يتناسب مع واقع اليوم ويتم تسويقه عبر المجتمع الدولي
هل نستطيع الدعوة للقاء تشاوري مصغر لشخصيات سورية وطنية تخرج برؤية وخارطة طريق تحمل مخاوف الجميع وتكسب تأييد الغالبية من سوريين ودول راعية ومتداخلة ومتدخلة في سورية
هل نستطيع طرح استبدال كتابة الدستور بإعلان دستوري وتأجيل كتابة الدستور الدائم لحين الدخول بمرحلة انتقالية فعلية و تشكيل فريق وطني اكاديمي متفق على كتابة دستور ومعايير وشروط حقيقية تسهل عملهم
وليس فريقا متنازع ومختلف ضمن شروط توافق وعملية تصويت من المستحيل تطبيقها أو حدوث أي تقدم في عملها.
بالحد الادنى وبوقت يذهب الائتلاف الى ادارة الشمال وبات مثله مثل قسد
هل نستطيع طرح عملية اندماج بين القوى السورية المتبقية وعلى وجه الخصوص منصة القاهرة وموسكو وهيئة التنسيق واللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني السوري بما في ذلك مؤتمر جود ومن لديه ارادة ورغبة بعمل مشترك ويرغب أن يقدم نموذجا حقيقيا للعمل المشترك جسم متماسك من حيث الرؤية الوطنية والمشروع والهدف الوطني
كل هذا يحتاج إلى نقاش ولجهد وعمل جماعي مشترك لا الى تواصلات وعمل فردي، وإلى التخلي عن الصورة المضخمة للذات عند هذا التكوين أو ذاك.. فالعمل الجماعي والتوافق التنظيمي السوري عليه كفيل بنقلنا إلى مرحلة جديدة في نضالنا كسوريين وعلاقتنا بالعالم.
————-
عضو الأمانة العامة لمؤتمر القاهرة
برلين ١١-٤-٢٠٢١