ما زال العمل من أجل عقد المؤتمر الوطني السوري لاستعادة السيادة والقرار قائماً وأصبح أكثر إلحاحاً من ذي قبل، من أجل ذلك، تعمل اللجنة التحضيرية باستمرار، وبشكل يومي، من أجل عقد هذا المؤتمر. وإن كان “الحجز الصحي العالمي”، وطوال أمد جائحة كورونا، يقف عائقاً أمام موعد عقد هذا المؤتمر، تماما على العكس من المستجدات والتطورات التي يعانيها الشعب السوري والأوضاع في الداخل والخارج، في الخيام والمخيمات، وما تعانيه المعارضات السورية وممثليها ومنصاتها ومؤتمراتها من هيئة التفاوض “المجمدة” إلى اللجنة الدستورية “المعطلة”، ومن الإتلاف إلى مؤتمر القاهرة، مروراً بكل المنصات وما يتعلق بكل المكونات الوطنية السورية.. في غياب جسم سياسي تمثيلي ووازن يتعرف المجتمع السوري فيه على نفسه وما ضحى من أجله، يصبح أمر عقد مؤتمر وطني جامع، ضرورة ملحة. لأن عالم السياسة كالطبيعة، لا يتحمل استطالة التعفن والشرذمة والفراغ. فمعاناة الشعب السوري من فقرٍ وجوعٍ وفلتانٍ أمني وضغوطات دولية وإقليمية وما يتهدد سورية من تقسيم “الأمر الواقع” في شبه إمارات وإدارات، وتحول قطاع هام من المعارضة “الرسمية” التي فرضها “أصدقاء الشعب السوري” إلى مجموعة من المقاولين المرتهني القرار. كأن التاريخ يكرر نفسه، بعد الثورة السورية الكبرى ومحاولات الانتداب الفرنسي إعادة البلاد إلى ما سبقها، جاء المؤتمر الوطني في 1928 ليعيد الاعتبار لكل ما قام الثوار السوريون من أجله محطما المشروع الفرنسي للتقسيم والهيمنة.. تنتصب المهمة الوطنية أمام الشعب السوري الذي قدم ما لم يقدمه شعب من أجل الكرامة والحرية، بعد عشر سنوات من الأوجاع والاستهداف الداخلي والخارجي، أمام مهمة الإجماع دولة ديمقراطية ذات سيادة، دولة العدالة والمساواة والإخاء والمواطنة.
وإن كانت مجموعات العمل من أجل المؤتمر تعمل حثيثة على إجابات عقلانية وعملية من أجل بناء جيش وطني ودولة مؤسسات حديثة، فوق المعتقدات والإيديولوجيات. أجد من الضروري التذكير بأهم المبادئ الدستورية، التي تنضج أكثر فأكثر من أجل عقد مجتمعي جديد. فأي عقد مجتمعي جديد هو ميثاق مستقبلي لا يخضع لمزاج فئة أو حزب أو طائفة أو قومية، وهو السيد في كل الظروف العادية والاستثنائية، ومرجعية لكل القوانين التي يجب أن يُعمَل بها , فالهدف من هذا العقد الاجتماعي هو تحرير الدولة من سيطرة فئة أو حزب أو إيديولوجية أو جماعة مهما كان شكلها ومنعها من الوقوف حائلاً أمام مقدرات الشعب السوري ومستقبله. من هنا لا بد من وجود مبادئ دستورية أساسية (أو مبادئ ما فوق دستورية) تستند إليها المراسيم والقوانين باعتبارها قواعد تأسيسية للدولة من أهم هذه المبادئ والتي تضمنتها وثائق اللجنة التحضيرية والتي ستقدم للمؤتمر ما يلي:
” الشعب السوري واحد، عماده المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات دون تمييز بين أبنائه بسبب اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو المذهب، المواطنة المرتكزة على أساس وفاق وطنيّ شامل “الدين فيه لله والوطن للجميع”، حيث لا يجوز لأحد فرض دينٍ أو اعتقادٍ على أحد، أو أن يمنع أحداً من حريّة اختيار عقيدته وممارستها.
التأكيد على حقوق الإنسان، التي تتأسّس بين السوريين على الإلتزام بالمواثيق والعهود الدوليّة لحقوق الإنسان، أي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمدنية والثقافية والبيئية التي كرستها البشريّة. وضمان التمتّع بهذه الحقوق للمواطنين والمقيمين على السواء.
الشعب السوري حرّ وسيّد على أرضه وفي دولته، وهما وحدة سيادية لا تتجزّأ ولا يجوز التخلّي عن أيّ شبرٍ فيها، وفي مقدمتها الجولان المحتلّ. وللشعب السوري الحقّ في النضال من أجل استعادة أراضيه المحتلّة بكلّ الوسائل التي أقرتها الشرعية الدولية لمقاومة الاحتلال.
يعتز الشعب السوري بعمقه الحضاريّ والثقافي والدينيّ الثري والمتنوّع، ممّا يشكّل جزءاً صميميّاً من ثقافته ومجتمعه، ويبني دولته على قاعدة الوحدة في التنوع وحق الإختلاف، بمشاركة مختلف شرائحه دون أيّ تمييزْ أو إقصاء.
تشكّل الحريّات الفرديّة والعامّة والجماعيّة حقا مشروعا غير قابل للتصرف، وتكفل الدولة الحريات العامّة، بما فيها حرية الحصول على المعلومة والإعلام، وتشكيل المنظمات غير الحكومية والنقابات والأحزاب السياسية، وحرية الاعتقاد وممارسة الشعائر، وحرية التظاهر والإضراب والاعتصام السلمية. تثبت هذه الحريات في الدستور، وتوضع القواعد القانونية لصونها من هيمنة عالم المال أو السلطة السياسية. كما تكفل الدولة السورية احترام التنوّع المجتمعي ومعتقدات ومصالح وخصوصيّات كل أطياف الشعب السوري، وتقرّ بالحقوق الثقافية والسياسية لكلّ مكوّناته وتطلّعها للتطور والرعاية.
حماية الإنسان وكرامته وسلامته على أرض سورية تستوجب تجريم المذهبية والطائفية السياسية والإرهاب والعنف.
حماية البيئة والتراث الوطني والإنساني في سورية جزء لا يتجزأ من حماية الإنسان والوطن.
إدماج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الدستور الوطني، ويضمن الدستور إزالة كافّة أشكال التمييز ضد المرأة، ويؤكد على ضرورة خلق المناخ التشريعي والقانوني الذي يؤمّن تمكينها ومشاركتها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً فيما يتفق مع كلّ المواثيق الدوليّة ذات الشأن.
الـتأكيد على احترام الدولة والدستور والقوانين لاتفاقية حقوق الطفل والتزامها، ووضع المعايير والسياسات الضرورية للرعاية الصحية والنفسية والتعليمية والخدمات الاجتماعية والمدنية والقانونية المتعلقة بالطفل.
التأكيد على احترام حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة والجرحى والمعاقين، وتوفير مسلتزمات المشاركة التامة في العمل والنشاطات العامة والتواصل الاجتماعي والثقافي.
سورية هي جزء من الوطن العربي، تربطه بشعوبه وشائج الثقافة والتاريخ والمصالح والأهداف الكبرى والمصير المشترك. وسوريا عضو مؤسّس في جامعة الدول العربيّة، تتطلّع إلى توثيق مختلف أشكال التعاون والترابط بين البلدان العربيّة.
تلتزم الدولة السورية بدعم الشعب الفلسطيني وحقّه في إنشاء دولته الحرّة السيّدة المستقلّة وعاصمتها القدس.
سورية جزء من المنظومة الدولية وهي عضو مؤسّس في هيئة الأمم المتحدة والمنظمات المتفرّعة عنها، ولذا فهي ملتزمة بميثاقها، وتسعى مع غيرها من دول العالم لإقامة نظام دولي بعيد عن جميع النزاعات المركزية والهيمنة والاحتلال، نظام قائم على التوازن في العلاقات وتبادل المصالح والمسؤولية المشتركة في مواجهة التحديات والأخطار العامة التي تهدّد أمن وسلام العالم.
الشعب هو مصدر الشرعية والعدل أساس الحكم الرشيد. تتحقق السيادة السورية في الربط العضوي بين الوطن والمواطن. في ظل النظام الجمهوري الديموقراطي ودولة المواطنة المدنية. دولة ينظم الدستور عقدها المجتمعي ويسودها القانون وتقوم على المؤسسات. ولا يجوز فيها الاستئثار بالسلطة أو توريثها بأيّ شكلٍ كان.
تقوم مؤسّسات الحكم في الدولة السورية على أساس الانتخابات الدوريّة والفصل التام بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، ودسترة الهيئات الرقابية المستقلة في قضايا وحقوق الإنسان والشفافية والنزاهة والعدالة والإنصاف والهيئة العليا المستقلة لانتخابات حرة ونزيهة ضامنة لمبدأ التداول على السلطة عبر الانتخاب السرّي والحرّ.
يقرّ دستور جديد أسس النظام الديموقراطي المدني ونظام انتخاب عصريّ وعادل يضمن حق مشاركة كافّة التيارات الفكرية والسياسية، ضمن قواعد تؤمّن أوسع تمثيل للشعب واستقرار النظام البرلماني، وتضبط بشكلٍ دقيق الموارد المالية وإنفاق الأحزاب والجماعات السياسية.
الجيش السوري هو المؤسسة الوطنية التي تحمي البلاد وتصون استقلالها وسيادتها على أراضيها، تحرص على الأمن القومي ولا تتدخّل في النشاطات السياسية. وتحدد وظيفة أجهزة الأمن في نطاق حماية المواطن والوطن واحترام الحقوق الإنسانية الأساسية.
تعتمد الدولة مبدأ اللا مركزية الإدارية، بحيث تقوم الإدارة المحلية على مؤسسات تنفيذية تمثيليّة تدير شؤون المواطنين والتنمية في المحافظات والمناطق، بهدف الوصول إلى تنمية مستدامة ومتوازنة.
تحمي الدولة أشكال تنظيم المجتمع المدني المختلفة. وتضمن تمثيلها ومشاركتها في القرارات التنفيذية والتشريعية وبناء السلطة القضائية المستقلة والهيئة الوطنية لحقوق الإنسان وهيئات المصالحة والمحاسبة والرقابة الوطنية.
تصون الدولة الملكية الخاصة، التي لا يجوز الاستيلاء عليها إلاّ للمنفعة العامة ضمن القانون ومقابل تعويض عادل، ويمنع القانون أي شكل من أشكال تجيير المال العام لمصالح خاصّة.
تصون الدولة المال العام والملكيّة العامّة لمنفعة الشعب، وتقوم سياستها على العدالة الاجتماعية ورفع مستوى التنمية البشرية، وحماية الجماعات المستضعفة وإعادة توزيع الدخل والثروة عبر النظام الضريبي بين الفئات الاجتماعية وبين المناطق بما يرفع من مستوى دخول الفقراء ومستوى المناطق المهمشة، وكذلك على ضمان حريّة الاستثمار وفتح مجالات جديدة أمام المستثمرين والمبادرة الاقتصادية والمنافسة وتكافؤ الفرص وفتح الأسواق ضمن ضوابط تكافح الاحتكار والمضاربات وتحمي حقوق العاملين والمستهلكين. تضع الدولة السورية في مقدمة التزاماتها ومسؤولياتها الوطنية، تطوير وتحديث برامج التربية والتعليم، بما يستجيب لضرورة إعداد أجيال المستقبل المزودة بكل المعارف النظرية والتطبيقية والخبرات، التي تؤهلها لقيادة عملية التنمية في البلاد. إن نشر الثقافة العصرية الهادفة إلى تطوير الوعي الشعبي المستند على القيم العقلانية والموضوعية مهمة أساسية للدولة والمجتمع ومن واجب الدولة القضاء على الأمية. تولي الدولة السورية كل اهتماماتها لانتهاج سياسة عملية فعالة ترمي لتحقيق التواصل والتفاعل والتكامل بين السوريين المهاجرين والمغتربين، ووطنهم الأم، على أفضل وجه ممكن باعتبارهم جزءا أصيلا من شعبهم. بما يؤمن مساهمتهم الفعالة في خدمة وتنمية وطنهم والدفاع عن قضاياه العادلة وتقديم كل الخدمات الممكنة لهم. وفي هذا المجال فإن على الدولة أن تضع وتنفذ كل السياسات التي تحفز وتشجع كل الكفاءات والكوادر التي اضطرت لهجرة وطنها للعودة إليه للمساهمة في معركة إعادة الإعمار والتنمية وتأمين الإستفادة من خبرات وإمكانيات من لا تسمح لهم ظروفهم بالعودة القريبة. تلتزم الدولة السورية إزالة كافّة أشكال الفقر المدقع والتمييز ومكافحة البطالة بهدف التشغيل الكامل الكريم اللائق والإنصاف في الأجور، وحماية البيئة، وتأمين الخدمات الأساسيّة للمواطنين “.
ما أحوجنا في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها الشعب السوري لتوحيد الجهود والكلمة والعمل المشترك والضاغط للخروج مما تعاني سورية ومما يعانيه الشعب السوري فإذا كان العامل الحاسم هو إعادة السيادة والقرار للشعب لا نستطيع أن نُهمل دور الدول الإقليمية والدول ذات القدرة على دعم الشعب السوري فلا بد من تفاهمات لتحقيق مصلحة الشعب السوري أولاً وما يضمن العلاقات ذات الطابع الإنساني بين شعوب المنطقة ودولها على أن يكون أي حل أو إجراء تحت مظلة هيئة الأمم المتحدة الشرعية الدولية وبالحد الأدنى قرارات هيئة الأمم المتحدة وخصوصاً القرار 2254 .
سليمان الكفيري ٢٦ / ١ / ٢٠٢١ م