يوم الخميس 2020/10/08 وزع الشيخ رياض الحسن مقالا دون توقيع بعنوان “هل تقرر المعارضة السورية التطبيق الأحادي الجانب للقرار 2254” على موقع قناة الجسر، التي توقفت لأسباب عدة(1).
لم يكن من السهل على السيد الحسن إصدار المقال باسمه، بعد فضيحة مدير مكتبه ماجد الكاظم وما سمي سرقة “أموال” في نيسان/أبريل 2020. والحقيقة أنه لا فارق إن كان كاتبه أو أحد محرريه. لأن الإسلاميين غالبا ما استعملوا هذه الطريقة منذ عام 2011 حين نشروا على موقع الإخوان والقرضاوي بالونات اختبار يحاولون عبرها استقراء ردود الفعل (كمقالة بداية عهد الصلح الغربي الإسلامي للرد على اللاءات الثلاثة لهيئة التنسيق الوطنية ومقالات ردت على موضوع الخوف من تقسيم سوريا واعتبرت التقسيم ضرورة مرحلية للوحدة بعد سقوط النظام إلخ..).
جاء في مقال الجسر:
“المعارضة السورية بين خيارين:
الأول: أن تقف موقف المتفرج الصامت إلى أن ينتهي النظام من انتخابات 2021، ثم قد يعود إلى طاولة المفاوضات، ويعود معها إلى ممارسة المماطلة والتعطيل أملاً في حسم الموقف عسكرياً، أو التوصّل إلى صفقة ما سواء مع تل أبيب، أو بعض الدول العربية المطبّعة والتي ستطبّع معها، وبالتالي يعيد تأهيل نفسه، وتتوقّف مطالبات تغييره.
الثاني: أن تبدأ المعارضة السورية بالتنفيذ الأحادي الجانب للقرار 2254، وتحوّل الحكومة السورية المؤقتة إلى هيئة حكم انتقالية، وتعمل على صياغة دستور جديد للبلاد، وتدعو على أساسه إلى انتخابات رئاسية بإشراف الأمم المتحدة في المناطق التي تسيطر عليها، وتمكّن اللاجئين من المشاركة فيها، وهذا يعني مشاركة أكثر من نصف المواطنين السوريين في هذه الانتخابات، الأمر الذي يعطيها شرعية أكثر من شرعية الانتخابات المزورة التي سيقيمها النظام في مناطق سيطرته.“
يعرف كاتب المقال جيدا أن ما يسميه “الحكومة السورية المؤقتة” جثة هامدة لا حول ولا قوة لها، وأن المعارضة السورية التي يتكلم عنها (الإتلاف كما يلفظها حمد بن جاسم) قد تحّول إلى تجمع سوري للولاء للسلطان التركي، وأن كل محاولات توسيعه أو تجميله عبر وجوه محروقة قد فشلت. ولم يبق له إلا بعض دريهمات قطرية وغطاء سياسي تركي؟ لذا، عندما قرأنا هذا المقال، لم نأخذه على محمل الجد، كونه سيموت ويذهب مع الريح.
إلا أن الدكتور “عبقرينو”، الباحث عن أية جعجعة بلا طحن، تلقف الموضوع، وكتلميذ أمين للسلطة التسلطية، باشر بتنفيذه بنفسه، وبمستواه العقلي والثقافي. فلماذا يحول الحكومة المؤقتة الكاريكاتيرية إلى هيئة حكم انتقالي. أليس الائتلاف هو “الممثل الشرعي والوحيد لقوى الشعب والثورة والمعارضة”؟ ألم يبعث اجتماع الدوحة التأسيسي المادة الثامنة من دستور حافظ الأسد وهي رميم، ويصادرها لنفسه؟ بحضور جوقة أسمت نفسها “أصدقاء الشعب السوري” في نهاية 2012؟ لذا، ووفق أحكام النظام الأساسي للإتلاف المقر في 30/11/2012 وكافة تعديلاته، وبناء على مقتضيات المصلحة العامة يقرر “الرئيس” ما يلي:
مادة 1: يتم إنشاء المفوضية العليا للانتخابات وتقوم بأعمالها بعد تأمين البيئة الآمنة والمحايدة وتحت إشراف الأمم المتحدة وفقا لمقتضيات بيان جنيف 1 والقرار الدولي 2254″.
حتى لا نظلم “عبقرينو”، وللأمانة التاريخية، فإن هذا “القرار” يشكل سابقة في تاريخ البلدان والتجمعات السياسية. فحتى ورثة كيم إيل سونغ، أوكلوا أمر تشكيل “المفوضية العليا للانتخابات” إلى مجلس الشعب ولم يقم بذلك الحزب الشيوعي الكوري الشمالي أو أمينه العام. ولم يقم بينوشيه أو ضباطه يوما بتشكيل هيئة انتخابية واكتفوا بوضع الفيتو على أسماء اعتبروها “عدوة للوطن” أو مطعون بولائها. إلا أن هذه الخطوة التي أقدم عليها نصر الحريري، برأينا، ورغم كل غبائها في الشكل والمضمون، ستقدم خدمات كبيرة للمعارضة الوطنية الديمقراطية للأسباب التالية:
- أنها تعطي المثل الساطع على أن الائتلاف، ليس هيكلا ديمقراطيا ينشد بناء دولة ديمقراطية لا طائفية، بل مجرد تحالف إسلاموي- نفعي فُرض على السوريين في ظروف وتحالفات إقليمية ودولية محددة. وقد تعامل معه الإسلام السياسي ببراغماتية فائقة، فرغم ما ارتكبه الحريري مثلا، من ممارسات لا أخلاقية على صعيدي حمل الحقائب المالية والفضائح الجنسية أثناء مهامه كرئيس هيئة تفاوض، فهو “تبعهم”. فيما يذكرنا بجملة مستشار الرئيس الأمريكي كينيدي، عندما سأله دبلوماسي أوربي: كيف تدافعون عن شخص قذر مثل باتيستا، أجاب: “لأنه القذر تبعنا he’s our bastard”.
- أن معيار بقاء الائتلاف على قيد الحياة، متوقف على رضا السلطان التركي. فهل يتم إرسال مرتزقة سوريين إلى ليبيا وأذربيجان، بدون موافقة “وزير دفاع” الحكومة الائتلافية المؤقتة؟ وهل يمكن لصبية الائتلاف التلفظ ولو بملاحظة خجولة حول أي موضوع يمس السياسات التركية التوسعية في سوريا والمنطقة؟ وهل كان بإمكان “عبقرينو” أن يتحفنا بقراره المدهش دون ضوء أخضر من “المعلم”؟
- أن هذا “القرار”، بعد قرارات التتريك المتتابعة في شمال سوريا، تذكرنا بالقرارات المريضة للأوجلانيين في شرقي الفرات، عندما أعلنوا من جانب واحد، عن قيام “فدرالية” في منتصف آذار/مارس 2016. ها نحن أمام نفس العقلية الإنفصالية التي تستثمر في “الاستقواء بالخارج”، والتي كانت سببا في احتلال عفرين والتهجير السكاني الذي رافق ذلك، ومن ثم التراجع المسرحي عن هذا القرار، بعد فوات الأوان.
- أن الأوضاع الخطيرة هذه، والتي تقضي عمليا على توافقات المعارضة السورية في مؤتمري الرياض، تشكل اغتيالا في وضح النهار، لما تبقى من فرص للعملية السياسية وفق رؤية المبعوث الأممي وفريقه. فالرعيل القديم، الكونغورو الأسترالي وشركاه، الذين كانوا يأملون الحفاظ على صيغة “الرياض 2” مع دور فاعل للموالين لتركيا، أصبح خارج الخدمة، وحليفهم نفسه، هو الذي قام بتسريحهم التعسفي.
- أن من مهمة كل الوطنيين السوريين، المستقلي الإرادة والقرار، التداعي إلى بناء هيكل سياسي جامع، من كل من لم تتلوث يديه بالمال السياسي أو الدم أو الإرتزاق الخارجي، من أجل تكوين جسم سوري المشروع، وطني القرار، يناضل لتطبيق القرارات الأممية وبشكل أساسي بيان جنيف 1 والقرار 2254. باعتبارهما آخر ضمانة لبناء دولة مواطنة موحدة وذات سيادة.. خاصة بعد أن قرر الإئتلافيون القضاء على ما تبقى من العملية السياسية، بيدهم لا بيد النظام.
“هيئة تحرير كركدن”
(1) موقع قناة الجسر هو ما تبقى من قناة الجسر القطرية التمويل التي أدارها حتى توقفها في نهاية الشهر السادس 2019، صحفي الجزيرة تيسير علوني. وكانت قد وقعت سرقة في أحد المنازل التي يقول الموقع أنها مكتبا من مكاتبه. أصدر عدد من المحامين السوريين بيانا في تاريخ 14 / 4 / 2020، تعهدوا فيه بمتابعة القضية وفق الطرق القانونية في تركيا، وإقامة دعوى قضائية بعد تأمين الأدلة اللازمة بحق كل من “ماجد الكاظم ورياض الحسن واتهامهم بجرائم الإثراء غير المشروع والإضرار بالثورة، مطالبين الائتلاف بإصدار بيان شفاف يوضح سلوك المدعو رياض الحسن وتقييمه ثورياً ونزع الصفة التمثيلية عنه”. إلا أن أزمة ومسرحية تبادل المناصب في الإئتلاف، جعلت المتنافسين يلفلفون الموضوع للحفاظ على رياض الحسن في الائتلاف. حسب رياض الحسن، فإن كاتب المقال “وحدة دراسات مركز الجسر” وهو عضو فيها.