بعد مشادة حادة حضرها، كتب عبد الجليل اليوسف مُطيبا خاطر صديقه: “جاء رجل لخالد بن الوليد فقال له إن فلانا شتمك .. فقال: تلك صحيفته فليملأها بما شاء”.
تختصر هذه الحادثة الصغيرة أخلاق المناضل المتواضع، أبو يوسف، كما يحب صحبه مناداته. يكره الضجيج بطحن أو بدون طحن، تجربته العائلية والوطنية جعلته جامعا للأصالة والتجديد. تهدف الأنظمة القمعية في مجتمعاتنا إلى تفكيك العلاقات الاجتماعية باسم مواطنة بلا حقوق، فيلجأ المجتمع إلى بيت العشيرة يحتمي به. الباحث العربي متروك الفالح كتب في ضرورة جعل هذه الروابط جسرا نحو المدنية والديمقراطية، أما عبد الجليل اليوسف فمارس ذلك. ومنذ بداية الثورة، كان جزءا هاما من ظاهرة مجتمعية برزت في السنوات الأخيرة وتم التغطية عليها وأحيانا تشويه صورتها، وتحدث الكثير من الباحثين عنها، ظاهرة المجتمع الأهلي الأوسع من المجتمع المدني، والذي شكل حاضنة اجتماعية للثوار والمطالبين بالتغيير. الأمر الذي اضطر المبعوث الدولي الخاص بسوريا لاعتباره مكونا هاما في أي حوار وطني أو مفاوضات.
انتسب لثورة أهله من اللحظات الأولى، دون خطابات ولا ادعاءات.. فالتغيير عنده يبدأ من الذات، والممارسة والسلوك هي المعيار الثوري الوحيد عنده.. أما المال والجاه، فكما قال يوما: “إن أردت إفشال مشروع وطني فاغرقه بالمال”.. رغم معرفتنا بزهده في الكلام سعينا لانتزاع بعض الكلمات منه:
- السلام عليكم أبو يوسف، نحن نعرف أنك لا تحب أن تتحدث عن نفسك، لكن من حق السوريين أن يتعرفوا عليك ومن واجبنا أن نكسر حاجز الصمت على الوطنيين السوريين قولا وفعلا.. حدثنا عن نفسك وتجربتك ؟
- مواطن سوري، من قرية حوير العيس في ريف حلب الجنوبي- محافظة حلب. من عشيرة البوسالم (قبيلة البوشعبان)، شيخ عشيرة البوسالم وعضو مجلس رئاسة قبيلة البوشعبان في الشمال السوري. أكتفي بوصف نفسي بالقول: ناشط ثوري. ولأنني في منطقة شهدت من النزاعات المسلحة ما لم تشهده أية منطقة في بلدنا، فقد جعلت مهمتي الأساسية العمل على إصلاح ذات البين ومساعدة الضحايا والعمل على حل النزاعات بين أفراد المجتمع.
- شهد الشمال السوري هجرات جماعية متعددة في السنوات الأخيرة، وفي كل مرة رفضت مغادرة سوريا. وإن اضطررت تحركت من منطقة لأخرى داخل الوطن. ما هذه العلاقة بالأرض والأهل، وماذا يشدك للبقاء في الشمال رغم كل المخاطر اليومية ؟
- يعود إصراري على البقاء لأسباب عديدة أولها حب الوطن وترابه، وثانيها التشبث بأرض هذا الوطن حتى آخر رمق في عمري، وثالثها أن عاداتنا وتقاليدنا وأعرافنا العشائرية توجب علينا الدفاع عن الأرض والعرض وعدم التخلي عنهما، والرابع إدراكي العميق بأن الإنسان لا وطن له دون أرض. والخامس والأهم إيماني بقضية الشعب السوري وانتصارها مهما طال الزمن وامتدت المحن. إن وضعي الاجتماعي كشيخ لعشيرتي يلزمي أيضا بذلك، لأن من العرف أن يقتدي أفراد العشيرة بأعمالي، فإن هاجرت هاجروا.
- في أكثر من مرة احتجنا فيها للتدقيق في خبر أو معلومة، يقال لنا عند أبي يوسف الخبر اليقين، فهو لا يتحدث إلا بما هو متأكد منه، دول ملح ولا فلفل. من أين اكتسبت هذه الدقة في ضرورة وصف الأوضاع من حولك؟
- لا ينفع الضجيج والمبالغة في شيء. الحقيقة ضالة المؤمن كما يقول الحديث الشريف، فإن تكلم المرء فليكن حديثه شهادة حق.
- قال أحد إخوتك السوريين عنك أنك من “حزب إنما الأمم الأخلاق ما بقيت”، هل أحسن الوصف؟
- أتمنى أن أكون عند حسن ظن أهلي وإخوتي.
- “سوريا أولا وسوريا لكل السوريين وفوق الطوائف والقوميات”، هل كان لديك الشعور نفسه في 2011 أم أن هذا الشعور وليد الخطر الداهم على مستقبل الوحدة السورية أرضا وشعبا؟
- كان هذا شعوري في بداية الثورة في 2011، وهو ذاته اليوم في 2020. منذ البدايات الأولى، آمنت بالتغيير والإصلاح من خلال إرادة الشعوب التي لا تكسر. لقد تعرض الشعب السوري لظلم قل مثيله، وسلب للحريات والحق في القرار. وقدم من التضحيات ما ندر في التاريخ مثله. لكن بوجود الشرفاء في الداخل السوري والخارج، ما زلت أؤمن بانتصار الثورة وعودة القرار للشعب السوري في تقرير مصيره. وأعمل على تحقيق ذلك ما استطعت. هذا الشعور ثابت لا يتغير، وثباته من ثبات الثورة السورية.
- الشيخ عبد الجليل، بكل أمانة، هل تعتقد بأن سوريا حرة موحدة، دون فساد أو استبداد أو عنف، حلم قريب المنال؟
- لا يوجد قوة في العالم نسمح لها بسرقة حلمنا المشروع. حلمي كحلم أي مواطن سوري بقيام دولة مدنية عادلة على أساس المساواة بين المواطنين وتحقيق العدالة الاجتماعية ونبذ الطائفية والعنصرية. هل هذا كثير على سوريا مهد الأبجدية الأولى وأرض النهضة والثورات؟
محررة الموقع