الدكتور أنور الغربي //
لماذا لا يتحرك القضاء الألماني لاعتقال إسحاق هرتزوغ، أو على الأقل التحقيق في ما ينسب إليه من جرائم جسيمة؟
ألا يعلم القضاء “الشامخ” و”المحايد” بوجود رئيس دولة الاحتلال على الأراضي الألمانية هذه الأيام؟ ألم يعلموا أن الرجل لاحقته مذكرات قضائية عند حضوره في دافوس- سويسرا؟ أثناء حضوره مؤتمر دافوس الأخير؟
ألم يسمع المدعون العامون في ألمانيا الاتحادية بما يجري في محكمة العدل الدولية وقرارها في 26 يناير/ ك2 2024 حول ارتكاب مجازر جماعية من قبل الجيش الإسرائيلي؟
نذكّر أن احدى المحاكم ألمانية كانت قد حكمت بالسجن المؤبد على ضابط منشق من أجهزة الأمن السورية واسمه أنور رسلان، الذي أصدر الادعاء العام الألماني في 13 شباط / فبراير 2019 أمراً بالقبض عليه لارتكابه “جرائم ضد الإنسانية” في سجن سيء السمعة في دمشق. بعد جلسات متعددة في المحكمة المختصة بمدينة كوبلنز امتدت لنحو سنتين ونصف، وحكم عليه في يوم 13 يناير 2022، بالسجن مدى الحياة لإدانته بارتكاب جرائم تعذيب وقتل بحق معتقلين سوريين.
ألمانيا الفدرالية أيضا، كانت أيضا طالبت باعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتهمة ارتكاب جرائم حرب حسب مذكرة من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، التي اعتبرت ضرب الجيش الروسي لإمدادات المياه والطاقة ونقل الأطفال الأوكرانيين إلى الأراضي الروسية يشكل جرائم حرب ؟؟
ألم يشاهدوا صور عشرات المدنيين الذين اعتقلوا من المشافي ومراكز لإيواء النازحين واقتيدوا في ظل ما سماه الجيش الإسرائيلي detention facility مجردين من ملابسهم وتعرضوا للتعذيب في معتقلات عسكرية في صحراء النقب؟ ألم يتابعوا تصريحات هرتزوغ التي ألقى مسؤولية ما حدث في 7 أكتوبر 2023 على كل سكان قطاع غزة لأنهم لم يتمردوا على حركة حماس؟
توصف الجرائم المرتكبة في غزة من مختلف الأطراف على أنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بانتظار تأكيد جريمة الإبادة الجماعية من محكمة العدل الدولية.
هذه الجرائم ترتكب اليوم في أكبر سجن وأكبر مقبرة وهي المكان الوحيد في العالم الذي يدفن فيه الناس في مقابر جماعية معلومة وموثقة صوتا وصورة ومع ذلك يواصل جنود الاحتلال سرقة الجثامين والتنكيل بها.
من المعلوم للقاصي والداني، وعلى رؤوس الأشهاد أن الجيش الإسرائيلي يمنع إدخال مقومات الحياة من الغذاء والدواء والماء والطاقة ويمنع سيارات الإسعاف من الوصول إلى المصابين ويقصف المدنيين فيما يسمى الممرات الآمنة ويضرب الشاحنات التي تنقل المساعدات الغذائية، وكلها تعتبر جرائم جسيمة وعقاب جماعي للمدنيين في ألمانيا التي صدقت على ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية.
هل يتحرك القضاء الألماني، ويثبت أنه مستقل عن السلطة السياسية؟ أم أنه سيؤكد سياسة الحكومة الألمانية الحالية القائمة على ازدواجية المعايير وإغماض العين عن الجرائم الإسرائيلية والاستمرار في دعم الحكومة الإسرائيلية في عدوانها باسم الدفاع عن النفس تارة والحرب على الإرهاب تارة أخرى؟
هل تعتقد ألمانيا، أن تكفير جرائم ألمانيا عن الإبادة الجماعية للغجر واليهود ومناهضي النازية يمكن أن يحدث عبر الصمت والتأييد لجرائم إبادة جماعية يرتكبها “أحفاد” الضحايا بحق الشعب الفلسطيني؟
لقد شكل موقف الحكومة الألمانية المؤيد لاجتياح الجيش الإسرائيلي لغزة مادة استنكار لكل الأحرار في العالم فيما اضطرها لتهدئة حماستها، ولو أنها لم تتخذ حتى اليوم، مواقف تتناسب مع حجم وفظاعة الجرائم الإسرائيلية… فهل يتلطى القضاء الألماني وراء جُبن ورهاب السياسيين، أم ينقذ ما يمكن إنقاذه لسمعة هذا البلد ومؤسساته بأن يعطي المثل على أن تطبيق القضاء الألماني للاختصاص الجنائي العالمي لن يكون فقط بحق العرب والسود؟ وإنما بحق المجرمين مهما كانت ديانتهم أو بلدهم أو لونهم أو أصولهم ؟