كيف تصنع شعبًا جاهلًا.[1]!!!

“هل تتساءل يومًا عن وصفة سحرية لصنع شعب جاهل؟ الإجابة أمامك:

بعد صفنة دامت ما شاء الله لها أن تدوم ارتأيت أن صفنة واحدة لا تكفي والسبب أن ثنائية السلطة المستبدة هي (السياسة والدين) لذلك سأجعلها على عدة صفنات متتالية، سأكتبها تباعًا.

وفي الصفنة الأولى خرجت بما يلي:

  • أولاً، زعزع ثقة الإنسان بنفسه. وذلك بأن تشعره بتمزق أهليته حتى في إدارة حياته اليومية، وتضع له العلامات المضللة في طريقه ومن ثم تفرض عليه الوصايا “بنعومة”. اجعله يشك في كل قرار يتخذه، حتى القرار الأبسط كاختيار لون القميص الذي سيرتديه في الصباح.!!!
  • ثانياً، ابتكر نظامًا قانونيًا معقدًا لدرجة أن القط الذي يسير على الحائط يحتاج إلى تصريح. ومن ثم اجعل تطبيق هذه القوانين يشبه مهمة مستحيلة تحتاج إلى فريق من الخبراء لتفسيرها. وتحاصره بهذه القوانين والتشريعات المكثفة والسريعة. لتتلقفها الأجهزة التنفيذية وتطبقها بحذافيرها.

حين يصل المواطن إلى هذه المرحلة تتسارع عليه المجموعات السياسية وأصحاب المصالح وتحاول جذبه بحزمة من الإغراءات المادية والمعنوية ليرضخ لأيدولوجيتها ومن ثَمَّ تحشو عقله بأفكارها مهما كانت. فقد أصبح جاهزًا.!!!

ولعل النسبة الأكبر من الأفراد تكون فريسة محتملة لتقع في شباك أفكار رجال الدين. وتتبلور هذه الأفكار وتنصهر تحت وطأة الخطابات المغرضة، تلك الأفكار “بطبيعة الحال” هي نقاط تماس عميقة في البنية الأساسية للدولة الدكتاتورية ذات الطابع الديني أو بمعنى آخر هي الدول الدكتاتورية التي تحدد مساحة ما على رقعة سياستها الداخلية ليتحرك فيها المجتمع بدوافع دينية بحته يقودها رجال دين لهم دور هام في تثبيت السلطة من جانب ومن جانب آخر تستغل وتستخدم الدين لمصالحها الشخصية وتسيسه في مراحل أخرى لخدمة المستبد.

وبينما يشغل المواطنون أنفسهم في محاولة فهم النظام، قم بتحويل اقتصاد الدولة إلى مهرجان استغلالي حيث يكون المواطنون الخاسرين الوحيدين.

  • ثالثا، ادخل العنصر الديني في كل التفاصيل! فلا شيء يعمل بشكل أفضل من خليط من المواعظ والدروس الدينية المغلفة بالسياسة. اجعل من المؤسسات الدينية مجرد أدوات في يد الحكام. فمثلا، حين يحتاج النظام إلى مزيد من الموارد، ينطلق المشايخ في الحث على فضيلة العطاء وتذكير المواطنين بأهمية الزكاة والصدقة حتى تمتلئ الصناديق بالأموال.!!!
    وهكذا دواليك في كل الأمور.

ويتكرر هذا النموذج في أمور كثيرة يمكن رصدها بالعين المجردة. ولعل استغلال العاطفة الدينية هي أبشع أنواع الاستغلال، حين يكون الهدف منها هو تشويه الرأي الآخر وتحطيم حملته من المثقفين والمتعلمين والمفكرين، فيتوجه أصحاب الظاهرة الحنجورية[2] إلى تحطيم هؤلاء المفكرين لأغراض خاصة بهم شخصيًا من جهة، وتخدم السلطة من جهة أخرى، لذلك نجد المجتمعات التي أنهت فيها دور رجل الدين وسلطانه هي المجتمعات التي تعيش على مستوى سياسي متقدم وراقي حضاريا، في حين أن المجتمعات التي لا يزال يمارس فيها رجال الدين أدوارهم السياسية تعاني الجهل والتدهور الحضاري، كما هو الحال في المجتمعات المتأسلمة التي ترى في الدين غايات سياسية.

  • في النهاية، إذا نجحت في تطبيق هذه الوصفة بنجاح، ستحصل على مجتمع مثالي (في نظر الحاكم بالطبع!) حيث يسود الجهل ويغيب الوعي. والأجمل من ذلك كله؟ ستكون قد حققت هذا دون أن يدرك الشعب ما يحدث به وحوله.!!!

الدكتور محمد خير الوزير

[1] العنوان وكثير من الأفكار مقتبسة من كتاب صديقي المفكر والصحافي والشاعر طارق سعيد أحمد من كتابه (كيف تصنع جاهلًا) فله جزيل الشكر والامتنان لسماحه لي بذلك.

[2] هي ظاهرة تطلق على من يستخدم حنجرته في بيان صحة ما يقول وهو ليس بصحيح ولا سليم. وهناك ارتباط طردي بين الظاهرة الحنجورية والمنصب؛ كلما زاد المنصب وعلا، زادت القدرة الحنجورية في ارتفاع الصوت وعلوه بما ليس حقيقي. فعلو الصوت هنا يجعل الباطل حقًا.

Scroll to Top