فيحاء عبد الهادي
بينما يتلوّن وجه العالم باللون البرتقالي في ذكرى الحملة الدولية «16 يوماً لإنهاء العنف ضدّ المرأة»، التي تبدأ يوم 25 تشرين الثاني (اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء) وتنتهي يوم 10 كانون الأول (اليوم العالمي لحقوق الإنسان)، في إشارة إلى أمل العيش في عالم خالٍ من العنف ضد النساء والفتيات، يتلوّن وجه المرأة في فلسطين، ونساء غزة بشكل خاص باللون الأحمر، في إشارة إلى الموت والدمار والعنف، الذي يلاحقهن في حياتهن اليومية، ومنذ سبعة وخمسين عاماً، في البيوت والطرق والشوارع وأماكن العمل، وفي المدارس والجامعات والمعاهد العلمية والمرافق الخدماتية، وفي المؤسّسات والمكتبات والمراكز الثقافية والحقوقية والصحية والاجتماعية والتربوية، وفي المستشفيات والكنائس والجوامع ومراكز الإيواء.
هل يمكن القضاء على العنف ضد النساء دون القضاء على العنف في العالم بأسره؟ وهل يمكن القضاء على العنف في العالم دون القضاء على الأسباب التي تؤجّجه؟
وهل يمكن القضاء على التمييز ضد المرأة دون الكشف عن أسباب التمييز ضدها؟ إن الاكتفاء دائماً بالسطح، وإهمال الجذر يؤدي إلى مكاسب آنية أحياناً، يتمّ التراجع عنها في كثير من المحطات، خاصة حين احتدام الخلاف، وحين تهديد المصالح، وحين يوضع الشعار على المحكّ.
وإذا كانت نساء العالم جميعهن يعانين من العنف والتمييز، فماذا عن النساء أثناء الحروب والصراعات؟
منذ ثلاثة وعشرين عاماً، وفي الحادي والثلاثين من تشرين الأول تحديداً، اعترف مجلس الأمن الدولي بالأوضاع المأساوية التي تعيشها النساء في مناطق الصراع، وصادق على قرار 1325 حول المرأة والسلام والأمن، الذي يجسّد هذا الاعتراف، والذي يؤكِّد على وجوب حماية النساء في مناطق الحروب والصراعات، من خلال توفير ترتيبات مؤسسية فعّالة، ويثمِّن دورهن في منع الصراعات وحلّها، وفي بناء السلام.
وإذا كان صحيحاً أن النساء هن أكثر من يتحمل آثار الصراعات، لأنهن يتحملن مسؤولية عائلاتهن بأكملها، الزوج والأطفال والبيت، وأحياناً يتحملن مسؤولية عائلاتهن الممتدة، تصبح حمايتهن في أوقات الحروب والصراعات حماية لعائلاتهن بأسرها، وحماية لنسيج مجتمعاتهن ككل.
لا تعاني المرأة الفلسطينية آثار صراع حاد وعنف لا حدّ له فحسب، مثلما تعاني العديد من النساء عبر العالم، بل تعاني عنف احتلال استعماري، لا يعترف بأي مواثيق دولية، ولا يعترف بالقانون الدولي، وبالضرورة لا يعترف بالقانون الإنساني الدولي.
تعرّضت المرأة الفلسطينية، وعائلتها، منذ العام 1947، وفي فلسطين كلها، إلى تطهير عرقي، ومجازر ضد الإنسانية، وإبادة جماعية، ربات منازل، وصحافيات، وإعلاميات، ومحاميات، وطبيبات، وممرّضات، وطالبات، وموظفات في مؤسسات فلسطينية ودولية، ما يستوجب المطالبة ليس فقط بحماية النساء والفتيات أثناء الصراعات وبعدها بشكل عام، بل المطالبة أيضاً بإنهاء أسباب هذه الصراعات، وأهمها وجود احتلال إسرائيلي استعماري استيطاني على أرض فلسطين، والحصول على الاستقلال وتقرير المصير، هذا الاحتلال الذي لا يمكن أن يتيح للنساء الفلسطينيات المشاركة الفاعلة في أي مستوى من مستويات صنع القرار، أو المساهمة في بناء السلام.
منذ السابع من تشرين الثاني، وإثر العدوان الهمجي على غزة، الذي نتج عنه استشهاد الآلاف وجرح وتهجير مئات الآلاف، تفاقمت معاناة النساء الغزاويات بشكل يفوق احتمال البشر، القتل، والقصف، وهدم البيوت، والإصابات البليغة، والنزوح، وبالإضافة إلى كل ذلك معاناتهن كنساء، حيث لا ماء ولا كهرباء ولا دواء ولا غذاء، ولا فوط صحية، ما لا يمكّن الفتيات والنساء من المحافظة على النظافة الشخصية، وحيث تنتهك حقوقهن الإنجابية، إذ لا يمكن للحوامل، ولا للنساء اللواتي وضعن مواليدهن، أن يصلن إلى مستشفى، أو تلقي أي علاج، أو رعاية صحية.
ما الذي يتبقى من هيبة الأمم المتحدة ومؤسّساتها حين ينتهك القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي كل يوم، وعلى رؤوس الأشهاد، وحين يفلت مجرمو الحرب من العقاب؟
لا ينتج العنف سوى العنف، ولا تنتج الحروب سوى الدمار والويلات، ولا سلام أو استقرار أو طمأنينة أو أمانَ إنسانياً، ما لم نتّحد (اتّحدوا) نساء ورجالاً للنضال ضد الفكر العسكري، ولإنزال العقاب بكل من ينتهك القانون الدولي، ويرتكب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وللنضال من أجل تحقيق العدالة ليس للشعب الفلسطيني فحسب، بل لكل شعوب العالم.
الأيام 01/12/2023