تشتهر مقالة نصها كالتالي: “لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله”
هل سمعتم عن “ألم الحسد”؟!!! إن للحسد وجع عاطفي، وكثيرا ما يتحول إلى ألم بدني يقض مضجع الحاسد، وعندما يكون الألم حادا يكون الحاسد مستعدا لفعل أي شيء لتقليل شعوره بالألم النفسي والجسمي عبر نشر الشائعات حول المحسود لتدميره مثلا. أو الرغبة بإيذائه، وذلك للقضاء على ما يملكه، أو إلحاق الضرر به أو تقليل مستوى الشخص الذي يحسده حتى يصبحا متساويين[1]. أو يضحي المحسود أقل شأنًا من الحاسد. وقد يتفاجأ الكثيرون بأن الحسد قد يصل إلى حد القتل. وذلك أن الحسد هو شعور قوي ينشأ عندما يشعر الشخص بالغيرة والتمني للآخرين بالضرر والتراجع في الحياة. قد يبدأ الحسد ببساطة بعد أن يشاهد الحاسد الشخص الآخر قد حقق نجاحًا كبيرًا أو امتلك أشياء مرغوبةً. ومن هنا يبدأ الشعور بالألم والحسد يتغلغل في أعماق هذه النفس المريضة.
يمكن أن يكون الحسد شعورًا مدمرًا إذا لم يتم التعامل معه بحكمة. فقد يؤدي إلى أفكار سلبية مثل الرغبة في إيذاء الشخص المحسود، أو حتى قتله ماديًا أو معنويًا.
وشيئًا فشيئًا، تتحول الأفكار السيئة الناتجة عن الحسد إلى أفعال سلبية. فالشخص الذي يعاني من حسد شديد قد يفقد السيطرة على نفسه ويقوم بالتخطيط لإيذاء الشخص الذي يحسده. وإذا لم يتمكن من تحقيق ذلك، فقد يلجأ إلى العنف المباشر ويقوم بقتله.
القتل الناتج عن الحسد هو عمل شنيع وغير قابل للتبرير بأي حال من الأحوال. إنه يؤكد على الوحشية وعدم القدرة على السيطرة على العواطف السلبية. يجب على المجتمع أن يتعامل بجدية مع هذه الظاهرة ويعمل على تعزيز الوعي والتثقيف لمنع حدوث الحسد المدمر. ولا يسعنا هنا تجاوز ما حدث لابني آدم عليه السلام، حيث أقدم أحدهما على قتل الآخر لأنه حسده علمًا ان كلا الأخويين تلقيا نفس التربية وعاشا نفس الظروف، لكن أحدهما لم يستطع تقبل فكرة أن الآخر أفضل منه.
والله سبحانه وتعالى قد فضل بعض الأنبياء على بعض فقال في محكم تنزيله: ((تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض))
وقال عز من قائل على لسان إخوة يوسف: ((قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين))
وأحب أن أعرض عليكم ما قاله أبو بكر الرازي في كتابه الطب الروحاني عن الحسد:
“إن الحسد أحد العوارض الرديّة ويتولد من اجتماع البخل والشره في النفس. والمتكلمون في إصلاح الأخلاق يسمون الشرير مَن يلتذّ طباعاً مَضارَّ تقع بالناس ويكره ما وقع بموافقتهم وإن كانوا لم يَتِرُوه ولم يَسوؤه، كما أنهم يسمون الخير مَن أحبّ والتذَّ ما وقع بوفاق الناس ونفعهم. والحسد شرّ من البخل لأن البخيل إنما لا يحب ولا يرى أن ينيل أحداً شيئاً مما يملكه ويحويه، والحسود يحب ألا ينال أحد خيرً بتّةً ولو مما لا يملكه، وهو داء من أدواء النفس عظيم الأذى لها. ومما يدفع به أن يتأمل العاقل الحسد، فإنه سيجد له من وسم الشرير حظاً وافراً إذ كان الحسود يُوسم بأنه كاره لِما وقع بوفاق مَن لم يَترْه ولم يُسِئْ به. وهذا شطرٌ من حدّ الشرَّير، الشرَّير مستحق للمقت من البارئ ومن الناس. أما من البارئ فلأنه مضادّ له في إرادته إذ هو عزّ اسمه المفضَّلُ على الكل المريدُ الخيرَ للكل. وأما من الناس فلأنه مُبغض ظالم لهم، فإن مَن أحب وقوع المكروه بإنسان ما أو لم يحب وصول خير إليه مبغض له. فإن كان هذا الإنسان مّمّن لم يَتِرْه ولم يُسِئْ به فإنه مع ذلك ظالم له. وأيضاً فإن المحسود لم يُزِلْ عن الحاسد شيئاً مّمّا هو في يديه ولا منعه من بلوغ شيء كان يقدَر عليه ولا استعان به على شيء من أمره. وإذا كان ذلك كذلك فما هو -أعني المحسود – إلاّ بمنزلة سائر من نال خيراً وبلغ أمنيته من الناس الغائبين عن الحاسد. فكيف لا يحسد من هم بعيدين عنه؟ فإن كان لا يحسدهم من أجل غيبتهم عنه فليتصوّرهم بأحوالهم وما يتقلبون فيه من نعيمهم. فإن كان حُمقاً أو جنوناً أن يحزن لما نال هؤلاء وبلغوا من أمانيهم فإن حُمقاً مثله الحُزنُ والاغتمام لما نال من بحضرته إذ كانوا بمنزلة الغُيَّب عنه في أنهم لم يسلبوه شيئاً مما في يديه ولا منعوه بلوغ شيء كان يقدر عليه ولا استعانوا على أمر من أمورهم به. وليس بينهم وبين الغُيّب عنه فرق إلا في مشاهدة الحاسد أحوالهم التي يمكن تصوُّر مثلها من الغُيّب عنه ويعلم ويستيقن أنهم منها في مثل ما هم فيه”[2].!!!
قال الفيلسوف البريطاني الشهير برتراند راسل: “أن الحسد أحد أقوى أسباب التعاسة. ولا تقتصر التعاسة على الشخص الحاسد بسبب حسده. بل قد تصل إلى الرغبة في إلحاق مصائب بالآخرين”[3].
طرق التعامل مع الحسد:
هناك العديد من الطرق التي يمكن من خلالها التعامل مع الحسد ومنعه من الوصول إلى مرحلة مستعصية العلاج. ومن أهم هذه الطرق:
- تعزيز الثقة بالنفس: عندما نشعر بالثقة والرضا بما نمتلكه، فإننا نقلل من فرص الشعور بالحسد والغيرة.
- التسامح مع الآخرين: عندما نتعلم أن نقدر ونحترم إنجازات الآخرين، فإننا نقلل من فرص الشعور بالحسد.
- تعزيز ثقافة الشكر والامتنان: عندما نشكر الله على ما نملك، ونشكر الآخرين على ما يقدمونه لنا، فإننا ننشئ جوًا إيجابيًا يبعد عنا الحسد.
- التركيز على النمو الشخصي وتحقيق الأهداف الخاصة: علينا أن نركز على أنفسنا وتحقيق أهدافنا الخاصة بدون النظر إلى ما يمتلكه الآخرون.
وأخيرًا، يجب أن نتذكر أن الحياة ليست مسابقة، بل رحلة فردية تختلف من شخص لآخر. علينا أن نركز على النمو الشخصي وتحقيق أهدافنا الخاصة بدون النظر إلى ما يمتلكه الآخرون. إن السعادة الحقيقية تكمن في القدرة على الرضا بما نمتلك والعمل على تحقيق أحلامنا الشخصية.
في الختام، الحسد هو شعور بشري يمكن أن يكون مدمرًا إذا لم يتم التعامل معه بحكمة. علينا أن نعمل معًا كمجتمع لمكافحة هذه الظاهرة السلبية وتعزيز الوعي والتثقيف. علينا أن نتذكر أن لدينا القدرة على تحقيق أهدافنا الخاصة دون إيذاء الآخرين، وأن النجاح والسعادة ليست مقتصرة على شخص واحد فقط.
رحم الله أبا الأسود الدؤلي إذ يقول:
حَسَدوا الفَتى إِذ لَم يَنالوا سَعيهُ *** فَالقَومُ أَعداءٌ لَهُ وَخُصومُ
كَضَرائِرِ الحَسناءِ قُلنَ لِوَجهِها *** حَسداً وَبَغياً إِنَّهُ لَدَميمُ
وَتَرى اللَبيبَ مُحسَّداً لَم يَجتَرِم *** شَتمَ الرِجالِ وَعَرضُهُ مَشتومُ
وَكَذاكَ مَن عَظُمَت عَليهِ نِعمَةٌ *** حُسّادُه سَيفٌ عَليهِ صَرومُ
فاِترُك مُحاوَرةَ السَفيهِ فَإِنَّها *** نَدمٌ وَغِبٌّ بَعدَ ذاكَ وَخيمُ
وَإِذا جَريتَ مَع السَفيهِ كَما جَرى *** فَكِلاكُما في جَريهِ مَذمومُ
وَإِذا عتِبتَ عَلى السَفيه وَلُمتَهُ *** في مِثلِ ما تأَتي فَأَنتَ ظَلومُ
لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتَأتيَ مِثلَهُ *** عارٌ عَلَيكَ إِذا فَعَلتُ عَظيمُ
ابدأ بِنَفسِكَ وَانَها عَن غِيِّها *** فَإِذا انتَهَت عَنهُ فَأَنتَ حَكيمُ
اللهم إنا نعوذ بك من شر حاسدٍ إذا حسد.!!!
[1] بمعنى كلنا بالهواء سواء، وليس أحد أفضل من أحد.
[2] أبو بكر الرازي محمد بن يحيى بن زكريا (923) – الطب الروحاني
[3] Bertrand Russell (1930), The Conquest of Happiness.: H. Liverwright.