الدكتور محمد خير الوزير
ملف قيصر هو عبارة عن مجموعة من الصور والوثائق التي تظهر فظائع النظام السوري في حق المدنيين السوريين. وقد تم نشر هذا الملف في عام 2014 من قبل الشاهد السوري السري المنشق، الذي عمل في الشرطة العسكرية التابعة لوزارة الدفاع السورية.
لا أحد ينكر الجرائم الشنيعة التي اقترفتها جميع الأطراف المتورطة بالدم السوري.
ولست هنا لأنكر أيضًا صحة صور نشرها السيد قيصر، سمحت لعدد كبير من أهالي الضحايا معرفة ما جرى لأقاربهم وأحبتهم.. إلا أنني أتوقف كثيرا عند مسألة أساسية تتعلق بالمنهج المتبع من جهة، والصيغة الاستعراضية للاستثمار فيه وأخيرا الطريقة التي قدم بها السيد قيصر، الذي يحافظ حتى اليوم على حجب اسمه وصورته، رغم أن المعني الأول، والقائم بالجرم، أقصد أجهزة المخابرات السورية، تعرف قيصر ولديها ملف كامل حوله؟
- في أية جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، يشكل التوثيق والرصد وجمع الأدلة منطلق العمل الحقوقي والقانوني الجنائي. فكيف جرى التعامل مع الأدلة التي قدمت باسم قيصر؟ هل تم التحقق منها أم اعتبرت أدلة دامغة وموثقة بالعافية؟ قال لي أحد خبراء المفوضية العليا لحقوق الإنسان: “عندما يتعرض 20 شخصا للتعذيب لست بحاجة للقول إنهم 40؟ الجريمة بأعيانها لا بأرقامها، وأي إضافات أو مبالغات، إنما تكون سلاحا بيد المجرم لا بيد الضحايا”. لم تقدم للأسف، هذه “الصور” لأي طرف حقوقي موضوعي ومحترف، وكان الأهم بالنسبة للمعارض التي جابت العالم، مجرد العرض مع الأرقام وأحيانا التواريخ، رغم أن الإمكانيات المادية التي وضعتها الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوربي تسمح بتشكيل أفضل فريق من نخبة الخبراء الدوليين للقيام بذلك.
- استخدم شاهدنا “قيصر” كاسم مستعار حين نشر آلاف الصور التي تظهر تعذيب وقتل معتقلين في سجون النظام السوري. وقد تم عرض هذه الصور أمام الكونغرس الأمريكي، وأيضًا تم عرضها في العديد من العواصم الأوربية والمحافل الدولية واستُخدمت للضغط على النظام السوري. ورغم أنها تساهم في تسليط الضوء على الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها النظام السوري. لم يتم الكشف عن هوية “قيصر” الحقيقية كما قيل “لأسباب أمنية”، الأمر الذي أثار الكثير من الجدل حول هل فعلًا لا يستطيع النظام السوري تحديد هويته الحقيقية؟!!!. إن الاحتمال الأكثر ترجيحًا -وأنا لا أسلم بأنه مجرد احتمال- هو أن النظام السوري يعرف هوية “قيصر” الحقيقية. بالنظر إلى الموقع الذي كان يعمل فيه. والوصول الذي كان لديه إلى هذا العدد الكبير من الصور المتعلقة بجرائم النظام، من المؤكد لي أن يكون النظام قد قام بتحديد هويته بسرعة بعد الكشف عن الصور.
في هذا الصفنة، أتناول بعض الأسئلة التي تدور في رأسي حول ملف قيصر، وخاصةً حول هوية الشاهد وسبب إخفائه لوجهه واسمه عنا. ويظهر وهو يدير لنا ظهره ويرتدي سترة زرقاء يغطي بها رأسه؟!!!.
يدعي الشاهد أنه كان أحد خمسة أشخاص في سوريا الذين يقومون بجمع الصور والوثائق التي تشكل ملف قيصر. وهو ينفي أن يكون النظام السوري على علم به، ويؤكد أنه انشق عن النظام بعد أن رأى فظائعه.
ولكن، ما يثير الشك حول ادعاءات هذا الشاهد الملك. كيف يمكن للنظام السوري أن يكون غافلاً عن معرفة شخصه !!! هل يعقل أن يكون النظام السوري على غير علم بأن أحد الخمسة الذين أشار إليهم شاهدنا الفذ الذي قد انشق عنهم؟!!!
المعادلة من النوع البسيط خمس أشخاص مكلفون من النظام، مؤكد أنه يعرفهم ويثق بهم، اختفى منهم واحد، فبقي أربعة؛ من البديهي أن الخامس معروف لدى الجهات التي كانت تشغله عندها.!!!
بالإضافة إلى ذلك، يثير إخفاءه لوجهه واسمه بعض التساؤلات. فما الخطر الذي يخشاه بإظهار هويته الحقيقية؟!!! هل يعقل أن يكون النظام لا يعرف تفاصيله الدقيقة أكثر منا؟!!!
ثم ما الذي نتج عن هذا الملف؟!!! وكيف تم توظيفه من الإدارة الأمريكية في إقرار عقوبات بحق كل السوريين والسوريات، وكأن المجتمع السوري مسؤول عن جرائم النظام. عقوبات اقتصادية تضاف إلى سلسلة عقوبات بدأت قبل عشرين عاما، ولغايات لا تتعلق البتة بانتهاكات حقوق الإنسان، بعضها لموقف السلطات السورية من احتلال العراق، وأخرى لرفض النظام إغلاق مكاتب المقاومة الفلسطينية أو دعمها لحزب الله في حرب 2006.
هذه العقوبات أضرت بالشعب السوري ولم تؤثر سلبًا على سلطة دمشق.!!! بل طالتني أنا شخصيًا -وكثيرون من أمثالي- بحيث لا أستطيع مساعدة أهلي المقيمين في سوريا دون التعرض للمساءلة والتدقيق والتحقيق.!!!
في الختام، أعتقد أن هناك بعض الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات واضحة فيما يتعلق بملف قيصر. فإما أن يكون الشاهد يحاول حماية نفسه من النظام السوري، وإما أنه يحاول خداعنا، أم أنها مجرد خفة عقل منه وسذاجة؟!!!هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابات، لأننا نرفض من حيث المبدأ، توظيف الملفات الحقوقية لغايات تخدم مصالح أية دولة خارجية، خاصة إن كان جيش هذه الدولة، قد شارك في القتل والتدمير وهدم البنيات التحتية الحيوية للسوريين أولا وليس للسلطة الحاكمة في دمشق.
كفاكم استخفافًا بعقولنا، فنحن نعلم أن جميع الدول الأوربية لم تقطع التنسيق الأمني مع النظام، ولا أدل من ذلك على ما ادعيه، زيارة اللواء علي مملوك المسؤول الأول عن “الأمن القومي” في سوريا إلى العديد من الدول الأوربية وعلى رأسها إيطاليا. وتنسيق مسؤولين أوربيين مع المخابرات السورية في ملفات عدة عبر وساطة عباس إبراهيم مدير الأمن العام اللبناني وغيره،
فاصفنوا في كلامي يا رعاكم الله.!!!!