الدكتور محمد خير الوزير
في يوم الأيام اضطر أحد أعلام اللغة وهو أبو الهلال العسكري إلى بيع الخضار في السوق ليعيل أسرته -في وقت كآن أناس يقتاتون ويصولون ويجولون بعلمه- فعمد إلى عربة صغيرة وضع عليها الخضار، فقضى يومه ولم يستطع بيع شيء فما كان منه إلا ان رمى بالخضار ارضًا وأنشد ما يلي:
جُلوسِيَ في سوقٍ أَبيعُ وَأَشتَري *** دَليلٌ عَلى أَنَّ الأَنامَ قُرودُ
وَلا خَيرَ في قَومٍ تُذَلُّ كِرامُهُم *** وَيَعظُمُ فيهِم نَذلُهُمُ وَيَسودُ
وَيَهجوهُم عَنّي رَثاثَةُ كِسوَتي *** هِجاءً قَبيحاً ما عَلَيهِ مَزيدُ
تذكرت هذه القصة فأخذتني صفنة في عصر ساد فيه الأنذال وذل فيه الكرام.!!!
انظر من باب يفصلني عن عَلَمٍ من أعلام عالمنا العربي ولا أشطح إن قلت عَلَما من أعلام الأرض، يقيم في مكتب متواضع لا تزيد مساحته عن ١٠.٥٠ متر مربع يعمل بجد ونشاط لإنقاذ ما يعيشه العرب والمظلومين في الأرض، من ذلٍ ومهانة. بينما تتربع نكرات منكرة لا تستطيع جميع أدوات التعريف في اللغة العربية أجمعين، أكتعين أبصعين تعريفهم، لانهم مستغرقين في نكارة نكراء. ونجدهم ينعمون في مكاتب فاخرة ويركبون السيارات الفارهة ويتقاضون رواتب كبيرة جدًا، بينما هم في الواقع لا يساوون إلا ثمن ما يلبسون. وما أن يتم عمله حتى يعود إلى بيته ليتناول غداء متواضعا مع زوجته. يكتفي براتبه التقاعدي الذي لا يزيد عن ٨٥٠ يورو يسد بها حاجاته الأسرية. بينما يبحث عن فرصة جديدة لبناء وتأهيل الإنسان.أستمر في التفكير في الحكمة التي انبثقت من تلك القصة القديمة. وأتأمل في كيفية استعادة المكانة للكرام، وكيفية اعتزاز العرب بعلمائهم. وأحلم بأن يأخذ كل شخص مجاله وأن يتمكن من التغيير الإيجابي في مجتمعه.
تذكيرًا بالهدف الذي يسعى إليه، يستدعي ما تبقى من قوته ويستمر في العمل الجاد. ينظر إلى المكتب المتواضع الذي يعمل فيه ويشعر بالفخر والرضا عن التقدم الذي حققه حتى الآن. فهو يعلم أن النجاح الحقيقي ليس فقط في الازدهار المادي، ولكنه يأتي أيضًا من قدرته على تغيير الظروف المحيطة به للأفضل.
في قلبه، يحمل رغبة قوية في إنقاذ الإنسان من الذل والمهانة. يعلم أن هناك الكثير من الأفراد الذين يعانون ويتعرضون للظلم في المجتمع، ويرغب في أن يكون له دور في تحسين حياتهم. لذا، فإن عمله ليس فقط شغفًا شخصيًا، بل هو رسالة للتغيير والأمل.
بينما يواجه التحديات والصعاب في رحلته، يتذكر دائمًا حكمة تلك القصة القديمة: “لا خير في قوم يذل كرامهم”. يواصل عمله بصمت، ويرفض أن يصبح جزءًا من تلك الطغمة الذين تذل كرامتهم. فهو يؤمن بأن العزة والكرامة تأتي من العمل الصادق والتفاني لخدمة المجتمع ومحاربة الظلم بكل أشكاله والسعي الدؤوب لتحقيق العدالة في وجودٍ ديدنه الظلم والسيطرة والفساد والأنانيات الوضيعة.
بينما يتقدم في رحلته، يواجه تحديات جديدة ويكتشف فرصًا جديدة. بغض النظر عن الصعاب التي تواجهه، فإنه يستمر في محاربة الذل والمهانة والنضال من أجل تحقيق التغيير الإيجابي وإعلاء صوت العدل والسلم. ومن خلال عمله الشاق والمثابرة، يأمل في أن يكون قدوة للآخرين ويساهم في إحداث فرق حقيقي في حياة الناس.
هكذا يستمر في سعيه ويتحمل مسؤولية كبيرة كعالم فذّ. فهو يعرف أن الكلمات والكتب لهما قوة، وأنه بإمكانه استخدامهما لتغيير العالم. وبهذا يكمل الفقرة المذكورة في البداية بتعزيز رسالته وتعاهده للعمل الجاد والتفاني في سبيل إعادة الكرامة للأفراد والمجتمعات.
لذا، في عالم يسوده العار والتفاهة، نحن بحاجة إلى الوقوف والتأمل، وربما نحتاج فعلاً إلى “صفنة” لإعادة تقدير قيمنا وأولوياتنا. نحن بحاجة للعمل معًا لترقية الكرامة وتحقيق العدالة، مؤمنين بأن الحق والعدل، كلاهما، الضمانة لخروج حقيقي من المآسي التي نعيشها، من الحارة والقرية، إلى البلدان والكوكب.
فعلا بدها صفنة.!!!!