الدكتور محمد خير الوزير
بعد دخولي إلى السجن بيومين كتب المفكر والباحث السوري د. هيثم مناع على الجزيرة نت مقالا بعنوان: (الثورة السورية على مفترق طرق) جاء فيها ما يلي: (الثورة السورية إذا تسلحت ماتت، وإذا تأسلمت ماتت، وإذا تدولت ماتت.)
بعد خروجي من السجن الذي دام قرابة الشهرين قرأت مقالة الدكتور هيثم وجاءت الصفنة حول أن الثورة السورية قد تسلحت وتأسلمت وتدولت !!!
وبغباء المسلحين من الإسلاميين قضي على الثورة…
لا أريد أن أكتب بلغة التخوين أو الاتهام بالعمالة والتبعية، فقد دخل القاموس السوري وبكل وجع وأسف، تعبيرات شوهت نقاء الشبيبة التي حملت بكل إخلاص أهم ما يطمح له الإنسان السوري بعد أربعين عام من الدكتاتورية، ولكنني من معرفتي ومتابعتي الشخصية، أقولها بعد صفنات طويلة: غباء الإسلاميين والمتأسلمين قتل الثورة، وياله من غباء!!!
من المؤكد أن الثورة السورية قد مرت بمراحل عديدة من التحولات والتحديات. وفي هذا السياق، لا يمكننا إغفال الدور الهام الذي لعبته العناصر المتطرفة وغيرها ممن حمل السلاح في تشويه هذه الثورة الأصيلة. وقد استغلت بعض الجماعات والدول هذه الفرصة لتعزيز أجنداتها الخاصة وتحقيق غاياتها الضيقة، وبذلك دفعت الثورة نحو الانحدار والتفتت والقابلية للتوحش والتبعية.
تحت عباءة المسلحين من الإسلاميين وغيرهم، انحرفت الثورة عن مسارها الأصلي المبني على المطالبة بالحرية والكرامة والديمقراطية. وبعد أن كانت حركة شعبية تنادي بالإصلاح والتغيير السلمي، تحولت الثورة إلى صراع مسلح دامٍ، مما أدى إلى تفاقم العنف والتزاحم على القتل، وتشتت الجهود وتصاعد الانقسامات، وتفتيت الجغرافيا السورية وهيمنة أمراء الحرب وتجار الموت.
مع كل ذلك، فإن اللوم لا يقع فقط على المسلحين وحدهم، بل يقع أيضًا على جميع الأطراف الدولية التي ساهمت في تأجيج النار في سوريا ودعم المجموعات الحاملة للسلاح الذين أصبحوا عبارة عن (شوفيرية بواريد عند الداعمين) على حد قول أحد أصدقائي من الصفينة :). فقد استغلت الدول الخارجية الفوضى الداخلية في سوريا لدفع أجنداتها الاستراتيجية والجيوسياسية، محولة الصراع بين النظام والمقاومة المدنية السلمية المطالبة بوضع نهاية لنظام الفساد والاستبداد، إلى صراع على سوريا فيما بينها وقوده أبناء البلد من كل الفئات والأطراف. مما أدى إلى تفاقم الأزمة وتشويه صورة الثورة الحقيقية.
لا يجب أن ننسى أن الشعب السوري بدأ هذه الثورة بطموحات عظيمة وأمال كبيرة، وكان ينادي بالتغيير والإصلاح والحرية. ومع مرور الوقت واستغلال العناصر التابعة لأجندات الممولين للمشهد، تحولت الثورة إلى حرب أهلية وحرب هجينة بالوكالة، تسببت في دمار هائل ومعاناة بشرية لا يمكن وصفها.
وفي المحصلة الأخيرة كما يقول المحللون اليوم: كان المستفيد الوحيد منها النظام وداعميه.!!!
لذا، من الضروري أن يعمل الجميع، داخل سوريا وخارجها، على توحيد الجهود والتخلص من التدخلات الخارجية، وتعزيز الحوار والمصالحة الوطنية. إنها المرحلة الحاسمة التي تحتاج إلى وحدة الصف وتضافر الجهود للخروج من هذا الوضع العصيب، خصوصا بعد حراك أبناء جبل العرب من بني معروف، الذي أعاد ذكرى الأيام الجميلة لانتفاض جيرانهم وإخوتهم في محافظة درعا. من أجل بناء سوريا جديدة تحتضن الحرية والعدالة والسلام.
قد يكون الطريق طويلاً وصعبًا، ولكن لا بد من الثبات على مبادئ الثورة الأصيلة، والسعي نحو استعادة هوية سوريا المتعددة والمتنوعة، وكذلك استعادة السيادة والقرار ممن سلب السوريين والسوريات حقهم الطبيعي في السيادة واستقلال القرار.
إنها مسؤوليتنا جميعًا أن نقف بجانب هذا الحراك المدني الذي حرك المياه الآسنة والصمت الدولي عما يدور في بلدنا. أن نقف معهم في عموم سوريا وفي المهاجر، وأن نصرخ معا: من السويداء هلت البشائر، حتى لا تتكرر المأساة…
سيأتي اليوم الذي تشرق فيه شمس الحرية على سوريا مرة أخرى، وتعود الثورة لقيمها الأولى ومسارها الحضاري المبني على الأمل والتغيير الإيجابي.
27/09/2023