عمر كوش //
تعيد “سيريانوك” نشر مقالة الكاتب السوري عمر كوش في موقع تلفزيون سوريا: “ما الغاية من إنتاج منصة جديدة للمعارضة” حول المؤتمر الوطني السوري المزمع عقده في 21-22 آب 2021. الكاتب كما هو واضح من القسم الأول من المقال، يتفق مع الداعين إليه في نقطة جوهرية وأساسية يعبر عنها بالقول: “إن كانت هنالك أسباب عديدة تدفع السوريين إلى التفكير في البحث عن البديل السياسي المطلوب لما هو سائد في مشهد المعارضة السورية، إلا أن ذلك ليس ممكناً إلا عبر عقد مؤتمر وطني جامع”. إلا أنه لا يلبث بالافتراق عنهم عندما يطلق تصنيفات مسبقة على أعضاء اللجنة التحضيرية بأنهم شخصيات قيادية سابقة في هيئة التنسيق وهيئة التفاوض ومنصة القاهرة المقربة ومنصة موسكو. من المؤسف، أن الأستاذ عمر كوش، المعروف بدقته في الكتابة والمعلومة، اتفقنا معه أو اختلفنا في التحليل، والذي لديه دون أدنى شك، أسماء كل أعضاء اللجنة التحضيرية: ليس فيهم شخص واحد من منصة القاهرة أو منصة موسكو أولا، لا يوجد بينهم سوى قيادي واحد سابق في هيئة التنسيق واستقال منها قبل ست سنوات ثانيا، وأن هذه اللجنة تضم الوطني الليبرالي والوطني الديمقراطي الاجتماعي والإصلاحي والضابط الحر والكادر السياسي المستقل، وأسماء رفضت في عشر سنوات مضت أن ترهن كلمتها ومواقفها برضا أي بلد إقليمي أو دولي. أو أن تكون جزءا مما يسميه كوش بحق “دكاكين صغيرة ومنصات ارتهنت لأجهزة داعميها الدوليين والإقليميين، وانحصر همّها في وراثة وإلغاء بعضها بعضا”، ثالثا. من المؤسف أيضا، أن يطلق الكاتب عمر كوش حكما مسبقا على المؤتمر بالقول: “إن الغاية من المؤتمر قد لا تتعدى حدود محاولة تشكيل منصة جديدة، تسعى إلى سحب البساط من “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، لكنها لن تكون سوى منصة أخرى مناكفة له، ومرتهنة مثله لأجندات الدول الداعمة لها”. لقد توجهنا بالسؤال لأحد أعضاء اللجنة التحضيرية وقرأنا له الجملة أعلاه فضحك وقال: “هل هناك بساط أصلا تحت الائتلاف لسحبه؟ المؤتمر حاجة موضوعية للسوريين في غياب جسم سياسي سيادي، مواطني وديمقراطي. ولا يمكن اختزاله بالصراع مع هيئات، يقول أكبر المحامين عنها بالأمس “تكريم الميت دفنه”. نحن ننظر إلى الأمام من منظار نقدي لما جرى. أما قضية الدعم الخارجي، فليطمئن الصديق عمر كوش، لن يقف أحد مع مشروع سوري مستقل القرار والإرادة ولن يدعمه إلا المواطنين والمواطنات السوريين بإمكانياتهم المتواضعة، ولكن وهذا هو الأساس، عزيمتهم ونضالهم من أجل الخلاص من الدكتاتوريات والتطرف والتدخلات الخارجية”. في نهاية المقال، كما في بدايته، يعود الكاتب ليؤكد على ضرورة هذا المؤتمر بالقول: لكن ذلك كله لا يلغي الحاجة إلى كيان سياسي ذي بنية مؤسسية جديدة وفاعلة، يكون مستقلاً في قراره الوطني قبل كل شيء، وليس تابعاً لأي دولة عربية أو أجنبية، وغير قابل للتوظيف في اصطفافات وصراعات وأجندات الآخرين، وذلك كي يشكل قطباً ومظلة سياسية للسوريين، ويسهم في خلاصهم من استبداد نظام الأسد، ومن الوضع الكارثي الذي أصاب سوريا وغالبية السوريين، ومن التشظي الذي اعترى الهوية السورية والانقسامات التي ضربت المجتمع السوري خلال السنوات الماضية.. نحب أن نذكر الكاتب وكل السوريين، بأن الجملة أعلاه، قد وردت تقريبا حرفيا، في المؤتمر الصحفي الأول للمبادرة الوطنية السورية من أجل مؤتمر وطني سوري قبل عامين.
فيما يلي نص مقال الكاتب السوري عمر كوش:
الثلاثاء 29 حزيران/يونيو 2021
يثير إعلان شخصيات سياسية سورية معارضة استعدادها لعقد “المؤتمر الوطني السوري لاستعادة السيادة والقرار”، في 21 و22 أغسطس/ آب” المقبل في مدينة جنيف السويسرية، أسئلة عديدة حول الغاية منه وحيثيات ودوافع عقده في ظل تفاقم حالات العطالة والتشظي والارتهان التي تعرفها كيانات وتشكيلات المعارضة، والأوضاع المأساوية والكارثية التي يعيشها غالبية السوريين في بلادهم وفي بلدان المهجر والشتات، فضلاً عن انسداد الآفاق أمام ممكنات حلّ ينهي معاناتهم، بسبب تخاذل المجتمع الدولي ورفض نظام الأسد الإجرامي لأي حل سياسي بالاستناد إلى دعم النظامي الروسي والإيراني له.
ولا شك في أن مظاهر الترهل والتردي والفشل التي أصابت المشهد السياسي للمعارضة بمختلف كياناتها، أو بالأحرى منصاتها، هو الذي دفع سوريون كثر إلى البحث عن ممكنات العثور على بديل عنها، وذلك بعد فشل كل محاولات إعادة تأهيل المعارضة؛ لأن تشكيلاتها لم تستجب لكل ما أثير حولها من انتقادات ومطالب، بل تمادت في الامتناع عن القيام بأي عملية نقد ذاتي أو مراجعة لما قامت به من أدوار، وأمعنت في تبرير أخطائها وفي الانغلاق على ذاتها، بسبب تركيباتها القائمة على مبدأ المحاصصة بين مجموعة من القوى والشخصيات السياسية، التي تحظى بدعم دولي وإقليمي، وجرى تسويقها كي تتصدر المشهد السياسي للمعارضة السورية، وراحت تدعي تمثيل قوى الثورة وحاضنتها الاجتماعية، لكن واقع الحال أثبت أنها بعيدة كل البعد عن الثورة ومطالبها.
ومنذ انطلاق الثورة سارعت شخصيات وقوى سياسية معارضة إلى عقد عشرات المؤتمرات والاجتماعات والندوات من أجل تأسيس كيانات سياسية، لكن النتيجة كانت صفرية والمحصول شحيح، لأن كل الكيانات والتشكيلات التي تشكلت بعد اندلاع الثورة السورية تحولت إلى ما يشبه دكاكين صغيرة ومنصات ارتهنت لأجهزة داعميها الدوليين والإقليميين، وانحصر همّها في وراثة وإلغاء بعضها بعضا، وبالتالي لم يتمكن أي منها من التحول إلى كيان مؤسساتي تمثيلي للثورة وناسها وللسوريين جميعاً، لذلك يطرح سوريون كثر، في أيامنا هذه، أسئلة عديدة حول ممكنات وسبل دعم قضيتهم، ويخوضون نقاشات حول كيفية تشكيل بنية سياسية مؤسسية، جديدة وقوية، يمكنها وضع رؤية مشتركة من أجل خلاصهم، وتعمل على توحيد جهودهم في الداخل وفي بلدان الشتات.
وإن كانت هنالك أسباب عديدة تدفع السوريين إلى التفكير في البحث عن البديل السياسي المطلوب لما هو سائد في مشهد المعارضة السورية، إلا أن ذلك ليس ممكناً إلا عبر عقد مؤتمر وطني جامع، وهو أمر أطلقت دعوات كثيرة من أجله، وجرت محاولات عديدة لعقده، لكنها فشلت ولم يتحقق بَعدُ عقدُ مؤتمر وطني جامع، لذلك فإن الذين يعتزمون عقد مؤتمرهم المقبل في جنيف آثروا أن يتضمن اسم مؤتمرهم الجديد عبارة “المؤتمر الوطني السوري”، وزادوا عليها لاحقة “لاستعادة السيادة والقرار”، التي يراد منها إظهار غاية المؤتمر، وبما يشكل إقراراً منهم بأن سيادة سوريا منتهكة من طرف قوى خارجية تتقاسم قواتها العسكرية وميليشياتها مناطق النفوذ على الأرض السورية، وأن القرار السوري المستقل مفقود في ظل الارتهان والاستلاب الحاصلين.
ويجادل الداعون إلى المؤتمر بأن الهدف منه هو بناء جسم سياسي سوري، يناضل من أجل تحقيق طموحات الشعب السوري في إسقاط نظام الاستبداد وإقامة الدولة الديمقراطية. وهو كلام عام تنطق به جميع منصات وكيانات المعارضة من دون أن تمتلك مقومات وممكنات تحقيقه، في حين أن المرجح هو أن الغاية من المؤتمر قد لا تتعدى حدود محاولة تشكيل منصة جديدة، تسعى إلى سحب البساط من “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، لكنها لن تكون سوى منصة أخرى مناكفة له، ومرتهنة مثله لأجندات الدول الداعمة لها، خاصة أن بعض الشخصيات المبادرة إلى عقد مؤتمر جنيف المقبل كانت سابقاً في مراكز قيادية في تشكيلات المعارضة، وبالتحديد في هيئة التنسيق وهيئة التفاوض ومنصة القاهرة المقربة ومنصة موسكو، وأمضت سنوات عديدة فيها من دون أن تفعل شيئاً مغايراً لنهج الانقسام والتشظي والارتهان لقوى الخارج ومناكفة الائتلاف، وبالتالي يشكك سوريون كثر في أن تكون غايتها من مشاركتها في عقد المؤتمر هي الإسهام في تشكيل جسم سياسي جديد ذي بنية مؤسسية جديدة وفاعلة، لأن ذلك يتطلب توفر فرص نجاح وفق الشروط الذاتية والموضوعية للواقع السوري والابتعاد عن الكيانات السياسية التي لا تملك رصيداً لدى السوريين والشخصيات المجرّبة والمتقادمة التي تتمركز على نفسها وتحاول تبرئة ذاتها عبر إلقاء اللوم على الآخرين، وترفض الإقرار بعجز بنيتها الفكرية والسياسية والتنظيمية، فضلاً عن ممارساتها المعيقة للعمل الجماعي والمؤسساتي.
ويبدو أن الأمر لا يتعدى محاولة إعادة ترميم وتجميع منصة قديمة بحلّة جديدة، بما يشبه إلى حدّ بعيد قيام الجبهة الوطنية الديمقراطية (جود)، التي أعلنت مؤخراً انعقاد اجتماعها الأول تحت شعار “نحو سوريا دولة مدنية ديمقراطية”، وشكل ذلك إعادة إنتاج وتدوير “هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي”، التي كانت قد تشكلت في بداية تشرين الأول/ أكتوبر 2011، حيث لم تخرج أطروحات جود السياسية عن العموميات والأفكار والأطروحات الغائمة حول المشروع الوطني الديموقراطي، التي لن تسهم في تغيير مسار الأداء الفاشل لكيانات المعارضة، سواء الداخلية منها أم الخارجية، لكن ذلك كله لا يلغي الحاجة إلى كيان سياسي ذي بنية مؤسسية جديدة وفاعلة، يكون مستقلاً في قراره الوطني قبل كل شيء، وليس تابعاً لأي دولة عربية أو أجنبية، وغير قابل للتوظيف في اصطفافات وصراعات وأجندات الآخرين، وذلك كي يشكل قطباً ومظلة سياسية للسوريين، ويسهم في خلاصهم من استبداد نظام الأسد، ومن الوضع الكارثي الذي أصاب سوريا وغالبية السوريين، ومن التشظي الذي اعترى الهوية السورية والانقسامات التي ضربت المجتمع السوري خلال السنوات الماضية.