وجهات نظر في موضوع الفدرالية

وصل بريد اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني السوري لاستعادة السيادة والقرار، وجهات نظر متعددة ومختلفة حول موضوع الفدرالية والنظام الفدرالي. من وجهة نظر تاريخية، لم تكن العهود المؤسسة للفدراليات، منذ أول اتفاقية فدرالية في 1577 في ما يعرف اليوم بهولندا، اتفاقية ذات علاقة أو التزام سواء بالحقوق أو الطبيعة الديمقراطية للنظام السياسي. يصدق هذا الكلام على ما تبعها. وحتى كونفدرالية الولايات المتحدة، أو دستور فيلادلفيا، وينطبق هذا الكلام على الإنموذج السويسري:  في العهد الفدرالي السويسري لعام 1815 كذلك في الدستور الفدرالي لعام 1848 يغيب أي إعلان للحقوق أو إشارة لحقوق المواطنة والإنسان.  أما في ألمانيا، فإن ميثاق الكونفدرالية الجرمانية لعام 1815 والمعدل في 1820 كذلك إعلان بسمارك للرايخ الثاني في 1871 لا يتعرض لطبيعة الدولة ديمقراطية أو دكتاتورية. وهذا هو الحال في الدستور الكندي 1867 والدستور الاسترالي 1900 وجنوب إفريقيا 1909. لذا لم يكن هناك علاقة واضحة وثابتة بين المدارس الديمقراطية على اختلافها، على عكس ما تذكر الأوراق المؤيدة للنظام الفدرالي، الذي تعايشت تحت قبته أنظمة دكتاتورية وأخرى ديمقراطية على امتداد القرن العشرين. هذا التقديم التاريخي برأينا ضروري لموضعة النقاش في موضوع النظام الفدرالية كشكل لإدارة المناطق يحتمل أنظمة سياسية تسلطية وديمقراطية بآن. فيما يلي وجهات نظر، ارتأينا نشرها،  في “سيريانوك” لإغناء النقاش الدائر حول هذا الموضوع.

 وجهة نظر الدكتور حبيب حداد

إن طرح موضوع الفدرالية اليوم في سورية من قبل بعض المجموعات والحركات السياسية هو أمر خطير للغاية وذلك للأسباب التالية :

أولا – أن سورية اليوم دولة مدمرة وممزقة والشعب السوري المهجر والنازح والمشرد في كل أصقاع

المعمورة هو شعب مغيب موضوعيًا عن امكانية ممارسة حقه في تقرير مصيره .

ثانيًا- إن الذين يدعون إلى صيغ دستورية ترى أن سورية تتكون من قوميتين يتجاهلون ، فيما إذا أخذ دستوريًا بهذا المنطلق ، أن لحمة الشعب السوري الموحدة تضم العديد من المجموعات الاقوامية والثقافية الأخرى. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن قرارات الأمم المتحدة بشأن حق تقرير المصير للمجموعات القومية مهما كانت نتيجة صيغة تنفيذ هذا الحق :

الحكم الذاتي أو الانفصال والاستقلال التام ، لا تنطبق على حال أي من أطياف الشعب

السوري الواحد ولا مجموعاته :الاثنية والثقافية . وعلى النقيض من ذلك فقد كانت فسيفساء

هذا المجتمع القومية والاثنية والدينية عبر مراحل التاريخ والتي تجسد هويته الوطنية المنيعة هي السلاح

الأمضى الذي واجه به كل الأزمات والتحديات المصيرية .

ثالثًا- إن دساتير الدول الديمقراطية الحديثة لا تقوم على رابطة القومية بل على رابطة المواطنة.  إن تعبير الأمة العربية ( وكذلك الأمة السورية ،الأمة المصرية ،أو الأمة…..) يتأسس على رابطة المواطنة لا على رابطة القومية أو الاثنية أو الدين ….، وأن الهوية الوطنية التي توحد الشعب

بمجموعه تقوم بين مواطنين أحرار ومتساوين في الحقوق والواجبات أي بين مواطني دولة ديمقراطية

لا بين مجموعات منغلقة على ذاتها ، إثنية أو ثقافية أو دينية او مناطقيه .

رابعًا- إن الادارة اللا مركزية الموسعة والتي تستند على أسس جغرافية وسكانية هي

الصيغة الأنسب لنظام الحكم في بلادنا في هذه المرحلة كونها تكفل صيانة الوحدة الوطنية لشعبنا، في الوقت نفسه الذي توفر فيه كل الدعم والرعاية لمختلف الحقوق الثقافية

للمجموعات القومية . والأهم من ذلك كله فإن مثل هذه الصيغة المقترحة لنظام الحكم المحلي أو غيرها من الصيغ لا يمكن أن تفرض منذ الان من قبل أي حزب سياسي أو أية مجموعة سكانية بعينها أو أية جهة خارجية ،لأن هذا الإجراء هو موقف وطني يقرره الشعب السوري كله بواسطة سلطته التشريعية المنتخبة .

خامسًا- مختلف الأطياف والمجموعات الاقوامية والإثنية في سورية يمكنها ان تعبر عن هويتها وثقافتها الخاصة بكل حرية وتشجيع من خلال مختلف هيئات المجتمع المدني ، الجمعيات الثقافية

والفنية ، وتدريس تاريخها ولغاتها والتي هي من حيث النتيجة ثقافة وتراث الشعب السوري كله . لذا فإن من الضروري أن يؤكد الدستور القادم للدولة السورية الديمقراطية ،سواء في المواد فوق الدستورية أو في المبادئ الاساسية: على عدم مشروعية قيام أحزاب سياسية على أسس اثنية أو دينية أو طائفية.

وجهة نظر الهيئة الوطنية السورية في الفدرالية

لا يختلف إثنان على أن *الفيدرالية*، هي نظام دستوري، ومن مدرسة الديمقراطية.

ويعتبر النظام الفيدرالي السياسي بمثابة ممارسة قانونية تستوجب ضرورة توزيع الوظائف الحكوميّة بمختلف أطيافها (التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة) بين كافّة مستويات الحكومة التي تسيطر على بلد ما، والبعض يسمي هذا النظام باللامركزية السياسية، ويقوم هذا النظام السياسي بين أقاليم متجاورة، لكل منها خصوصيته، لكنها متشابهة في تاريخها وأحلامها وآمالها.

وهذا النظام يحقق قوة لجميع تلك الأقاليم كوحدة سياسية اقتصادية اجتماعية، تفرضه مبررات منها: اتساع الجغرافية التي لا تساعد على الإشراف، والمتابعة لشؤون الدولة، والمجتمع، ويكون مصدره إرادة حرة لتلك الشعوب التي تعيش بتلك الأقاليم، أي أنه:

  1. نظام تجميعي لعدة أقاليم مستقلة، وليس *تفكيكياً* لإقليم واحد.
  2. مصدره إرادة شعوب تلك الأقاليم، وليس *رأي مجموعة هنا، أو حزب سياسي هناك*.

وهذا يعني بالضرورة:

  1. وجود شكل من أشكال الدولة في كل إقليم ليصار بعدها إلى الانتقال إلى شكل سياسي آخر.
  2. وجود إرادة حرة لكل شعوب الأقاليم يعبر عنها وفق انتخابات حرة نزيهة، وتشرف عليها مؤسسات حقوقية وطنية، ودولية تراقب العملية الديمقراطية.
  3. وجود أمن وأمان، واستقرار مجتمعي في كل الأقاليم المعنية، ليصار بعدها إلى إجراء استفتاء شعوبها في النظام السياسي الجديد.

ولكن لنظام الفيدرالية *عيوب* تتلخص بما يلي:

1) يشجع الجماعات الجهوية، والعنصرية أن تنمو، وتقوى على حساب، وحدة الوطن، وتقوده إلى إضعاف النظام وزعزعة أسسه من خلال القيادات العنصرية، أو الجهوية التي قد تسبب الكثير من الإزعاج للحكومة المركزية، ويصعب عليها التعامل معها، ويؤدي من حيث النتيجةً إلى تقسيم البلاد.

2) بطئ العملية السياسية في هذا النظام، وفي بعض الأحيان استحالة تحقيق الأهداف الكبيرة لأنها تخضع للمناقشات على كل المستويات والصعد، وعلى الأغلب لاتصل إلى حلول.

3) يشجع على تكاثر المؤسسات الحكومية، وازدواجية الآليات الحكومية، مما قد ينتج عنه الكثير من الإسراف، وهدر النفقات.

ولابد من التنوية الى ان نظام الفيدرالية -في منطقتنا- يمكن أن يحصل بين أقاليم متجاورة مثل (سوريا والعراق ولبنان والأردن)، ويحقق إيجابيات عديدة، أما في *الحالةالسورية* وتقسيم مناطقها الى فيدراليات فإنه يفتقر إلى حوامله الموضوعية، ولا يلامس بالمطلق واقع سوريا، بل إنه يؤسس إلى تفتيتها إلى كانتونات متناحرة خاصة، ويجب أن لايخفى على أحد أن البعض يطرحه على أساس عرقي، أو طائفي، أو مذهبي، دون مراعاة التداخل الجغرافي بين مكونات الشعب السوري الواحد، وهذا يؤدي أيضا إلى خلق نزاعات إقليمية بين دول الجوار لتداخل شعوبها، والتي تنعكس سلباً على دول المنطقة برمتها، ويهدد بتفكيكها جميعا.

*من فكر الهيئة الوطنية السورية  – Syrian National Authority*

من مشروع رؤية لتلاقي اطياف المعارضة الوطنية وتوحيد الصف الكردي في سوريا (2015)

نحن كفصائل وأحزاب سياسية سورية، تراجعنا إلى الصف الثاني حين تبوأ العسكر الصفوف الأولى، ولم نكن أبدا جزء من الصراع المسلح، وبالتالي لم تتلطخ سمعتنا وأيدينا بقطرة دم سورية، فالخيار العسكري فاشل تماما في تحقيق أي قدر من الحرية والكرامة للسوريين

تطالب الورقة بتكثيف الحوارات بين الفصائل والاطر الوطنية المختلفة للوصول إلى الحد الأدنى من المشتركات وفي مقدمتها فشل الخيار العسكري والقبول بالحل السياسي التفاوضي السلمي قولا وعملا ووقف القتال. والدعوة الى مؤتمر وطني وصولا للحديث في “إعادة صياغة الخطاب والمشروع السياسي الكردي ليتضمن: “أسس عقد اجتماعي جديد وشكل الحكم في سوريا وذلك من خلال طرح واقعي متزن نراه من جهتنا في نظام حكم ديمقراطي تعددي لا مركزي يتيح الفرصة للمكونات ذات الخصوصية بإدارة نفسها ذاتيا ضمن وطن مشترك ذات سيادة وعلم وجيش وطنيين.

وجهة نظر في الفدرالية:المهندس عبد الكريم الآغا

يزداد المطبلون والمزمرون لفكرة الفدرالية في سورية، ولأن هذا الموضوع يجري تناوله غالبا بكثير من السطحية والخفة، تطلب الأمر تقديم ملاحظات ضرورية حول هذه القضية الخطيرة:

  • يطرح الكثيرون الفدرالية باعتبارها من مدرسة الديمقراطية والنظام الدستوري. ومن المفيد التذكير تاريخيا وعلميا، أن تعبير الفدرالية لا يدرس في أية أكاديمية جامعية أو معهد حقوقي باعتباره معيارا للديمقراطية أو الدكتاتورية. ويميز القاموس العالمي لحقوق الإنسان بينها وبين موضوع الحقوق والحريات بشكل كامل باعتباره لها: شكل من أشكال إدارة المناطق في دولة. فهناك نماذج فيدرالية دكتاتورية مثل اسبانيا فرانكو او ارجنتين العسكر.
  • لم تقم النظم الفدرالية يوما في دولة موحدة بل تحدث بين دول متفرقة متحاربة وتتصالح وتخلق الوئام والألفة بين المتحاربين وتذهب إلى الفدرالية لتحقق أعلى مصلحة لهذه الدولة ومن أجل الوصول لدولة الوحدة هذا هو الأنموذج الذي تم بالتراضي بين إمارات متعددة في سويسرا وبالحرب في أنموذج الوحدة الألمانية.
  • ثمة نماذج حاولت إدارة الدولة بإدخال مفهوم الأقاليم والمحاصصة. شاهدنا ذلك في المثلين اللبناني والعراقي، والفشل الذريع المرافق لهكذا تجارب، كذلك شاهدنا ذلك في السودان حيث كانت النتيجة ليس الإنفصال وحسب، بل قيام نزاعات مسلحة بين الأقاليم المنفصلة أعطت دولة فاشلة، وفي هذه الدولة اليوم نزعات للفدرلة أنقل لكم رأي مناضل وطني من جنوب السودان في رسالة مفصلة تعطي السوريين إشارات تنبه ضرورية لعدم الدخول في هذه المتاهة.
  • تسعى الدول لإحداث نجمعات اقتصادية كبيرة وتتعاون من أجل إزالة الحدود الاقتصادية والسياسية من أجل مصالح شعوبها ورفاههم بينما يسعى الجهلة لتجزئة سورية(فرق تسد )وهذا نعلم انه ليست ناتجة من جهلهم فقط  بل بدافع من مشغليهم ومستخدميهم، بهدف تحويل أي إقليم مستقبلا إلى منطقة نفوذ دائمة لهذه الدولة أو تلك.
  • تكاد سوريا، أن تكون بصغرها مدينة واحدة مقارنة بكثير من الدول وابعد مسافة بين مدينتين فيها 300 كم ويمكن ان تصل لأبعد نقطة فيها بساعة واحدة بطرق ووسائل مواصلات حديثة وعلى  أبعد تقدير  ثلاث ساعات، فهل نريد تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ؟
  • إن التكامل الاقتصادي في سورية، بين مدن تكاد ان تكون مميتة لكل جزء فيها دون المناطق الأخرى فكل منطقة تملك من المزايا التي تفتقدها المناطق الأخرى فالسياحة لها مناطقها والبترول امتد اليوم إلى البحر المتوسط والماء في الوسط والقمح في الشمال إلخ.
  • لا يحتمل التمازج والاختلاط السكاني في سوريا أي فدرالية عرقية ولا دينية ولا مذهبية حيث لا توجد أية أغلبية عرقية أو دينية أو مذهبية في أي جزء منها وأي فدرالية ترجح جهة ستظلم جهات اخرى  وتجعلة مواطن من الدرجة الثانية في تلك الفدرالية المصطنعة
  • بعد أكثر من مئة عام على سايكس بيكو، صنع السوريون عائلة وطنية سورية واحدة، كل عضو فيها يتأثر بالجزء الآخر وصارت العلاقة بين مختلف أطياف المجتمع من الزواج المشترك والتعايش ومجالات العمل والاستثمار المختلفة تجعل من الفدرالية شكلا مفرقا لا جامعا لشعب واحد فالإثنيات أقرب لبعضها من أقرانها في الدول الأخرى.
  • إن كل محاولات بناء كيانات أمر واقع كانت مجحفة بحق أطياف سورية وعلى حسابها، فكيف يمكن أن نقبل بالتطهير الإثني والثقافي في منطقة ونشجبه كجريمة حرب في منطقة أخرى. نقول هذا لمن أقام منظومة حزب واحد في شرقي الفرات يدعي أنها ديمقراطية علما بأن الأكراد أول ضحاياها، كذلك في عمليات التهجير السكاني التي تعممت على كل المناطق السورية، والتي تضعنا أمام قضية مركزية سابقة على كل نقاط الاختلاف: إعادة اللحمة الوطنية السورية كمشروع أساس لبناء الديمقراطية والتغيير، ورفض أي منطق مآلاته في مناطق الصراع الوصول إلى ضرب الدولة السورية الواحدة، وليس النظام الدكتاتوري.
  • سواء كان حكم الأمر الواقع لوحدات حماية الشعب الكردية، أو المنظمات الإرهابية كداعش التي أعلنت دولتها الإرهابية أو إمارة النصرة، يشتركون جميعا في سياسة الإقصاء لمن يختلف عنهم. ولا يمكن بناء دولة مواطنة، دولة ديمقراطية حديثة ببرامج الإسلام السياسي إخوانيا أو سلفيا، كذلك لا يمكن ضمان حقوق كل السورييين بقيادة تأتمر لإمارة قنديل.
  • إن الأخوة العرب والتركمان والأكراد والأشوريين والشركس والأرمن أبرياء من جرائم ترتكب باسمهم من أية جماعة شوفينية عربية أو كردية أو تركمانية إلخ. وهم يدفعون أغلى الأثمان لما حدث. لذا فهم في أغلبيتهم يعلنون انتماءهم لسوريا موحدة وشعب واحد ودولة مواطنة.
  • إننا نطالب بسورية موحدة، ودولة مدنية علمانية ديمقراطية، يتساوى فيها كل السوريين والسوريات بالواجبات والمسؤوليات والحقوق وضمان الحريات الدينية والثقافية للجميع ونظام قائم على اللا مركزية الإدارية فيما يحول دون النمو غير المتكافئ بين المحافظات، ويضمن الحقوق الاقتصادية والثقافية لكل السوريين دون تمييز.

وجهة نظر في الفدرالية من جنوب السودان

المفهوم العام للفدرالية وعيوبه، ومفهوم الفدرالية لدى الفدراليين الجنوبين

أصبح مصطلح الحكم الفدرالي والفدرالية الشاغل العام لشعب جنوب السودان في هذه الأيام، وكأنه يشكل الحل السحري الذي يضع حدا للصراعات المسلحة، لذا من الضروري توضيح مخاطر هذا الخطاب في جنوب السودان وما يمكن أن يترتب عليه.

تعريف الفدرالية ومفهومه وعيوبه

مع أن البعض ممن يطرحون هذا الخيار يدركون ـ ماذا تعني لهم وكيف أنها تحقق لهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ــ مصالحهم ومآربهم ـــــإلا أن الكثير ممن يتحدث عن الفدرالية أصبح يردد هذا الخيار دون أن يعرف ماهية الفدرالية؟ وما المقصود بالنظام الفدرالي؟ وما هي الدول التي يناسبها تطبيق مثل هذا النظام؟ وهل تناسب طبيعة وظروف دولة جنوب السودان تطبيق مثل هذا النظام؟ وماهية عيوب ومخاطر تطبيق النظام الفدرالي؟

في اعتقادي لو أن الكثير من هؤلاء قرأ واطلع على طبيعة النظام الفدرالي ومميزاته وعيوبه والظروف والبيئة المناسبة لتطبيقه لتراجع الكثير عن أقوالهم ومقترحاتهم، ولكن؛ ولأن الظاهرة (الببغاوية) هي السمة الأبرز على معظم متعاطي السياسة ومنظريها في جنوب السودان فإن ترديد مصطلحات جوفاء دون أدراك لمعانيها ومدلولاتها هي الخيار الأمن من مناقشة قضايا واحتياجات الناس الحقيقية ومشكلات الوطن وأبنائه.

يمكن من خلال استعراض سريع للنظام الفدرالي وماهيته ــ معرفة المخاطر والمشكلات التي يمكن أن تنشأ في حال تطبيق هذا الخيار في جنوب السودان

فالفدرالية تعني دولة اتحاد وهي دولة مركبة من عدد من الدول أو ما يسمى بالوحدات الداخلية ويتم فيها تقسيم السلطات بين الحكومة المركزية وبين حكومة هذه الوحدات؛ فتكون للسلطة المركزية اختصاص الدفاع والخارجية والتعليم في بعض الدول فيما بقية السلطات من اختصاص الحكومات المحلية.

ولذلك فالدول التي تتلاءم طبيعتها مع النظام الفدرالي كما يجمع على ذلك كل علماء وفقهاء السياسة هي الدول التي تكون لها إحدى الحالات التالية:

الحالة الأولى:

عندما تكون مساحة البلاد شاسعة مثل: أمريكا أو روسيا وكندا والصين…الخ؛ وذلك بسب الصعوبة التي تواجه الحكومة المركزية في بسط نفوذها على كامل أرضي البلاد، فتلجأ إلي الفدرالية؛ حتى تساعدها الحكومة المحلية في بسط ونفوذ هيبة الدولة، وكذلك تلجأ مثل هذه الدول للفدرالية لعدم قدرة حكومة مركزية واحدة إدارة بلد ذات مساحة جغرافية واسعة.

الحالة الثانية:

حين يكون هناك تعدد عرقي ولغوي أو ديني وسلالي في الدولة مثل: كندا أو الهند أو ماليزيا..الخ والذي يعني اختلاف في المعتقدات والعادات فتأخذ هذه الدول بالفدرالية؛ وذلك لصعوبة إصدار قوانين وتشريعات واحدة لجميع مواطنيها وخاصة قوانين الأحوال الشخصية مثل: الزواج ،الإجازات ،الأعياد الدينية..وغيرها.

الحالة الثالثة:

حين تكون هناك عدة دول في منطقة واحدة وهي بحاجة إلى الوحدة فيما بينها فتتخذ الفدرالية التي تكون طريقا إلى الوحدة الاندماجية

وقد تم تطبيق الفدرالية في عدد من الدول التي تنطبق عليها احدى الحالات السابقة وحقق نجاح نسبي في بعض الدول وفشل في عدد أخرى من الدول بل وكان سبب في تشظيها كما حصل مؤخراً في السودان.

عيوب النظام الفدرالي

مع أن النظام الفدرالي يساهم وبشكل نسبي في حل إشكاليات بعض الدول التي تعاني من أحدى الحالات السابقة إلا أن له عيوب ومخاطر كبيرة ما يجعل الكثير من الدول والشعوب تكف عن تطبيق مثل هذا النظام نظراً للمشاكل والصراعات التي تظهر عند تطبيقه وأبرز هذه العيوب:

(1)  بطء العملية السياسية في هذا النظام وفي بعض الأحيان استحالة تحقيق الأهداف الكبيرة. فعلى سبيل المثال لا يزال السياسيون في الولايات المتحدة يناقشون قضية التأمين الصحي ومن المسئول عليه. بمعنى هل يجب على الدول الفدرالية توفير التأمين الصحي لكل المواطنين أم لا ؟ ومن العجيب إن هذا النقاش قد بدأ بصورة جدية عام 1944 عندما ألقا الرئيس الأمريكي روزفلت خطابه المشهور والذي عرف بخطاب الحريات الاقتصادية في أمريكا منذ ذلك الحين والسياسيون في نقاش حاد حول هذا السؤال وحتى الآن لم يتفقوا على حل ولا أعتقد أنهم سيصلون إلى أي حل في القريب العاجل .

(2) النظام الفدرالي قد يشجع الجماعات الجهوية والعنصرية أن تنمو وتقوى أذا لم يوضع لها ضوابط. وهذه الحرية في النظام الفدرالي قد تقود أيضا إلى إضعاف النظام وزعزعة أسسه والأمثلة على ذلك كثيرة لعل أشهرها اليوم كندا. ففي كندا يحاول المتحدثون بالفرنسية في إقليم كوبك الخروج من الإتحاد باستخدام الأساليب القانونية لتحقيق أهدافهم وتأسيس دولتهم المستقبلية، والمثال الثاني هو ما تقوم به بعض الجماعات في الهند من محاولة الخروج من السيطرة الهندية, ولعل من أشهر هذه الجماعات (التامل نادو,,, و البنجاب ,,, و الجامو,,,و كشمير ) خروج بعض القيادات العنصرية أو الجهوية التي قد تسبب الكثير من الإزعاج للحكومة المركزية ويصعب عليها التعامل معها.

(3) النظام الفدرالي قد يشجع على تكاثر المؤسسات الحكومية وازدواجية الآليات الحكومية مما قد ينتج عنه الكثير من الإسراف والتدبير .

(4) النظام الفدرالي نظام معقد سياسيا بطبعه ونتيجة لهذا التعقيد قد يكون من الصعب في أغلب الأحيان محاسبة ومراقبة السياسيين المحاسبة الدقيقة .

(5)  النظام الفدرالي يكلف ميزانية الدولة نفقات باهظة بسب طبيعته المعقدة من حيث ازدواجية الكثير من السلطات والأدوات فيه..إذ يوجد لكل سلطة إدارية نوعان: يتبع أحدهما سلطة الولاية ويتبع الأخرى السلطة الاتحادية في المركز. فمثلاً هناك قضاء ومحاكم تتبع المركز وأخرى تتبع الولاية وهكذا في الكثير من المنشأت وهو ما يودي إلي تضخم في الجهاز الإداري وحاجة كبيرة للمباني والموازنات والموظفين .

بل إن دولة مثل جنوب السودان لم تستكمل أنشاء البنية التحتية للحكومة المركزية بعد ثلاثة سنوات من استقلالها، فلا تزال الكثير من المؤسسات والهيئات والوزارات بدون مباني ، ولا تزال الحكومة عاجزة عن تنظيم أبسط مقومات الدولة الحديثة من تشيد الطرق و الشوارع ، وكل إقليم وكل حكومة محلية تحتاج من مباني وموظفين وجهاز إداري ؛مما يعني إن تطبيق الفدرالية سيؤدي إلى انهاك الموارد الموجودة ..هذا إن لم يكن بداية الصراع بين المركز والأقاليم حول الثروات السيادية التي تتواجد في الأقاليم وسعي كل إقليم للسيطرة على الثروات التي تتواجد فيه مما قد يؤدي إلي انهيار الحكومة المركزية الذي لن تجد أي موارد تحت سيطرتها فتكون النتيجة تفكك البلاد.

(6)  ومن عيوب النظام الفدرالي أيضا تعقيداته الشديدة في توزيع السلطات بين الحكومة الاتحادية والحكومة في الولاية وبخاصة في السلطة التشريعية والتنفيذية والإدارية وعادةً ما يثار نزاع بين السلطات المركزية والسلطات المحلية في الولاية، فعادةً تقوم السلطات التشريعية في الولاية بمناقشة قضايا هي من اختصاص السلطات التشريعية في المركز والعكس وكذلك أحيانا تقوم الحكومة المحلية بممارسة سلطات من اختصاص حكومة المركز والعكس أيضاً مما قد يودي إلي الكثير من المشاكل..

وغالباً ما تنتهي النزاعات لصالح حكومة الولايات صاحبة السلطة الفعلية فتصبح حكومة المركز صاحبة سلطة نظرية من الناحية القانونية ولكن لايستطيع تطبيق هذه السلطة على الأرض، هذا إلى جانب الخلافات التي تنشأ حول الثروات والموارد الاقتصادية، وأحقية كل طرف ونسبته في هذه الثروات والموارد.

ويمكن للمتابع البسيط التنبؤ بالخلافات التي قد تنشأ في جنوب السودان في حال تطبيق الفدرالية من خلال الاطلاع على بعض الرؤى التي تتحدث عن الفدرالية ومعالجة قضية الثروة ، فمع أن الثروات السيادية في أغلب الدول الفدرالية يتم توزيعها حسب السكان وليس حسب المنطقة التي تتواجد فيها الثروات

(7)ـ مايمكن ملاحظته أيضاً في الدول الفدرالية هو تفتت اللحمة الوطنية وتزايد نزعة الاستقلال لدى كل ولاية وربما الإنفصال مع مرور الوقت كما حصل في السودان ودولة جنوب السودان، بل أن أغلب حركات التمرد في العالم هي نتيجة النزعة الاستقلالية التي استشعرها سكانها ؛ نتيجة الحكم الذاتي وتطبيق النظام الفدرالي، وهو يؤكد أنه في حال تطبيق هذا النظام في جنوب السودان فإنه سيؤدي إلي تكريس النزعة الاستقلالية لبعض المناطق مثل الاستوائية واعالي النيل

(8) ما يؤخذ على النظام الفدرالي أيضاً تقوية النزعات القبلية والجهوية بين أبناء الولاية أنفسهم، حين يبدأ التنافس على السلطة والثروة ويرفض أبناء كل قبيلة أن يكون حاكمهم في الولاية من أبناء القبيلة الأخرى؛ وذلك إن الصراعات تخف كلما توسعت آفاقها وتشتد كلما ضاقت هذه الأفاق.

نماذج مطالب الفدرالية لبعض الجهات الجغرافية ما بعد الصراع ومطالب عناصر التمرد؛

بعد السرد لمفهوم الفدرالية وتعريفه ومحاولات زج الحركة الشعبية في المعارضة لتفكيك الوحدة الجنوبية وتفتيت دولة جنوب السودان الي دويلات فيدرالية نموذج مشار للحكم

نموذج الحركة الشعبية المعارضة (21 ولاية فدرالية)

يعتبر نموذج هش ونموذج انفصالي يشجع ويدعو الشعب الجنوبي الي التمزق وتقسيمه الي دويلات صغيرة غير قابل للحياة مع نفسها ومع جيرانها يمكن أن تتامر عليها الدول المجاورة لضمها الى سيادتها،

التقسيم الفيدرالي الجديد لرياك مشار قد لا يجد القبول ولم يكتب عليها النجاح لانها تجربة فريدة وغير مدروسة دراسة متأنية ودراسة تحليلية ،

لنفترض ان تم تقسيم الولايات الي 21 ولاية لابد ان تكون هناك 21 مجلس تشريعي ولائي،21 ومجلس تشريعي للمحافظات وهكذا حتي اخر مستوى الحكم في( فيام أو بوما) الوحدات الإدارية في جنوب السودان

وأيضا ضرورة إقامة وحدات قضائية تختلف من ولاية لولاية حسب التشريعات الولائية ، ضرورة تأسيس الوحدات الشرطية الولائية على كافة المستويات واحد وعشرين وحدة شرطية على مستوى الدولة

التعليم سيكون تعليم لامركزي حيث ان أي ولاية لديها الحق في انشاء مناهج تربوية واختيار اللغة المناسب لسكانها ،

حسب التعداد السكاني السابق للسودان تبلغ عدد سكان الجنوب مع يعادل ثمانية ملايين نسمة، مع ارتفاع عدد القتلى إلى 18000 قتيل عقب الصراع الحالي والاقتتال القبلي بين قوات الحكومة والمعارضة المسلحة، تلقائيا سوف يتناقص عدد السكان، وبالتالي ونتيجة لهجرة المواطنين إلى الدول المجاورة من جراء النزاع المسلح، يصعب أن تجد قوامة خمسين شخص في المحافظة الواحد، وإذا طبقت النظام الفدرالي ل 21 ولاية فسوف تكون هناك ولايات خالية من السكان المحليين نتيجة للحرب فيصعب إنشاء ولاية أو محافظة

لم يهدد أصحاب العقول المستنيرة من قيادات الحركة الشعبية في المعارضة كيفية تقسيم الثروة بين الحكومة الاتحادية (المركز) وحكومات الولائية هل تعطى نسب التنمية والخدمات حسب الكثافة السكانية ام أنها تعطى حسب الولايات المنتجة للثروات السيادية

لنعطي أنفسنا مساحة للتفكير في هذا الصدد إذ لجأنا لتقسيم وتوزيع نسبة التنمية حسب كثافة سكانية فهذا سوف يخلق حالة غبن وعدم ارتياح من المناطق المنتجة للثروات القومية وكذلك الحال اذا تم إستغلال المناطق المنتجة للثروات القومية موارده لوحده مثل النفط، ستخلق نوع من التذمر من الولايات غير المنتجة وسوف تؤدي إلى حرب وتطاحن قبلي والإحساس بالتهميش والاقتصادي

نموذج الاستوائيين لمطلب الفدرالية؛

أما نموذج الاستوائيين لم يحدده اي نوع من النظام الفدرالي الذي يمكن أن تطبق على مستوى الدولة، يدعون ل (federal Democratic Republic of South Sudan)

دولة جنوب السودان الفدرالية الديمقراطية على اساس اقليمي (جوبا، واو، ملكال) ولم يتحدثوا عن كيفية يطبق النظام الفيدرالي، ما هي صلاحيات الحكومة المركزية من الحكومات الولائية، لم يتحدثوا عن المصالح المشترك بين حكومة المركز والحكومات الولائية

النظام الفيدرالي سوف يقسم الجنوب الى دويلات مغلقة حول نفسها، ويمكن لجارة يوغندا أن تضم كافة أراضي الاستوائية لدولته لتوسيع حدودها شمالا ، وأيضا دولة السودان ومطامعه الاقتصادية في بترول الجنوب يمكن أن تاسس مع ولايات المنتجة للبترول نظام كونفدرالي اقتصادي يسمح بتصدير البترول عبر ارضيه أو اغراء بعض القبائل في الشريط الحدودي او تنازل قيادة حركة في المعارضة بعودة الوحدة بين السودان والجنوب (بروفيسور ديفيد ديشان نموذجا يطالب بوحدة كونفدرالية بين أعالي النيل والخرطوم، وهو عضو تم تعينه من قبل رياك ليمثل المجتمع المدني جناح المعارضة)

لعل الناظر لمجريات الأحداث في جنوب السودان والقراءات المستقبلية لتطور الصراع ولغة التناحر القبلي بين قيادات الحركة الشعبية في الحكومة والمعارضة من جهة، والاستوائيين الذين ينادون بالحكم الفدرالي من جهة أخرى، والذين نتشكك في مواقفهم ونواياهم واستدراك ما يدور في مخيلتهم من محاولة تفتيت الوحدة الجنوبية وتدمير الحلم الذي حلمنا به جميعا حلم دولة مستقلة، لا يمكن أن تزول برمشة العين مازال هناك ضمائر حي ينادي بالوحدة الوطنية والتعايش السلمي بين مختلف القبائل في نظام سياسي

(لا مركزي رئاسي)

إذن لا يوجد قاسم مشترك وتقارب في الرؤى تجمع الاستوائيين مع حركة رياك مشار الانفصالية التي تدعو إلى إقامة نظام فيدرالي سواء على أساس المؤامرة والمكايدة أو الحقد السياسي القديم تجاه الوطن

الهدف المشترك في هذا الصدد هو تفكيك الدولة لكي تتشظى إلى دويلات صغيرة

إني على يقين، بأن الجنسية السودانية الجنوبية تكفي بان أكون مواطن استوائي، اعالنيلي، وبحر غزالي.

مجموعة “أنا أفكر إذن أنا علماني”.

 

Scroll to Top