العجلة لا تمشي !

حيّان سليم حيدر

 من وحي المهاترات المتبادلة التي لانهاية لها في الحياة السياسية اللبنانية،

وفي سياق إهتمامي بتراث سليم حيدر، النثر منه بعدما صدرت كامل المجموعة الشعرية له في العام 2016، دخلت إلى طيّات الزمان مستعيدًا محاضرة بعنوان “التعمير من الأساس” لوزير لبنان المفوَّض في إيران الدكتور سليم حيدر، ألقاها في بيروت في 17 كانون الثاني سنة 1949 بدعوة من الندوة اللبنانية.  وعلى عادته، فالكلام يطول (5000 كلمة تقريبًا) لحرص المُحاضِر على أسلوبه الأدبي في كلّ وقت، كما وعلى الوضوح في كلّ شيء، إلّا أنّي رأيت أن أكرّر بعضًا من عباراته التي وصف بها لبنان – ذاك العصيّ على الصلاح – بلغة وصفها هو على النحو الآتي: ” لغة الحقّ على المجاز، على الإستعارة، على الكناية، على جميع هذه الضروب الكلامية التي نلجأ إليها، نحن الشعراء، لنذر على الحقيقة المؤلمة رشاشًا من الوهم، لذة الحياة !”

المحاضرة تُسْهِب في مجالات التربية والتعليم إلّا أنّني رأيت أن أقتبس منها ما تيسّر وصفًا ل”معضِلة لبنان الكبرى”. 

يقول بداية:

“نظرةً إلى الصحف، واُذُّنًا في المجتمعات، واستفتاء للحاكم، ولرجل الفكر، ولرجل الشارع… القول واحد وإن اختلفت الأصوات والنبرات: العجلة لا تمشي !

العجلة لا تمشي ! هذا يقول من الدواليب.  وذاك يشكو من الصندوق.  وهاذاك يشكّك في الخيل وذلك يتّهم السائق.  العجلة لا تمشي !

وينظر الخبير إلى العجلة فيرى أنّ دواليبها سالمة، وأن صندوقها متين.  ثمّ يتطلع إلى السائق فيراه، والعرق يتصبّب من جبينه، يحاول ضمّ يمناه إلى يسراه، فلا يفلح.

وترتفع الأصوات: غيروا السائق !  بدّلوا السائق !  ويتغيّر السائق، ويتوالى السائقون، والعجلة لا تمشي إلّا وثبات متقطّعة، بثقلٍ واعنات.  ذلك أن الخيل تشدّ إلى جهات مختلفة !… فتعالوا نربّي الخيل !

إنّها خيول أصيلة، مطهمة، يقدح من سنابكها الشرر.  ولكنّها تتسابق في غير نظام، ولا تسير باتّجاه واحد.

تعالوا نربّي الخيل.  فلن يصلح لبنان ما لم يصلح الشعب اللبناني !”

ونتساءل:… لم تكُنْ تمشي في العام 1949؟؟  أيْ بعد أول تأسيس للبنان الإستقلال.  لا شكّ أنّها  كانت بداية واعدة !!  ثمّ يردف:

“نحن في لبنان نشكو، داخليًّا، من قانون الإنتخاب، ومن التوظيف – شكله وأساسه –  ومن إهمال العمران في بعض المناطق، ومن إضطراب الأمن، ومن ضغط الشارع، ومن فوضى إدارية ومالية وما إلى ذلك، ومن فقدان الثقة … ونشكو، خارجيًّا، من بعض المجازفة في سياستنا، ومن الإرتجال وعدم الإستقرار…”

ونعلّق: منذ النشأ: قانون الإنتخاب، والتوظيف والإنماء غير المتوازن، والأمن … وفوضى إدارية، والإرتجال والمجازفة؟؟  ما أحلى تلك الأيام، نقول، بالمقارنة بالمُعاش اليوم !  وبين بين، يرمي المُحاضِر طرفة يصف بها اللبناني:

“روي عن أكار لبناني أنّه كان يسوق حماره، محمّلًا مِلحًا، فأمطرته السماء وابلًا، فسبّ دين الحكومة !”

فعلًا !  لم يتغيّر اللبناني.. ولا قيد أنملة.  وأُنْهي بنظرة فلسفية له حول العلاقات اللبنانية المتلاطمة:

“والسياسة كلمة اصطبغت في لبنان بلون ما وضعنا فيها من مغالطات من تحازب في كلّ شيء، ودسيسةٍ على كلّ أمر، وكيفيةٍ في كلّ إتّجاه، بوحي من أنانيتنا، أنانية شعب يكاد كلّ فرد فيه أن يكون عبقريًّا، وتخفق فيه معظم الأعمال الإجتماعية.”

الأنانية والشعب العبقري، مختصر الوصف، باقتضاب !

ولا أخالنا نحتاج إلى مزيد من التشخيص.. هل قلت منذ العام 1949؟  والواضح أنّه كان قبل ذلك.

فإلى ورشة بناء “دولة المواطن”… إلى  100 عام جديدة.

بيروت، في 9 تموز 2021م.                                                             حيّان سليم حيدر.

                                                                                مواطن بحاجة إلى “التعمير من الأساس”.

 

Scroll to Top