ممدوح القدسي //
ضاقتْ دائرةُ الفاعلين والمعنيين بالحل السوري واتّسعتْ وتغيّرتْ شُخُوصُها ودُوَلُها، وذلكَ بمحيطِ متعرّجٍ يتعرّجُ باختلافِ متى وكيفَ ومَنْ يُؤثّر على الحلّ في مرحلةٍ من مراحلِ النزاعاتِ المسلّحة التي تعيشُها سوريا منذُ عشرِ سنواتٍ، كذلك يتباينُ حجمُها بتباينِ الفئاتِ المشاركةِ في كلّ فترة.
في حديثِنا عن هذهِ الدائرةِ، لابدّ لنا وأنْ نتطرّقَ لأحدِ أهمّ مهندسِيها، أو المكلف منَ الأممِ المتّحدةِ لمهمة متابعةِ وتطبيقِ القرارات ِالأمميّةِ الّتي يعرفُها وأصبحَ يعترفُ بها، مختلف الأطرافِ، على الأقلِ في الخطابِ المعلنِ، إنّه مبعوثُ الأممِ المتّحدةِ الخاصّ إلى سورية. بعدَ تفتّتِ وغيابِ مفاوضاتِ جنيف، وبقاءِ اللجنةِ الدستوريةِ آخر تعبيرٍ عن نشاطِ الأممِ المتّحدةِ، وإمكانيّاتِ الخروجِ من حالةِ الاستعصاءِ الّتي تُبعدُ بريقَ الأملِ بالنّجاحِ عن معظمِ السوريين. أجريتُ عدّة مقابلات انضوت تحت سلسلةِ سمّيتها بيدرسون وبيكار الحل.
استضفتُ في هذه السّلسلة أربعةَ ضيوفٍ من مختلفِ مشاربِ المعارضةِ السوريّةِ، من الوطنيين السوريين والفاعلين في مِسار الحل السّوري بشكلٍ أو بآخر، ضيوفي حسبَ ترتيبِ المقابلات: الدكتور محمد وليد تامر، الأستاذ سمير الهواش، الدكتور محمد خير الوزير، والدكتور صلاح وانلي.
هل فَقَدَ السوريون مفتاحَ الحلّ السّوري–السّوري؟
الدكتور وليد تامر: الحلّ أصبحَ خارجَ أيدي السوريين بالمفهومِ الحرفي للكلمةِ، وبحسبِ بيدرسون” اجتماعاتُ اللجنةِ الدستوريّةِ هي مجموعةٌ من خيباتِ الأملِ”، ومنذُ قدومِ الأخضر الإبراهيمي إلى اليومِ يزدادُ الوضعُ سوءً. الحلّ واضحٌ ومعروفٌ لدى الجميعِ تنفيذ القراراتِ الأمميّةِ 2254 و2118 لكنْ ما ينقصنُا الاستراتيجيةُ لتطبيقِ الحلّ، ولابدّ من الاعترافِ أنّ لا حلّ ببقاءِ الأسد بالنسبةِ للسوريين داخل مناطقِ سيطرةِ النظامِ أم خارجهِ. بعد الاتفاقِ على هذا التّفصيلِ يمكنُ العمل على خمسِ نقاطٍ لا بدّ من تحقيقها لضمانِ النّجاحِ وتحقيقِ النتائجِ المرجوّةِ.
الأستاذ سمير الهواش: جميعُ السوريين المتابعين يعلمون المشكلةَ الّتي وقعتْ فيها الأممُ المتحدةُ بعدَ اتفاقِ سوتشي الذي نصّ على تأسيسِ اللجنةِ الدستوريّةِ السوريّةِ، وأنّها ستكونُ أداةً سيستخدمها النّظامُ للتّسويفِ. فاللجنةُ الدستوريّة فرصةٌ جيّدةٌ لتضييعِ الوقتِ، حيثُ استغرقَ القائمون عليها سنةً ونصف من أجلِ تشكيلها، وبعدَ تشكيلها قامتْ السّلطةُ بالتّصريحِ أكثرَ من مرّة أنّ الوفدَ الممثلَ عن الدولةِ لا يلزمها، وأنّ الدّستورَ سيكتُبهُ ويتوافقُ عليهِ السوريّون في دمشقَ، كما سيتمُ إجراءَ استفتاءٍ عليه في سوريا.
ثمّةَ إحباطٌ لدى بيدرسون من اجتماعاتِ اللجنةِ الدّستوريّةِ. وفي ذاتِ الوقتِ، أصبحَ جليٌّ للجميع تواجدَ الملفِ السّوري على طاولاتِ حوارِ الدّولِ مما يدلّ على أنّ اجتماعاتِ اللجنةِ الدستوريّةِ وحدَها لا تكفي لإنجازِ العملِ، ويجبُ التنسيقُ مع جميعِ المتداخلين في القضيّة السوريّة. وعلى الصّعيد الدولي لا يمكنُ الوصولُ إلى حلّ دونَ تطبيقِ القرارِ 2254.
الدكتور محمد خير الوزير: لا يمكنُ لأحدٍ أنْ يقولَ إنّ الحلّ خرجَ من أيدي السوريين، وأنّ الحلّ أصبحَ بيدِ الغربِ حصراً، هذا كلامٌ هدّامٌ مرفوضٌ جملةً وتفصيلاً. يمكنُ للسوريين أن يتوصّلوا إلى حلّ عبرَ الحوارِ وتوسيعِ دائرةِ العملِ، لكنْ إذا بقينا ضمنَ قوقعةِ الأممِ المتّحدةِ يمكننا القول إنّ الحلّ بيدِ الدّولِ المستضيفةِ للحواراتِ السّوريّةِ. نحنُ بحاجةٍ إلى مؤتمرٍ وطنيّ يجمعُ كافّةَ المكوّناتِ السّوريّة العرقيّة والدينيّة والفكريّة والسياسيّة، كلّ أطيافِ الشّعبِ السّوري، على طاولةِ حوارٍ واحدةٍ للوصولِ إلى حلّ.
الدكتور صلاح وانلي: المبعوثُ العربي أو الأممي تغيّرَ عدّةَ مرّاتٍ، وفي بعضِ الأحيانِ لا يُكمل المبعوثُ عدّة أشهر، وقد خرجَ المبعوثُ الدوليّ بعدَ مؤتمرِ جنيف 2 بتصريحٍ أشارَ فيهِ إلى أنّ منْ يعطّلُ مسارَ جنيف 2 هو النظام. ظلّ هذا الاضطراب حتّى زمنِ المبعوثِ الحالي غير بيدرسون الذي حملَ اللجنةَ الدستوريةَ كتركةٍ ممن سبقوهُ. إنّ فكرةَ اللجنةِ كحقيبةٍ أو مسارٍ للحلِ لمْ تُخلقْ من العدمِ، إذ أنّها ذُكِرتْ في القرار 2254 وفي جنيف 1، عند ما تمّ الاتفاقُ على تشكيلِ هيئةِ حكمٍ انتقاليةٍ مشتركةٍ من المعارضةِ والنظامِ لإيجادِ حلّ لوقفِ القتالِ والوصولِ لحلّ سياسيّ للقضيّةِ السّوريّةِ.
تجتمعُ اللجنةُ لتضييع الوقتِ حالياًّ، وقد صرّح بيدرسون أنّ المفاوضاتِ ضمنَ اللجنةِ لا تسيرُ على قدمٍ وساقٍ، وأنّ الحلّ خرجَ من أيدي السوريين، إذنْ أصبحَ الحلّ بأيدي الدولِ المتدخلةِ. ولماذا يقومُ مكتبُهُ بإجراءِ المفاوضاتِ بين السوريين إنْ كانَ يعلمُ بأنّها لن تثمرْ! الأجدرُ بهِ أنْ يجمعَ أصحابَ القرارِ.
إنّ السيد بيدرسون دبلوماسيّ محنّكٌ شغلَ سابقاً منصبَ سفيرِ النروج في الصين قبلَ ترشّيحهِ ليصبحَ المبعوثَ الأمميّ، وعندما يصرّح بأنّ الحلّ هو حلّ الدّولِ المتنازعةِ والمختلفةِ في الملف السوريّ، فهذا يعني شيءٌ ما. لكنْ بالنسبةِ لي، لدي ثقةٌ أنّ الحلّ سوريّ وسيبقى كذلك بغضِ النظرِ عن القوى الدّاعمةِ للفئاتِ المختلفةِ، لنْ نتوصلَ لأيّ اتّفاقٍ إلّا بعقدِ مؤتمرٍ وطنيّ جامعٍ للسوريين.
هناكَ شبهُ توافقٍ على أنّ اللجنةِ الدّستوريّةِ عديمةِ الجدوى حالياً، ولا يمكنُ أنْ نجدَ الحلّ الّذي نبحثُ عنهُ في طيّاتِها، وثمّةَ اجماعٌ على أنّنا بحاجةٍ لجهودٍ وطنيّةٍ سوريّةٍ لإيجادِ الحلّ، مع وجودِ تباينٍ بينَ مؤكّدٍ على أنّ الحلّ قد خرجَ منْ أيدي السوريين، والآخرِ مقتنعٍ بأن لحلّ سوريّ-سوريّ.
المحاور: كمحاورٍ للضّيوف أجدُ مِنْ غيرِ الممكنِ اعتبارَ أنّ الوصولَ لحلّ للقضيّةِ السوريّةِ هو حلّ سوريّ-سوريّ بالمطلقِ، كما أرى أنّه مِنْ الخطأ الاعتقادُ أنّ الحلّ أصبحَ بأيادي الدّولِ المتداخلةِ بالمطلقِ أيضاً. لكي نكونَ عقلانيين، بالتّأكيدِ أيّ حلّ مهما كانَ يجب أن يكون بأيادٍ سورية وبحوارات سورية ليمر بمرحلةِ ضمانة دولية، وينتهي بانتخاباتٍ تحتَ إشرافٍ دوليّ، فاليدُ السوريّةُ لوحدها لا تصفّق ولنْ تستطيعَ التصفيقَ، ففي مرحلةٍ معيّنةٍ يجبُ أنْ يتمّ التنسيقُ على المستويين الإقليميّ والدّوليّ مع التّأكّدِ منْ خلّوها من أيّة أجنداتٍ غير سوريّة، فنحنُ نبحثُ عن قرارٍ وسيادةٍ، لا نريدُ أنْ نخرجَ من “تحت الدلف لتحت المزراب” كما هو متداولٌ بالعاميّةِ.
صمتٌ أمريكيّ أمْ موقفٌ أمريكيّ؟
الدكتور وليد تامر: الأمريكان لم يغيبوا عن المشهدِ السوريّ بلْ يتابعون عن كثبٍ، لكنْ نظرتُهمْ الحاليّة تعتمدُ على أنّ هناك قوى متصارعة وبدأتْ علاماتُ التّعبِ تظهرُ عليها، لذا لا بأسَ منَ الانتظارِ (سياسة انتظر وراقب) وهذا لا يعني أنّ الأمريكان ليسوا مهتمين. القرارُ الأمريكيّ للتدخّل بالملفّ السّوريّ لم ينضجْ بعد! تحدّثت عن عبثيّة اجتماعاتِ اللجنةِ الدّستورّيةِ والخلل الواضح في آليّة اتّخاذ القرارات ضمنها، فمثلاً لمْ يكنْ هناك اتفاق على المادّة 117 (صلاحيات مجلس الشعب لعزل الرئيس بسبب الخيانة العظمى) ولو اتّفقوا لما كنّا بحاجةٍ إلى دستورٍ جديدٍ.
الدكتور محمد خير الوزير: في عامِ 2014 التقيتُ مسؤولاً أمريكياً رفيعَ المستوى، وحدّثني أنّ ما يحدثُ في سوريّة ليسَ أولويّة أمريكيّة وأنّ هناك قوى متداخلة ويجبُ الانتظار والتّريّث قبلَ الّتدخلِ. إذن ما هي فائدةُ الدّول الغربيّةِ والقادرةِ على تسهيلِ عقدِ مؤتمراتٍ سوريّة-سوريّة هل هي التّعطيلِ والتّسويفِ؟ لكلّ دولةٍ أو طرفِ نزاعٍ أكان سياسياً أم على الأرض مصلحة ما، ولا يمكنُ أنْ تقدّم تسهيلاتٍ حتّى تضمنَ مصالحَها، والدّول المعيقة غير الدّول المُيسّرة، فسويسرا كدولةٍ محايدةٍ مثلاً حاولتْ التّسهيلَ بقدرِ الإمكانِ. الحلّ معقّد وبحاجةِ فريقٍ يتمتّعُ بالكفاءةِ ليتمكنَ من الوصولِ للحلّ وتنفيذهِ.
الدكتور صلاح وانلي: قّدم كوفي عنان خطّةً ومساراً للحلّ من 6 نقاطٍ، تبدأُ بتشكيلِ هيئةِ حكمٍ انتقالي، ثمّ تعملُ على إعادةِ الأمنِ والثّقةِ بينَ الأطرافِ لتنتهي بنقاطٍ أخرى، لكنْ مع الأسفِ، استخدمَ الرّوسُ والصّينيّون نفوذهم في مجلسِ الأمنِ من أجلِ تعطيلِ مسارِ الحلّ، في الوقتِ الذي كانت تئن حمصُ تحتَ وطأةِ الجوعِ بعد حصار دامَ 600 يومٍ. ويتكررُ سيناريو الخيبات والتي كان آخرها الاجتماع بين بايدن وبوتين والذي لم يأت بجديدٍ للسوريين. بكلّ تأكيدٍ إذا لم يتّفق الكبارُ فمسارُ الحلّ صعبٌ. الروس ليسوا متمسكين بالأسد، بل يتّخذون من سورية ورقةً للتّفاوضِ في ملف أوكرانيا، وروسيا على استعدادٍ للتخلي عن سوريا في حال تمّت إزالةُ العقوبات المفروضة عليها بسببِ أوكرانيا.
المحاور: يبدو جليّاً الاجماعَ على أنّ الموقفَ الأمريكي غائبٌ بعذرٍ، وبرأيي المتواضع أن الصّمتُ الأمريكي هو موقفٌ بحدّ ذاتِه، فكما يقولُ أهلُ الحكمةِ “حين الطلب، عدم الحصول على جواب هو جواب” وجوابُ الأمريكان هو أنّه طالما عائد التدخل في عملية إيجاد الحل السوري هو أقل من الصمتِ فلن ينطقوا بكلمةٍ. لكل دولة متداخلة في السّياسة السوريّة أو موجودة على أراضيها مصلحةٌ ما، ولا أرى سبيلاً لغلبِ هذهِ المصالحِ إلا بتوافق سوري على رؤية وطنيّة يمكن استخدامها كوسيلةِ ضغطٍ في وجهِ أيّ وجودٍ خارجي وفي التأثير في سياسات الدول المتدخلة.
ما هي الرؤية التي تقدمونها؟
الدكتور وليد تامر: على السوريين أن يكونوا جادين في العملِ من أجلِ إيجادِ حلّ وتوافق فيما بينهم، فهناك جهود من المتداخلين من الدول لإعطاء صوت للسوريين ويجب استثمار هذه الجهود. ثمّة خمسُ مراحلَ يجبُ المرورُ بها للوصول إلى حلّ سليمٍ على الشّكل التّالي:
– استقرارٌ سياسيّ لا يمكن الحصولُ عليه أو الوصولُ إليه إلّا من خلالِ هيئةِ حكمٍ انتقالي أو هيئة وطنيّة، يتمّ من خلالها العملُ على الدّستورِ والدّعوةِ لانتخابات، وأيّ تغيير بهذا التّسلسلِ سيؤدّي بنا إلى حلّ مشوّه، ولإيجادِ الحلّ السياسيّ نحن بحاجةٍ لجهودٍ دوليةٍ باعتبار أنّ السوريين غير قادرين على صياغةِ الحل.
– الاستقراُر الأمني، إنّ سورية تخضعُ لعدّة تجاذباتٍ دوليّةٍ فهناك ميليشيات وجيوش من عدة دول، مما يعزز التّفرقة ويدمّر الهويّة الوطنيّة، لذا نحن بحاجة إلى مجلسٍ عسكري سوريّ يضمّ السوريين من جميع الأطياف.
– في ظلّ وجودِ بيئةٍ للحلّ السياسيّ وحارسٍ لها، وأقصدُ الاستقرارَ الأمنيّ، يمكننا الحديث عن الاستقرارِ الاقتصادي. فلا يمكننا الحديث عن الحلّ السياسيّ مع المواطنين من دونِ الحديث عن الاستقرار الاقتصادي، لذا نحن بحاجةٍ إلى رجالِ الأعمال ليكونوا جزءاً من الحل ويساهموا في إعادة إعمار البلاد ودعم استقرار الوضع الأمني والسّياسي.
– لا يمكن الحديث عن النّقاط السّابقة إلّا بالحديث عن العدالة الانتقالية الّتي تضمن للناس الحصول على حقوقها أو جزء كافٍ منها يعمل على تقليص الشّرخ بين السوريين.
– العمل على النقاط المذكورة يساهم في تهيئة بيئة مناسبة للعودة الطّوعية للاجئين حتّى لا يتمّ استغلال الموضوع من بعض الدّول لترحيل اللاجئين، فسيكون هنالك مناخ جديد في البلاد وعلى من يرغب بالعودة أنْ يعود بشكلٍ طوعي وآمن وأؤكّد على طوعي وآمن.
الأستاذ سمير الهواش: طوال العشر سنوات الماضية سافر السوريون إلى الدّول الغربية من أجل إيجاد حل، في حين أنّنا كاتحاد وليس فقط كشخص كان لدينا التصور والنية لعقد مؤتمر وطني سوري–سوري وجامع للسوريين، يتمّ من خلاله طرح حل من السوريين على الدّول المتداخلة، فهذا هو الشّيء الأساسي والمهم. نحن بحاجة هذا التفاهم السّوري-السّوري لتطبيق القرار 2254، إذ أنّ القرار لا ينجح إلّا بموافقة جميع السّوريين.
هل نحن بحاجة لمؤتمر يتواجد فيه ممثلون عن الأديان والطوائف أم أننا بحاجة إلى مؤتمر علماني يفصل الدّين عن الدّولة؟
الدكتور محمد خير الوزير: في هذا السؤال لغم كبير، بالنسبة لشعب معظمه متديّن باختلاف الأديان والطوائف وأقلّيّة قليلة غير متديّنة لا يمكن إلغاء وجود ممثلي الأديان والطّوائف، لكن بالتّأكيد يجب فصل السلطة الدينية عن السلطة السياسية، ومعنى الدعوة إلى المؤتمر الشامل بوجود الفئات الدينية هو عدم إغفال أي فئة من فئات المجتمع، يتواجد الجميع بحقوق متساوية ويعملون معاً على عقد اجتماعي وأسس عيش مشترك لا تفرّق بين المواطنين على أساس عرقي أو طائفي أو ديني أو مذهبي أو سياسي، للجميع الحق في العيش على هذه الأرض. لضمان مشاركة الجميع، يفضّل أنْ يتمّ عقد المؤتمر على مراحل (لجنة تحضيرية، اجتماع أول وثان وثالث تنبثق لجان عمل عن المؤتمر تعمل على التواصل مع الفاعلين في جميع الأرجاء، وفي هذا الحل مشكلة وهي التمويل، لذا يتوجب علينا الحصول على تمويل سوري مستقل عن أي أجندة أخرى، فلا يجب علينا أن نكون مرتهنين للتمويل الخارجي إلّا إذا كان تمويلاً غير مشروط.
الدكتور صلاح وانلي: الرّؤيا المقدّمة هنا هي عقد مؤتمر وطني سوري، ونحن كسوريين وبقرارنا للتوجه نحو عقد مؤتمر سوري–سوري صاحب قرار وسيادة نأمل أن يُعقد في ال 20 و21 من شهر آب 2021 وندعو له كل من لم تتلطخ يديه بالدماء أو الفساد المالي.
يجب أن نحافظ على الفسيفساء السوري العريق والتاريخ الممتد منذ آلاف السنين. نحن بحاجة كافة المكونات السورية لإعادة اللحمة الوطنية وبناء وطن للجميع.
المحاور: خلال أي مفاوضات بين طرفين أو مجموعة أطراف تتم دراسة موازين القوى على الطاولة، من أجل تحديد مساحة التفاوض التي يمكن أن تثمر في إيجاد حل يناسب جميع المتحاورين وهو ما يسمى زوبا ZOPA (Zone of Possible Solution – أو نطاق الحلول الممكنة). بالإضافة إلى ذلك، يوجد ما يسمى بالحلول البديلة والتي هي جواب لسؤال ماذا يحدث إن لم نستطع الخروج باتفاق؟ ما العمل؟ هنا يقوم المتفاوض، مثلاً، بإنهاء المفاوضات الحالية والبدء بغيرها مع أطراف جديدة للحصول على ما يريد. ما أريد قوله هو أن ما يحدد مساحة التفاوض والحلول البديلة هو الطرف الأقوى والذي يمكنه أن يضع شروط مسبقة إلى حد ما، وبالعودة إلى ما تفضل به ضيوفي، أرغب بالتنويه إلى أهمية تحديد الشروط التي بإمكانهم وضعها لبدء أي حل سياسي، فلا أعتقد أن هناك سوريا أخرى على كوكب الأرض أو ليس هنالك شعب سوري بديل يمكن أن ينتظر نتائج رجحان كفة على الأخرى، المرونة مطلوبة من جميع الأطراف وإعادة النظر بالرؤى المطروحة أمر غير معيب أن يحدث عدة مرات حتى يتم الوصول إلى حل متوافق عليه من قبل الجميع.
هل الصمت الغربي الأمريكي والروسي، يعطّل عمل بيدرسون؟ ما هو الحل وهل هنالك دور يذكر لبيدرسن؟
الدكتور وليد تامر: إذا تابع المبعوث الدولي العمل كأسلافه لا يمكننا الحصول على نتائج مغايرة، لذا فإن التغيير وتحقيق النتائج ينبع من تغيير اللجنة الدستورية وآلية اتخاذ القرار فيها؛ ونزع التعطيل الحاصل في اللجنة الدستورية؛ طرح بنود مختلفة وتغيير التركيبة؛ إذا تم تغيير هذه البنود يمكن جذب الاهتمام الغربي ودفعه للتحرك بنفس القدر الذي جلبته الأحداث الأخيرة بين غزة وإسرائيل، دفعت الدبلوماسيين الأمريكيين البقاء في الشرق الأوسط عشرة أيام بعد أن قرروا تركه يستريح من التدخل الأمريكي.
من ناحية أخرى، لوبي منظمات المجتمع المدني: شيء آخر لاحظته بعد اجتماعات بيدرسون مع منظمات المجتمع المدني في أميركا وغيرها، هي المنظمات ذاتها التي ساهمت بإصدار قرارات مثل قيصر وغيرها والتي استطاعت التأثير على الكونغرس الأمريكي، ثمة لوبيّات سورية مدنية بدأت بالظهور كالمجلس السوري الأمريكي والمجلس السوري البريطاني والمجلس السوري اللبناني وغيره في باقي البلدان كروسيا مثلاً والتي يتمتع المجلس السوري فيها بعلاقات رفيعة المستوى في موسكو.
تعاون هذه اللوبيّات فيما بينها لا يعني بالضرورة أنه تم تشكيل جسم سياسي سوري موحد، بقدر ما أن هذا التعاون يمثل شبكات ضغط تستطيع الدفع بالقرار الدولي ليكون قرارا سليما ويطبق بالتزام. أرى أن النافذة التي بدأ السوريين بالتحرك منها هي هذه اللوبيات، وهنالك دور بارز لرجال الأعمال السوريين، لذا يمكننا القول إن غالبية السوريين بالخارج بدأوا بالاتفاق بشكل عام.
أما على الصعيد الداخلي، بعض التيارات السياسية التي كانت ترفض الحديث مع بعضها، بدأت بالتواصل فيما بينها بفضل وجود مناخ جيد للحوار، وشبه توافق على النية لإيجاد حل وتأجيل البت الخلافات إلى المستقبل. بالنهاية، في حال العمل على ما سبق من تغيير اللجنة الدستورية ولوبيات المجتمع المدني والحوار الداخلي، يمكننا إيجاد بصيص أمل، وهذا يتطلب التحرك في هذا الاتجاه من قبل المبعوث الدولي.
هل هنالك دور لبيدرسون في عقد مؤتمر سوري–سوري؟
الأستاذ سمير الهواش: نأمل بأن يعقد المؤتمر بأيادٍ سورية وليس تحت رعاية دولية، ويمكن لبيدرسون والدول الأخرى أن يأتوا كضيوف. لقد رأينا مؤتمرات سابقة قد عقدت برعاية بعض الدول وكانت المخرجات لا تخدم إلا مصالح هذه الدول لا مصالح السوريين. كان من المقرر عقد المؤتمر الوطني في نيسان لكن جائحة كورونا عطلتنا، ونأمل أن يعقد بشهر آب من هذا العام وأن ننجح بإقناع كل الأطراف السورية بأن تحضر هذا المؤتمر، خاصة أننا لسنا ممولين من أي دولة، ونحاول عقد المؤتمر بتمويل شخصي من قبل الأعضاء والحضور فقط، كيلا يتم التدخل من أي دولة في القرارات التي ستنتج عن المؤتمر.
الدكتور محمد خير الوزير: الحل الذي يحرك المياه الراكدة في مكتب بيدرسون: لم ننته من أفكار داخل الصندوق (مؤتمر سوري-سوري جامع) حتى نفكر بحلول من خارج الصندوق! يجب على السوريين العمل سوياً لإيجاد الحل فلن يجدوا المنفذ في الدبابة الأمريكية أو أي مكان آخر. وللحوار فيما بينناـ يجب علينا الاختيار من ثلاث:
– نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه وهذا الوضع الحالي.
– لا نتعاون فيما اتفقنا عليه ويلعن بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه وهذا حال أسوأ.
– نتعاون فيما اتفقنا عليه ونتحاور ونتناقش لنصل إلى أرض مشتركة فيما اختلفنا فيه وهذا الخيار الواجب علينا اتباعه.
تم تحديد موعد لعقد المؤتمر الوطني لاستعادة السيادة والقرار في 20-21 شهر آب هذا العام، هل سنرى دور لبيدرسون وفريقه في عقد هذا المؤتمر أو في توجيه الدعوات للحاضرين؟
الدكتور صلاح وانلي: أولاً الحل بشكل رئيسي هو عقد المؤتمر السوري ودعوة جميع السوريين بمآربهم وأفكارهم طالما لم تتلطخ أيديهم بالدماء أو الفساد المالي، أما عن المؤتمر الوطني لاستعادة السيادة والقرار، فالدعوة موجهة لكل سوري شريف ووطني، والباب مفتوح للجميع للتعبير عن آرائهم.
هنالك أيضاً لجنة حقوقية ستعمل على مراقبة الاقتراحات وسيكون المؤتمر على مستوى عالِ، وهذا المؤتمر سيد نفسه، وهو من سيقرر سياسة واتجاه العمل وليس لجنته التحضيرية، فنحن نرسل الدعوات فقط، وسنعمل على المخرجات سوياً مع جميع الأعضاء.
ستوجه دعوة لبيدرسون وغيره من السفراء الموجودين في جنيف سواء من ممثلي للجامعة العربية أو الاتحاد الأوربي أو دول بحد ذاتها لحضور افتتاح المؤتمر. كذلك سنسعى إلى أن يكون هناك حل لما يحدث في الشمال الشرقي وانفصال المكون الكردي، وسيحضر المكون الكردي في المؤتمر وسيكون هنالك صوت لهذا المكون وغيره من المكونات، كما حافظنا على تمثيل المحافظات أما بالنسبة للقرار، فنحن السوريين أصحاب القرار، ليس بيدرسون، ليس السفير الأمريكي وليس السفير الروسي، ولا أي أحد آخر. ونقطة أخرى مهمة، هذا المؤتمر هو مؤتمر سوري وممول من أشخاص سوريين، ورفضنا أي تمويل خارجي من أي دولة عربية كانت أم غربية.
المحاور: دور بيدرسون كما شرحه الضيوف لا يتعدى الحضور والإشراف على إنجاز أية خارطة طريق تنسجم مع القرارات الأممية، فالنية هي الوصول إلى توافق سوري-سوري بأيادٍ سورية دون أي تدخل خارجي. أعتقد أنه الحديث عن دعوة الأطراف الدولية لحضور الافتتاح يتماشى مع ما ذكرته سابقاً عن وجوب التنسيق مع القوى الإقليمية والدولية لكن حصراً بعد حدوث الحوار السوري. من ناحية أخرى، شخصياً أؤمن بقوة منظمات المجتمع المدني حين تجتمع، لكن لا أعتقد أن اتباع سياسة إبادة نصف سكان الكرة الأرضية ليعيش النصف الآخر بسلام هي سياسة مناسبة لهذه المنظمات وأن القدرة على التأثير على القرار الغربي ومسار الحل هي مسؤولية وليست فقط قدرة خارقة يمكن استخدامها دون الآخذ بالاعتبار التأثيرات على جميع السوريين داخل سوريا وخارجها. أخيرا وليس آخرا، ما يمكن أن نستخلصه من هذه السلسة هو أن الحل يبدأ بأيادي سورية بحتة تفرض ما يناسب السوريين على المجتمع الدولي وتنسق معه لتبدأ التحرك على مسار الحل، وتضع رؤية وطنية شاملة وعادلة لكافة مكونات الشعب السوري تلهم بها جماعات الضغط السورية وتشكل أساس مشترك تُستنبط منه أفكار وآليات حل النزاعات للوصول إلى توافق بنّاء ومفيد للجميع.
مرفق
المادة 117 رئيس الجمهورية غير مسؤول عن الأعمال التي يقوم بها في مباشرة مهامه إلا في حالة الخيانة العظمى، ويكون طلب اتهامه بقرار من مجلس الشعب بتصويت علني وبأغلبية ثلثي أعضاء المجلس بجلسة خاصة سرية، وذلك بناء على اقتراح ثلث أعضاء المجلس على الأقل وتجري محاكمته أمام المحكمة الدستورية العليا.
المحاور: أعتقد أنه بمجلس الشعب الحالي لا يمكننا التعويل على تطبيق هذه المادة فإن تشابه آراء أعضاء مجلس الشعب مع آراء الحكومة مضحك، ويشبه من يدخل إصبعين من أصابع يده في كوب ماء ليعرف حرارته إيامناً منه بأن رأيين أفضل من رأي واحد! بالحقيقة أجل، رأيين أفضل من رأي واحد، لكن يجب توافر تنوع الآراء بالأساس!
مراجع: