من الموجع القول أن التقدم الحاصل في وسائل حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة في العصر الحديث لم تكن في مستوى التوحش المتصاعد المرافق للتطور الرهيب الذي وصلت إليه الأسلحة المستعملة أثناء العمليات العدائية وتعدد الأساليب التي يستعملها أطراف النزاع لترحيل وإبعاد المدنيين من مراكز سكناهم.
ما هو الهدف الأساسي من عمليات تهجير السكان من مناطق سكناهم إلى مناطق أخرى؟
كيف يتم اختيار المناطق الخاضعة للتهجير؟
إلى أين يتم ترحيل المشمولين بالتهجير؟
أليست هذه الممارسات في صلب المفهوم الأممي للتطهير الذي كان للأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية والمنظمات الحقوقية والإنسانية موقف الإدانة القاطعة كما حصل في المحاكم الجنائية الخاصة في يوغسلافيا السابقة ورواندا، مثلا لا حصرا، حيث سيق المتهمون إلى العدالة الدولية لارتكابهم جرائم جسيمة لنيل جزائهم العادل.التهجير القسري، وفق موسوعة “الإمعان في حقوق الإنسان” هو حركة غير طوعية أو قسرية لشخص أو أشخاص بعيدًا عن منطقة سكناهم، داخل أو خارج البلد الذي ينتمون إليه، ناتجة عن مجموعة متنوعة من الأسباب الخارجية بما في ذلك الكوارث الطبيعية، والعنف، والتطهير العرقي، وغيرها من عمليات الاضطهاد. وهي تشمل القحط والمجاعات، الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة، الإبعاد، نزوح السكان، مما يضطر السكان إلى الانتقال إلى منطقة إلى أخرى أو الفرار إليه تجنبا لخطر داهم على حق الحياة والحرية. يمكن الإشارة إلى الشخص أو الأشخاص الذين يتعرضون للتشريد القسري، من بين أمور أخرى، على النحو التالي: «المهاجر القسري»، و«النازح/النازحون»، أو إذا كان داخل البلد نفسه، «الشخص/الأشخاص النازحون داخليًا». في حين يمكن اعتبار بعض النازحين لاجئين، فإن المصطلحات تشير تحديدًا إلى الأشخاص النازحين الذين يتلقون حماية محددة قانونًا معترف بها من قبل الدول و/أو المنظمات الدولية. وتلخص قراءة اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي بجملة موجزة باعتباره: “ممارسة تنفذها حكومات أو قوى شبه عسكرية أو مجموعات متعصبة تجاه مجموعات عرقية أو دينية أو مذهبية بهدف إخلاء أراضٍ معينة وإحلال مجاميع سكانية أخرى بدلا عنها.” من الضروري في التوثيق والتحقيق والنضال من أجل المحاسبة وجبر الضرر في قضايا التهجير القسري، كما يركز الحقوقي العراقي عادل عامر: “من الضروري التمييز بين مفهومين مختلفين من الناحية القانونية وإن التقيا من حيث النتيجة، الأول هو التهجير القسرى الذي يعرّفه القانون الدولي الإنساني بأنه “الإخلاء القسرى وغير القانوني لمجموعة من الأفراد والسكان من الأرض التي يقيمون عليها” وهو ممارسة مرتبطة بالتطهير وإجراء تقوم به الحكومات أو المجموعات المتعصبة أو قوات احتلال تجاه مجموعة عرقية أو دينية معينة وأحيانا ضد مجموعات عديدة بهدف إخلاء أراضٍ معينة لنخبة بديلة أو فئة معينة، وتعتبر المواد (2)، (7)، (8) من نظام روما الأساسي، التهجير القسرى جريمة حرب. أما الثاني فهو النزوح الإرادي أو الاضطراري لتجمعات سكانية تنتمي لمكونات مختلفة، من مدينة أو منطقة أو مناطق سكناها إلى مناطق أكثر أمنا، نتيجة شعور عام بوجود خطر مباشر على الجميع”.
تندرج عمليات التهجير القسري في مدينة القدس منذ حزيران/يونيو 1967 في إطار التطهير القائم على أسس دينية وقومية، وكذلك عمليات التهجير القسري للشعب الفلسطيني منذ قيام دولة إسرائيل في 1948. وهو يندرج ضمن جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وفق القانون الجنائي الدولي والقانون الدولي الإنساني. يمكن أيضا، كما ينوه الدكتور نزار السامرائي، رصد حال التهجير القسري للسنة العراقيين المستمر منذ بداية الاحتلال الأمريكي عام 2003 وبلغ درجات عالية من الفعالية من شباط 2006، بهدف إخراجهم من مناطقهم. كذلك نشهد حالة آسيوية واضحة في ميانمار حيث وقعت جريمة التهجير القسري بحق مجموعات كبيرة من الروهينغا المسلمين واستوجبت هذه المأساة فتح تحقيق من المحكمة الجنائية الدولية.
لعل الحالة السورية تعطي أمثلة غير مسبوقة في المنطقة سواء من حيث آليات وأشكال الإبعاد التي رافقت النزاعات المسلحة، ومن حيث تعدد مرتكبي هذه الجرائم، التواطؤ الإقليمي والدولي لتمرير العديد منها في صيغة توافقات، وجود مشاريع جيو سياسية تعتبر التهجير القسري جزءا حيويا لتحقيق أهداف محددة في بالمعنى العسكري والسياسي في مواجهة مشاريع تعتبر عدائية، الحقد الأعمى تجاه جماعة سكانية لدوافع مذهبية أو إثنية…
تقول الباحثة السورية وردة الياسين: “شارك في عمليات تهجير الشعب السوري القسري كل أطراف النزاع تقريباً في سوريا، واتخذ التهجير القسري في سوريا أشكال عدة، ممنهج وغير ممنهج، جماعي وفردي، وتحول في حالات عدة إلى أداة استخدمتها الأطراف المتنازعة في سوريا كوسيلة لفرض السيطرة العسكرية، والسياسية، والإيديولوجية. ويعد التهجير القسري الجماعي بواسطة باصات التهجير، والذي تم في عدد من مناطق ومحافظات سوريا نتيجة لما سمي باتفاقيات التهجير والإخلاء، تهجير ممنهج نتج عنه إبعاد عشرات الألاف من السوريات/ين عن منازلهن/م ومناطقهن/م الأصلية. وقد شهد ريف دمشق ولاسيما الغوطة الشرقية أكبر عمليات للتهجير القسري ابتـداءً مـن (نيسـان 2017 وحتـى آذار 2018) ضمن اتفاقيات أبرمت بين فصائل المعارضة وقوات النظام السوري تحت إشراف روسي، تم من خلالها تهجير ما يزيد على 190 ألف مدني وعسكري (من الفصائل المسلحة) ممن رفضوا عقد تسويات مع النظام السوري، من مناطق ريف دمشق إلى مناطق الشمال السوري الخارجة عن سيطرة النظام”.
يحظى النزوح القسري في الوقت الحالي باهتمام بالغ في المناقشات الدولية الحقوقية والمدنية وصنع السياسات، وهو ما يرجع جزئيًا إلى زيادة سهولة السفر، وزيادة النقاش حول وسائل الحماية الدولية لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وزيادة النظر في آثار الهجرة القسرية على المناطق الأخرى. وتواصل مختلف المنظمات الدولية، والإقليمية، والمحلية، غير الحكومية منها وبين الحكومية، العمل على تطوير وتنفيذ مناهج لمنع وتخفيف تأثير الهجرة القسرية على مناطق المنشأ والمقصد على حد سواء. بالإضافة إلى ذلك تتضافر بعض الجهود الحقوقية إلى تحديد وسائل وأشكال الملاحقة القضائية لأولئك الذين يتسببون في الهجرة القسرية. خاصة وأن هذه الظاهرة تشمل نحو 60 مليون شخص مشردين قسريًا منذ بداية القرن الحادي والعشرين، وغالبية ضحاياها من بلدان الجنوب. ووفقا لمنظمة اليونسكو، يعتبر النزاع المسلح السبب الأكثر شيوعًا وراء النزوح القسري، وتعززه الدراسات الإقليمية التي تشير إلى الصراع السياسي والمسلح باعتباره أكبر العوامل التي تسببت في تدفقات المهاجرين من أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا.
من المؤسف أن أكثر حالات التهجير القسري في العقد الثاني من هذا القرن بشاعة في الكم والنوع، الحالة السورية، لا تنال حقها، لأسباب سياسية يتدخل بها تعدد مراكز القوى و”حكومات الأمر الواقع” والبلدان المتورطة وحسابات الدول ذات النفوذ في الملف السوري وتورط هذه الأطراف في ارتكاب هذه الجريمة في مناطق نفوذها وتواجدها. وكون قسم هام من المنظمات العاملة حول هذا الملف يخضع لقواعد تمويل أو سماح بالعمل من قبل دول طرف في ارتكاب هذه الجريمة، تغيب الرؤيا الموضوعية الشاملة عن هذا الملف ويجرم كل طرف الآخر، معتبرا ما يقوم به من تهجير مشروع وما يفعله الآخر جريمة حرب. الإعلام والمنظمات العاملة في الدوحة لا تتحدث إلا عن “جرائم بشار الأسد وحلفائه”، المنظمات السورية تحت المظلة التركية لا تقول كلمة عن جرائم التهجير القسري في عفرين، الإعلام الموالي للنظام وحلفائه لم يسمع بعد بالتهجير القسري لمئات آلاف السوريين بعد عشر سنوات من المأساة، الائتلاف السوري يرفض التعرض لأية حالة تمس مموليه إلخ.
تعد سوريا أكبر بلد مصدّر للاجئين حول العالم، إذ يتجاوز عدد اللاجئين السوريين الستة ملايين لاجئ، وفقًا لإحصائيات “منظمة الهجرة الدولية” في تقريرها عن الهجرة الدولية لعام 2020 الذي أصدرته، في 27 من تشرين الثاني 2019، كما يوجد في سوريا أعلى عدد من النازحين داخليًا، وفقًا لذات التقرير، إذ بلغ 6.1 مليون نازح.
أودت اتفاقات “التهجير القسري” في سوريا الحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من 7 سنوات بحياة مئات الآلاف وشردت نصف الشعب السوري داخل وخارج وطنه.
وتمثل عملية تهجير السكان من منطقة ما داخل سوريا، آخر مرحلة، بعد حملة عنيفة من القصف والحصار والقتال تشنها القوات النظامية والميليشات الداعمة لها، ليصبح الخيار الوحيد أمام السكان هو الرضوخ لعملية التهجير إلى منطقة أخرى، وهو ما أدى إلى تغيير في التركيبة السكانية السورية على مدار الحرب.
- تركزت نتائج اتفاقات التهجير، التي جرت في معظمها برعاية روسية، وشاركت فيها أطراف أخرى مثل إيران وتركيا وقطر، على نقل السكان من المناطق التي تحاصرها قوات النظام السوري، إلى محافظة إدلب في الشمال السوري، والتي باتت منطقة تجمع الرافضين للتسويات من فصائل عسكرية ومنظمات إرهابية (هتش وحراس الدين والجيش الاسلامي التركستاني..) بكلمة مختصرة: بؤرة سكانية انفجارية. ومن مهازل الدهر أن يجري التوافق بين الطرف الإيراني والتركي على عدم طرح هذا الملف في اجتماعات الأستانة تواطئا لعدم فتح ملف الموالين لإيران من غير السوريين الذين يمنحون الجنسية السورية بوسائل غير قانونية وبين الإيغور الذين احتلوا قرى علوية في الشمال السوري.
- بدأت أولى اتفاقات التهجير القسري تحت رعاية أطراف دولية، في مايو عام 2014 في مدينة حمص القديمة، فيما عرف وقتها باتفاقية “هدنة حمص”، بإشراف من إيران حليفة النظام السوري والأمم المتحدة. وبموجب الاتفاقية، خرج المسلحين المعارضين وأسرهم و3 آلاف من المدنيين من المدينة التي تسكنها أغلبية سنية، وانتقلوا إلى ريف حمص الشمالي.
- في 27 أغسطس 2016، بدأ تهجير سكان مدينة داريا بالكامل بعد اتفاق بين المعارضة والنظام السوري، وانتقال المسلحين وأسرهم إلى محافظة إدلب في الشمال السوري بينما نقل المدنيون إلى مراكز إيواء في ريف دمشق. تبع ذلك، خروج أهالي بلدتي قدسيا والهامة عبر اتفاق تسوية تم على إثره تهجير ألفي شخص بعد حصار شديد، إلى إدلب.
- في 19 أكتوبر 2016، بدأت عملية تهجير ثلاثة آلاف شخص من معضمية الشام، بناء على اتفاق تسوية، أعقبها اتفاق آخر في ذات الشهر على تهجير أهالي خان الشيخ، غربي دمشق، الذي قدر عددهم بأكثر من 5 آلاف شخص إلى إدلب.
- استقبلت إدلب ألفي شخص آخر تم تهجيرهم في ديسمبر 2016 من مدينة التل بريف دمشق.- بعد حملة عسكرية عنيفة شارك فيها سلاح الجو الروسي وميليشيات إيرانية، وحصار خانق على الأحياء الشرقية في مدينة حلب، تم التوصل لاتفاق بخروج 45 ألف مقاتل ومدني من شرقي حلب إلى ريف إدلب.
- أدى حصار دام 40 يوما تحت القصف إلى اتفاق لتهجير سكان وادي بردى، ليخرج أكثر من ألفي شخص إلى إدلب.
- توالت اتفاقات التهجير القسري لتشمل أحياء دمشق الشرقية، في 8 مايو 2017، حيث خرج معارضون ومدنيون من حي برزة، أعقب ذلك اتفاق لخروج أهالي القابون وحي تشرين، ليصل مجموع المهجرين 7 آلاف مدني وعسكري.
- نامر، الكتيبة، خربة غزالة، الشيخ مسكين، عتمان: هي خمس قرى وبلدات في محافظة درعا تم تهجير سكانها بالكامل على دفعات إثر معارك عنيفة أفضت إلى إحكام القوات الحكومية سيطرتها عليها، وإلى دمار واسع في أبنيتها وبنيتها التحتية (2017).
- برعاية روسية، توصل النظام والمعارضة إلى اتفاق لخروج مسلحين ومن رغب من المدنيين في حي الوعر في مدينة حمص في مارس 2017، لتنتهي العملية في مايو بخروج 25 ألف مدني أي ما يمثل نصف سكان الحي.
- في فبراير 2018 عرفت البلاد اتفاقيات الغوطة الشرقية، وبدأت بحرستا ومن ثم انتقلت إلى زملكا وعربين وانتهت بدوما وقد تمت برعاية روسية مع كل من جيش الإسلام وفيلق الرحمن وجبهة النصرة وقضت بتوجههم نحو إدلب وجرابلس.
- في مايو 2018 أبرم اتفاق بين النظام ومسلحي داعش في مناطق جنوبي دمشق شمل الحجر الأسود والتضامن ومخيم اليرموك.
- في يوليو 2018، أبرم اتفاق شمل مناطق بريف درعا الشرقي وعقد بين ممثلين عن الفصائل والجيش الروسي وقضى بتوجه الرافضين لاتفاق التسوية مع عائلاتهم نحو إدلب.
- في 11 أبريل 2017، توصلت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) وممثلون عن الحرس الثوري الإيراني في الدوحة، إلى اتفاق يقضي بخروج المسلحين من بلدة مضايا ومدينة الزبداني في ريف دمشق، إضافة إلى من يرغب من السكان المدنيين، مقابل فك الحصار عن بلدتي كفريا والفوعة المواليتين للنظام بريف إدلب الشمالي، فيما عرف بـ “اتفاق المدن الأربع”، بعد انضمام مخيم اليرموك في جنوب دمشق إلى الاتفاق. ونصت الاتفاقية على خروج مسلحي النصرة من المخيم مقابل إخلاء سبيل 1500 معتقل لدى نظام الأسد، أغلبهم من النساء.
- استكملت الصفقة في 18 يوليو 2018، بخروج آخر المقاتلين والمدنيين من بلدتي الفوعة وكفريا التي كانتا تحت حصار المسلحين، فيما أطلق النظام سراح 700 شخص من سجونه لكنه، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، لم يلتزم بقائمة المعتقلين الذين طلب المسلحون إطلاق سراحهم. أعقب ذلك اتفاق يقضي بمغادرة المقاتلين الرافضين للتسوية من محافظة القنيطرة على حدود الجولان المحتل إلى محافظة إدلب أو القبول بحكم الدولة.
- وصل عدد النازحين نتيجة الحملات العسكرية الخمس التي شنها النظام وروسيا على منطقة “خفض التصعيد” في شمال غربي سوريا، منذ اتفاق “سوتشي” الموقّع في روسيا بشهر أيلول من عام 2018 حتى 31 من كانون الثاني الماضي، إلى مليون و695 ألفًا و500 نازح.
- نزح أكثر من 50 ألف من أهالي تل رفعت شمال حلب في شباط 2016، بسبب عملية عسكرية أدت إلى سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” على “تل رفعت ” المدعومة حينها بغطاء جوي روسي.
- ضمن التغيير الديموغرافي في سورية فإن أكثر من 100 عائلة من التركستان والأوزبك تستوطن في 3 قرى “علوية” بريف جسر الشغور(**).
- يعمل فريقنا على رصد حالات الإجلاء القسري من منطقة الست زينب ومحيطها وحلول مجموعات عراقية وغير عربية في هذه المناطق مع تأكيدات بمنح الجنسية السورية بطرق غير قانونية لعدد كبير منهم.
منطقة عفرين بين التهجير القسري والتوطين:
منذ انطلاق ما يعرف بعملية “غصن الزيتون” للقوات المسلحة التركية والفصائل الموالية لها، ومسلسل الأزمات الإنسانية والانتهاكات والفلتان الأمني يتفاقم شيئًا فشيئًا. فلا يكاد يمر يوماً بدون انتهاك أو استهداف أو تفجير وما إلى ذلك من حوادث، إلا أن الحدث اللافت والأبرز يبقى دائماً عملية “التغيير الديمغرافي” الممنهجة التي تقوم بها الحكومة التركية والفصائل السورية الموالية لها في عفرين وريفها، فبعد التهجير القسري لأكثر من نصف سكانها، تحاول تهجير من تبقى منهم وإحداث تغيير ديمغرافي بعد أن رعى الأتراك اتفاقيات أفضت إلى تهجير سوريين من مناطقهم وجلبهم إلى عفرين. بالنسبة للحكومة التركية، ضرب عفرين يعني إعدام مشروع وحدات حماية الشعب و”تف دم” وحزب الاتحاد الديمقراطي بإقامة ثلاثة كانتونات شمال سوريا. وهي تعتبر ذلك في إطار الأمن القومي للدولة التركية. وليس بالإمكان القيام بذلك، حسب تصريح مسؤول بارز في المخابرات العسكرية التركية MIT إلا “بالتغيير الجذري للبنية السكانية لشمال غربي سوريا عبر التهجير وإعادة التوطين”. ورغم أن السلطات التركية تسمي الأمور بأسمائها، فإن الفصائل السياسية والعسكرية السورية الموالية لها ترفض الحديث عن أي تهجير قسري أو توطين لمهجرين قسرا من الداخل السوري، وقد وقف عرابيها في رئاسة اللجنة التفاوضية ضد أية إدانة لجريمة الحرب الموصوفة والموثقة بشكل يومي من أهم المنظمات الحقوقية المستقلة.
تتألف منطقة العملية العسكرية التركية التي أطلق عليها اسم “غصن الزيتون”، من مدينة عفرين وسبع نواحي (مركز عفرين، جنديرس، شيه/شيخ الحديد، مابتا/معبطلي، راجو، بلبل، شرّا/شرَّان)، وأكثر من /360/ قرية وبلدة وحوالي 40 مزرعة، ولغاية نهاية عام 2017، كان تعداد سكانها ما يقارب نحو 700 ألف نسمة، منهم من هاجر هجرة داخلية وخارجية بحثاً عن فرص عمل.
ومنذ بدء العملية العسكرية التركية “غصن الزيتون” شهدت المنطقة حركة نزوح كبيرة، بدايةً من القرى نحو مركز عفرين ومن ثم إلى خارجها، فتسبب الهجوم والسيطرة بتهجيرٍ قسري لأكثر من 300 ألف نسمة، عاد منهم خلال السنوات الماضية حوالي 25 ألف، أي هناك -275 ألف- مهجر الآن، مشرَّدين في مناطق النزوح الواقعة تحت سيطرة قوات النظام والقوات الكردية نذكر منها: (بعض قرى جبل ليلون، بلدات نبل والزهراء وديرجمال وتلرفعت، وقرى وبلدات الشهباء…)- شمال حلب، ومنهم من فرّ إلى مدينة حلب ومناطق عين العرب (كوباني) ومناطق نفوذ الإدارة الذاتية شرق الفرات.
كما أُغلقت قرى بأكملها أمام عودة أهاليها إما لاتخاذها قواعد عسكرية أو لاستحلالها من قبل الفصائل الموالية لأنقرة ونذكر منها (جلبر، كوبله، ديرمشمش، زريكات، باسلِه، خالتا” – روباريا، “چيا، درويش”- راجو، “قسطل جندو، بافلون، بعرافا”- شرَّا، “حفتار، شيخورزيه”- بلبل…)، لاسيما وأن النزوح أو التهجير إن صح التعبير متواصل على قدم وساق من المنطقة مستمر بسبب سياسة الضغط على المدنيين من قبل الفصائل لدفعهم إلى الخروج من مناطقهم بأشكال وأساليب متعددة.
يُقدر عدد المتبقين من أهالي عفرين داخل المنطقة حالياً بحوالي /150/ ألف نسمة، أغلبهم من الفئات العمرية الكبيرة، إذ تقل نسبة الشباب بسبب هروب أغلبهم من التعديات والظروف القاسية.
وتستمر الاعتقالات التعسفية وحالات الاختطاف والقتل والمضايقات والضغوط ضد الكُـرد المتبقين ويتواصل تقييد حركتهم وضرب مقومات حياتهم والاستعلاء عليهم، لدفعهم نحو الهجرة وترك الديار والممتلكات.
عمليات التوطين:
تم توطين أكثر من /270/ ألف نسمة من عوائل عناصر الفصائل الموالية لأنقرة والمهجرين والنازحين من أرياف دمشق وحماة وحمص وإدلب وغرب حلب، وفق صفقات بين تركيا وروسيا، ضمن منازل وممتلكات أهالي منطقة عفرين المستولى عليها عنوةً وفي مخيمات أنشأت قرب (مدينة عفرين، قرية محمدية- جنديرس، قرية آفراز- معبطلي، بلدة راجو، بلدة بلبل، قرية كفرجنة، قرية ديرصوان…) وأخرى عشوائية.
ومؤخراً باشرت القوات التركية والفصائل بالعمل على بناء /7/ قرى نموذجية بغية توطين القادمين من باقي المحافظات فيها في إطار التغيير الديمغرافي، بالاعتماد على منظمات بها، وعبر مؤسسة “إدارة الكوارث والطوارئ التركية- AFAD”، ودول خليجية، وهي تقع في (جنوبي قرية “شاديرِه”- شيروا، جبل “شيخ محمد” شمالي بلدة كفرصفرة- جنديرس، جبل “شوتي- – طريق جبل قازقلي شمالي بلدة كفرصفرة- جنديرس، موقع “ليجه” بين قريتي “قرمتلق و جقلا تحتاني”- شيه/شيخ الحديد، قرب المستوصف في بلدة شيه/شيخ الحديد، موقعٍ جبلي قرب قرية “حج حسنا”- جنديرس، قرب قرية “خالتا”- شيروا).
فيما يلي ما وثقه المرصد السوري لحقوق الإنسان، من إحصائيات التوطين في بعض القرى والبلدات والمدن:
– كان في مركز مدينة عفرين أكثر من /100/ ألف نسمة سكّان أصليين، وبعد السيطرة التركية بقي منهم حوالي /30/ ألف نسمة، وتم توطين حوالي /74/ ألف نسمة من المستقدمين.
– مركز ناحية جنديرس مؤلف من حوالي /5/ آلاف منزل، وكان فيه حوالي /20/ ألف نسمة سكّان أصليين وبقي منهم حوالي /10/ آلاف نسمة، وتم توطين حوالي /17/ ألف نسمة.
– مركز ناحية شيه/شيخ الحديد مؤلف من حوالي /1200/ منزل، وكان فيه حوالي /4800/ نسمة سكّان أصليين وبقي منهم حوالي /2500/ نسمة، وتم توطين حوالي /5/ آلاف نسمة.
– مركز ناحية مابتا/معبطلي مؤلف من حوالي /1200/ منزل، وكان فيه حوالي /4800/ نسمة سكّان أصليين وبقي منهم حوالي ألفي نسمة، وتم توطين /6500/ نسمة.
– مركز ناحية راجو مؤلف من حوالي /1500/ منزل، وكان فيه حوالي /6/ آلاف نسمة سكّان أصليين وبقي منهم حوالي /1200/ نسمة، وتم توطين حوالي /6500/ نسمة من المستقدمين.
– مركز ناحية بلبل مؤلف من حوالي /750/ منزل، وكان فيه /3/ آلاف نسمة سكّان أصليين وبقي منهم حوالي /220/ نسمة، وتم توطين حوالي /2750/ نسمة.
– مركز ناحية شرّا/شرّان مؤلف من حوالي /400/ منزل، كان فيه حوالي /1600/ نسمة سكّان أصليين وبقي منهم حوالي /400/ نسمة، وتم توطين حوالي /1100/ نسمة.
– بلدة جلمة مؤلفة من حوالي /1200/ منزل، كان فيه حوالي /4800/ نسمة سكّان أصليين وبقي منهم حوالي /2500/ نسمة، وتم توطين حوالي /8/ آلاف نسمة.
– بلدة ميدان أكبس مؤلفة من حوالي /450/ منزل، كان فيه حوالي /1800/ سكّان أصليين وبقي منهم حوالي /500/ نسمة، وتم توطين حوالي ألف نسمة.
– قرية ديرصوان مؤلفة من حوالي /450/ منزل، وكان فيها حوالي /1800/ سكّان أصليين وبقي منهم حوالي /500/ نسمة، وتم توطين حوالي ألف نسمة.
– قرية إسكا مؤلفة من حوالي /310/ منازل، كان فيها حوالي /1250/ نسمة سكّان أصليين وبقي منهم حوالي /400/ نسمة، وتم توطين 800 نسمة.
– بلدة كفرصفرة مؤلفة من حوالي /1200/ منزل، كان فيها حوالي /4800/ نسمة سكّان أصليين وبقي منهم حوالي /1300/ نسمة، وتم توطين حوالي ألف نسمة من المستقدمين.
– قرية تل سلور مؤلفة من حوالي /80/ منزل، كان فيها حوالي /320/ نسمة سكّان أصليين وبقي منهم حوالي مئتي نسمة، وتم توطين حوالي مئتي نسمة.
– قرية عربا، مؤلفة من حوالي /345/ منزل، كان فيها حوالي /1400/ نسمة سكّان أصليين وبقي منهم حوالي /800/ نسمة، وتم توطين حوالي /400/ نسمة.
– قرية قيبار مؤلفة من حوالي /300/ منزل، كان فيها حوالي /1200/ سكّان أصليين وبقي منهم حوالي /570/ نسمة، وتم توطين حوالي /350/ نسمة.
– قرية باسوطة مؤلفة من حوالي /800/ منزل، كان فيها حوالي /3200/ نسمة سكّان أصليين وبقي منهم حوالي /1800/ نسمة، وتم توطين حوالي /1300/ نسمة.
– قرية برج عبدالو مؤلفة من حوالي /200/ منزل، كان فيها حوالي /800/ نسمة سكّان أصليين وبقي منهم حوالي /150/ نسمة، وتم توطين حوالي /300/ نسمة.
– قرية شنگيلِه مؤلفة من حوالي /120/ منزل، كان فيها حوالي /480/ نسمة سكّان أصليين وبقي منهم حوالي /150/ نسمة، وتم توطين حوالي /400/ نسمة.
– قرية بافلون الإيزيدية مؤلفة من حوالي /80/ منزل، كان فيها حوالي/250/ نسمة سكّان أصليين ولم يبقى منهم أحداً، وتم توطين حوالي /750/ نسمة من المستقدمين.
– قرية چقماق كبير مؤلفة من حوالي /300/ منزل، كان فيها حوالي /120/ نسمة سكّان أصليين وبقي منهم حوالي /280/ نسمة، وتم توطين حوالي 1500 نسمة.
– قرية قوݒيْ مؤلفة من حوالي /122/ منزل، كان فيها حوالي /500/ نسمة سكّان أصليين وبقي منهم حوالي /130/ نسمة، وتم توطين حوالي /550/ نسمة.
– قرية فقيرا الإيزيدية مؤلفة من حوالي /110/ منزل، كان فيها حوالي /440/ نسمة سكّان أصليين وبقي منهم حوالي /130/ نسمة، وتم توطين حوالي /325/ نسمة.
– قرية قده مؤلفة من حوالي /250/ منزل، كان فيها حوالي ألف نسمة سكّان أصليين وبقي منهم حوالي /240/ نسمة، وتم توطين حوالي /650/ نسمة.
– قرية آغجله مؤلفة من حوالي /120/ منزل، كان فيها حوالي /480/ نسمة سكّان أصليين وبقي منهم حوالي /300/ نسمة، وتم توطين /300/ نسمة.
– قرية زركا مؤلفة من حوالي /60/ منزل، كان فيها حوالي /250/ نسمة سكّان أصليين وبقي منهم حوالي /120/ نسمة، وقرية جوبانا المجاورة مؤلفة من حوالي /50/ منزل، كان فيها حوالي /200/ نسمة سكّان أصليين وبقي منهم /60/ نسمة، وتم توطين حوالي /500/ نسمة في القريتين.
– قرية حسيه/ميركان مؤلفة من حوالي /300/ منزل، كان فيها حوالي /1200/ نسمة سكّان أصليين وبقي منهم حوالي /700/ نسمة، وتم توطين حوالي /250/ نسمة.
– قرية آشكان شرقي مؤلفة من حوالي /100/ منزل، كان فيها حوالي /400/ نسمة سكّان أصليين وبقي منهم حوالي مئة نسمة، وتم توطين حوالي /3/ آلاف نسمة فيها وفي مخيم بجوارها.
– قرية كوبلك مؤلفة من حوالي /55/ منزل، كان فيها حوالي /220/ نسمة سكّان أصليين وبقي منهم حوالي /75/ نسمة، وتم توطين حوالي /400/ نسمة.
– قرية دُمليا مؤلفة من حوالي /280/ منزل، كان فيها حوالي /1120/ نسمة سكّان أصليين وبقي منهم حوالي /350/ نسمة، وتم توطين حوالي ألف نسمة.
- وصل عدد النازحين نتيجة الحملات العسكرية الخمس التي شنها النظام وروسيا على منطقة “خفض التصعيد” في شمال غربي سوريا، منذ اتفاق “سوتشي” الموقّع في روسيا بشهر أيلول من عام 2018 حتى 31 من كانون الثاني الماضي، إلى مليون و695 ألفًا و500 نازح.
من الضروري التوضيح أن هذه الدراسة تقديم لتقرير موسع وموثق نقوم بالإعداد له، لذا فالأمثلة الواردة فيه ليست حصرية وكاملة، بل تتناول بعض الحالات الهامة للتهجير القسري في سوريا، ومن واجب القانونيين والحقوقيين السوريين مدنا بكل ما يجعل من التقرير طور الإعداد قويا وفاعلا في فتح ملفات المحاسبة لكل الأطراف المسؤولة والمتورطة أو التي اعتبرت موضوع التهجير القسري جزءا من سياساتها وأمنها الخاص.
إمكانيات المحاسبة والعودة وجبر الضرر بين القانون والسياسة
أثناء استجوابنا لعشرات السوريين والسوريات من ضحايا التهجير القسري، كان السؤال يتكرر من الضحايا: هل هناك أمل في عودتنا لبيوتنا؟ هل هناك حالات عاد فيها المهجرون إلى مناطقهم؟ هل ما حل بنا نهائي وعلينا التأقلم مع أوضاعنا الجديدة ؟؟ هل يمكن مقاضاة المجرمين والمسؤولين عما حل بنا أم كالعادة هي جريمة دون عقاب؟ وكانت إجابتنا دائما تتلخص بجملة صغيرة: “لا يضيع حق وراءه طالب”.
ما من أدنى شك، في أن جريمة التهجير القسري والتغيير الديمغرافي اليوم لم تعد خارج إطار المقاضاة والمحاسبة في معظم القوانين الوطنية والعرف الدولي والقانون الدولي الإنساني والمحكمة الجنائية الدولية والمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان. إلا أن هذه الطرق سالكة عندما يكون التعامل مع هذا الملف بشكل قانوني محترف خارج التسييس والانتقائية والتهرب من المسؤولية العامة. إن معظم التقارير الحقوقية التي تقدم من منظمات “تحت الطلب” لا تتعدى في فعلها وتأثيرها خبرا صحفيا في وسائل إعلام تشاركها التحالفات والعداوات. لم يعد بالإمكان إخفاء الجرائم الجسيمة ولم يعد في كوكبنا ملاذ آمن لمرتكبيها. ولكن الفارق بين بناء قلعة الدفاع عن الضحايا والعمل العسكري لدولة أو ميليشيا، هو أن النضال المدني الحقوقي يحتاج إلى روح المتابعة والعمل دون كلل وبمنهجية عقلانية مستقلة القرار والنضال. ولعل المنظمات الحقوقية السورية لم تبلغ بعد سن الرشد هذا. فجميعنا يتذكر الحملات الإعلامية التي شنها الإسلاميون من سوريين وغير سوريين والتي تعبئ الرأي العام ضد “نظام يقتل الأطفال ويغتصب النساء”. هذه الحملات كان لها أثرا عمليا واحدا: جعل سوريا قبلة الجهاديين التكفيريين من كل دول العالم. فللأسف لم يتم القيام بأي توثيق موازٍ للاعتداءات الجنسية التي قامت بها الأجهزة الأمنية، وكم طالبت لجان التحقيق المستقلة والأممية من دفع لهم مساعدات مالية كبيرة بتوثيق حالات هذه الاعتداءات، خاصة وقد صدر من مجلس الأمن قرارات تجعلها موضوع محاسبة في الدول الأعضاء في الأمم المتحدة خارج نطاق المحكمة الجنائية الدولية. ولعل في نضال النساء الإيزيديات من أجل جبر الضرر والمحاسبة فيما تعرضن له من اغتصاب وسبي من قبل داعش، ما يظهر الفارق بين الأداء الحقوقي المحدود لمنظمات سورية ومبادرات نسوية عراقية حققت نتائج هامة ليس فقط في الملاحقة والمحاسبة، وإنما أيضا في صون الضحايا وإعادة تأهيل ما يمكن منهن.
لا تختلف خريطة الطريق في المحاسبة وجبر الضرر في جريمة التهجير القسري عنها في أي انتهاك جسيم وجماعي لحقوق الإنسان. إن بناء الحجة القانونية الموثقة عبر التوثيق الأمين وجمع الشهادات والأدلة على وقوع الجريمة واكتمال أركانها والتأكد أيضا من استهداف واسع النطاق للسكان المدنيين من أولى شروط تثبيت الوصف كجريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية. وفي هذا المسار، لا يوجد أبناء ست وأبناء جارية، حليف أو عدو في الميدان، بلد صديق وبلد عدو، فالأمانة والمصداقية من أهم شروط تفعيل الملف القضائي الجنائي.
التهجير القسري جريمة حرب في كل الدول السامية الموقعة على اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الملحقة بها. كذلك الدول التي تقر الاختصاص الجنائي العالمي Universal Jurisdiction في تشريعاتها، والمحكمة الجنائية الدولية (فيما يتعلق بالضحايا على الأراضي الأردنية لتوقيع الأردن على ميثاق روما)(*) أو لمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان باعتبار تركيا دولة عضو في مجلس أوربا. بانتظار تصديق أول حكومة انتقالية في سوريا على ميثاق روما وانتساب سوريا للمحكمة الجنائية الدولية.
—————–
*) تعرّف اتفاقيات جنيف الأربع المؤرخة في 12 أغسطس/آب 1949 والبروتوكولان الملحقان بها لعام 1977 جرائم الحرب بأنها الانتهاكات الجسيمة للقواعد الموضوعة إذا تعلق الأمر بالتهجير القسري، فالمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 حظرت النقل القسري الجماعي أو الفردي للأشخاص أو نفيهم من مناطق سكناهم إلى أراضٍ أخرى، إلا في حال أن يكون هذا في صالحهم بهدف تجنيبهم مخاطر النزاعات المسلحة.
كما أن المادة (7/1 د) من نظام روما الإنساني للمحكمة الجنائية الدولية، تجرم عمليات الترحيل أو النقل القسري، حيث تنص على أن “إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان، متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، يشكل جريمة ضد الإنسانية”. وبموجب المواد 2 و7 و8 من نظام روما الأساسي، فإن “الإبعاد أو النقل غير المشروعين” يشكلان جريمة حرب، وتعتبر المادة المتعلقة بحظر نقل السكان من مناطقهم جزءً من القانون الدولي الإنساني العرفي.
**) نشر المرصد السوري لحقوق الإنسان خبرا حول هذا الموضوع في 8 حزيران/يونيو 2021 جاء فيه:
“سنوات مضت وعائلات “التركستان” لا تزال مستوطنة في مناطق عدة من محافظة إدلب، منذ قدومهم أواخر العام 2013 من الأراضي التركية، واستقرارهم في المناطق الحدودية مع تركيا في أرياف اللاذقية وإدلب ومناطق ضمن محافظة حلب. و”التركستان” هم مقاتلون من المسلمين الإيغور، جهاديون قدموا من موطنهم في الصين، وأعلنوا عن تشكيل الحزب الإسلامي التركستاني في سورية بقيادة (عبد الحق التركستاني) في أواخر عام 2014.
بدعم من “جبهة النصرة” وزعيمها الجولاني الذي منحهم قرى كاملة كان يسكنها أبناء الطائفة العلوية، ولمع اسم “الحزب الإسلامي التركستاني” بعد معركة جسر الشغور.
وتعد قرى قرى “الزنبقي والحسينية “شندريش” والطيبة ” كترين” في ريف إدلب الغربي، من أهم تلك القرى التي لا تزال مستعمرات للمقاتلين الآسيويين والتركستان، وتتبع هذه القرى إداريًا لمدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، وتعد قرية الطيبة “كترين” الأكثر تواجدًا للعائلات المستوطنة من التركستان وأوروبا الشرقية، حيث تسكن القرية أكثر من 50 عائلة جلهم من الإيغور المسلمين، بما يعادل 200 نسمة، من بين هؤلاء نحو 70 طفلًا، معظمهم ولد في سورية أي منذ مايقارب الـ6 سنوات، وينشؤون دون تلقي التعليم في المدارس، ويفضلون الذهاب إلى معهد شرعي لتحفيظ “القرآن”، بينما ينخرط الفتيان ضمن الفصائل و”الحزب الإسلامي التركستاني”.
وافتتح التركسان محال تجارية في القرية لسد حاجة العائلات المقيمة، كما يربي بعض هؤلاء الحيوانات والطيور لغرض التجارة وتحقيق الربح.
ويقدر عدد سكان قرية كترين من أبناء الطائفة العلوية قبل نزوحهم نحو 350 نسمة، وتشتهر القرية بزراعة الزيتون والحمضيات، حيث يقدر عدد الأشجار المثمرة ما يزيد عن 30 ألف شجرة.
ووفقًا لمصادر المرصد السوري، فإن معظم العائلات نزحت إلى محافظات اللاذقية وحلب وحمص ودمشق، للإلتحاق بوظائفهم العسكرية والمدنية، وذلك بعد تشكيل الفصائل المسلحة واقترابهم من القرية.
أما في قرية الزنبقي قرب مدينة دركوش الحدودية مع لواء إسكندرون، التي نزح منها أهلها مع خروج قوات النظام من مدينة دركوش في أكتوبر أواخر العام 2012، حيث كان يقدر عددهم نحو 250 نسمة، واستوطن بديلًا عنهم مقاتلين من التركستان والأوزبك الذين يقدر عددهم بنحو 30 عائلة ما يقارب120 نسمة.
و ينتمي معظم أهالي الزنبقي إلى الطائفة العلوية، يمتلكون مساحات من الأراضي الزراعية، وتشتهر القرية بأشجار الرمان والحمضيات و”الجنريك”، حيث أصبحت عائداتها الزراعية تذهب لصالح هيئة تحرير الشام والمقاتلين الأجانب.
ويتخذ عناصر الأوزبك والتركستان من قرية الحسينية “شندريش” قرب قرية الشغور، مقرات لهم، لقربها من معسكراتهم في الساحل وسهل الغاب.
كما يسكنها حاليًا نحو 25 عائلة نحو 100 نسمة، بينما كان عدد سكانها قبل نزوحهم أكثر من 200 نسمة من أبناء الطائفة العلوية.
وتحدث الشاب (د.م) من مدينة دركوش في ريف إدلب الغربي لـ”المرصد السوري” قائلاً: إن القرى باتت اليوم مختلفة تمامًا، فمن يدخلها يعتقدها قرى صينية وليست سورية، فهم يستولون عليها وكأنها موطنهم الأصلي، و يمارسون الأعمال التجارية والزراعة وتربية المواشي.
وتحدث ( م.أ ) وهو ناشط من ريف إدلب الغربي لـ”المرصد السوري” قائلاً: أنه وبعد توطين عائلات التركسان بدأوا بشكل تدريجي بالاستيلاء على هذه القرى وممتلكات سكانها الأصليين، حتى أصبحت محرمة على السوريين، وهذا يعد تغييرًا ديموغرافيًا ساهمت به فصائل المعارضة المسلحة وتحرير الشام، ولم يكن بإرادة أو قبول المدنيين في ريف إدلب الغربي الذين رفضوا خروج أهالي هذه القرى منها.
ويشير الناشط الحقوقي (ج.م) إلى أن جميع المنازل والمساحات الزراعية بما فيها الأشجار المثمرة، والمحلات التجارية، يتم استخدامها والانتفاع بها لصالح عناصر التركستان وعائلاتهم، إضافة إلى هيئة تحرير الشام.”.
————————
هذا البحث جزء من تقرير قانوني مفصل تحت الإعداد. تقوم به لجنة الدراسات في مؤتمر القاهرة بالتعاون مع المرصد السوري لحقوق الإنسان وملتقى حوران للمواطنة ومبادرة “دراسات سورية” والمعهد الاسكندنافي لحقوق الإنسان.