اللواء الركن محمد الحاج علي
مقدمـــة:
كانت مصيبة سورية الكبرى أن الجيش قد استولى على السياسية بعيد الاستقلال بقليل، حيث شهدت سورية سلسلة من الانقلابات العسكرية ابتدأت منذ 1949، وكان آخرها انقلاب حافظ أسد في تشرين الثاني 1970، حيث رسخ ديكتاتورية عسكرية تعتمد ما يسمى بجيش عقائدي وجهاز أمني وعسكرة للمجتمع، مما ألحق أكبر الأذى بنمو سورية ومجتمعها ومواطنيها على مدى خمسة عقود، ومنذ عام 2011 كان ذلك الجيش وأجهزة الأمن أداة النخبة الحاكمة، التي يقف على رأسها بشار الأسد في تدمير سورية ومجتمعها، محدثاً واحدة من أكبر كوارث القرن الحادي والعشرين ما بعد الحرب العالمية الثانية.
جيش كبير غايته حماية النظام وليس الدفاع عن البلاد، حيث وقف عاجزًا عن مواجهة اعتداءات اسرائيل المستمرة،
انهزم أمام اسرائيل في كافة المواجهات، في 1967 و1973 ، وفي لبنان 1982 واحتفظ ويحتفظ بحق الرد على اعتداءات إسرائيل المستمرة التي استباحت وتستبيح سماء سورية وبخاصة منذ 2011، في موقف عاجز وجبان، ولم يمتلك ذاك الجيش الجرأة الا في مواجهة متظاهرين سلميين، واجههم بالرصاص منفذَا أوامر قياداته.
فالجيش والأجهزة الأمنية كمؤسستين عمل عليهما النظام السوري لأكثر من خمسة عقود، وهندسهما وفقا لإرادته، حتى أصبحتا القوة القادرة والساهرة على حمايته وضمان استمرارية سلطته، وتكريس استبداده وفساده، كما أصبحت سورية في عهد الأسد الأب رائدة في مجال عسكرة الدولة والمجتمع، بحيث ربط المجتمع بالسلطة من خلالهما، لقد كانتا مؤسستا الجيش والأجهزة الامنية بتركيبتهما المعقدة، المسؤولتين عن عملية توريث السلطة اللاشرعية من الأب إلى الابن دون أحداث تذكر.
مع وصول الابن للسلطة، لم تحدث تغييرات مهمة على صعيد تأليه القائد واستفراده في قيادة الدولة والمجتمع، كما أن تركيبة الجيش والأجهزة الأمنية لم تشهد أية متغيرات مهمة، بل زاد نفوذ المقربين من السلطة سواء في الجيش أو الأجهزة الأمنية والشبيحة المرتبطة بها، وفي ظل انعدام القيم الانسانية وغياب الهوية الوطنية، أصبح هؤلاء عمالقة الفساد والمحسوبية، وزادوا من تمسكهم وارتباطهم بالسلطة، كما ازدادت الشريحة الاجتماعية المرتبطة بالفساد، لذلك كله أصبح من غير الممكن إحداث تغييرات بنيوية في هياكل السلطة الحاكمة، والوصول إلى دولة ديمقراطية تعددية عصرية، دون القيام بإجراء إصلاحات جذرية في هاتين المؤسستين، وإخضاعهما للمعايير الدولية في بنية وتنظيم ومهام الجيوش، التي تعنى بمهمة الدفاع عن الوطن وحمايته أرضا وشعبا، وليس الدفاع عن الحاكم وتكريس سلطته.
استطاع الاسد الاب أن يتحكم بالجيش بعد إجراء عمليات تطهير للضباط المختلفين معه فكرياً، منذ توليه منصب وزارة الدفاع عام /1966/، واعتمد على مجموعة من الضباط المقربين في تولي المناصب الحساسة والمؤثرة، حيث كان هؤلاء على استعداد تام لتنفيذ ما كان يخطط له في الاستيلاء على السلطة، وبناء نظام رئاسي مطلق مستدام له ولعائلته من بعده، ومع جلوس الأسد الأب على كرسي الحكم، كان يدرك تماما عدم شرعية نظامه لأنه استولى على السلطة من خلال انقلاب بواسطة المؤسسة العسكرية والأمنية، كما كان يستشعر خطر المؤسستين على حكمه، لذا لم يكتف بضمان ولاء ضباط الجيش، إنما عمد الى تشكيل شبكة معقدة من الأجهزة الأمنية التي امتدت أذرعها وسلطاتها المباشرة إلى جميع مناحي الحياة في سورية، بما في ذلك الجيش نفسه، كما تم تكييف الجيش وتحديد مهامه، بحيث يستحيل على أية مجموعة من الضباط أن تشكل خطرا حقيقياً على الرئيس ونظام حكمه.
وإذا أمعنا النظر في مجريات الأحداث، يمكننا الجزم بأن حافظ الاسد مستعينا بخبرات خارجية ومحلية استطاع، أن يدفع كافة المؤسسات العسكرية والامنية والمدنية للعمل الأمني بعقلية التنافس فيما بينها لإظهار الولاء، وعبر نظام مركزي يرتبط بمكتب رئيس الجمهورية الذي كان يتابع يوميا عن كثب مئات التقارير الامنية، هكذا دخلت سورية حقبة جديدة من النظام السياسي الديكتاتوري-العسكري الذي يعتمد مبدأ عبادة الفرد.
لقد أطلت في هذه المقدمة، لكي أوضح خطورة ان يستلم العسكر شؤون الدولة، وأن تكون مهمة الجيش حماية الحاكم وليس حماية الوطن والمواطن.
لتناول موضوع المجلس العسكري الذي كثرت تساؤلات السوريين عنه، وشغل قطاعات واسعة من الشعب السوري هذه الفترة، من دعوات لتشكيل مجلس عسكري وفرص نجاحه، وهل هناك توجه لدى بعض الدول المتحكمة بالشأن السوري لتشكيله، حيث لا نعرف شيء عن هذا المجلس إلا اسمه، ولم يظهر علينا أصحاب هذه الدعوة ليشرحوا لنا ماهية هذا المجلس، وهل سيتشكل من الضباط المنشقين فقط، أو هو مشترك مع ضباط النظام وجماعة قسد، وماهي غايات هذا المجلس وأهدافه ومدة سلطته، وهل سيكون صاحب السلطة السياسية والعسكرية في سورية، أم سيكون تحت سلطة سياسية، ومن هي هذه السلطة وكيفية تركيبتها إن وجدت، أم هو شعار طرح خلبيا على وسائط التواصل الاجتماعي لجمع الضباط في غرفة واحدة على الواتس أو غيره من وسائط التواصل، هذا ما سنناقشه بموضوعية ودون تحيز
إن فكرة تشكيل مجلس عسكري سوري صعدت للأضواء بعد وصول (اللجنة الدستورية وهيئة التفاوض) إلى طريق مسدود، وبعد تخبيصات مؤتمرات استانه وغيرها، وفقدان الثقة بمؤسسات الثورة السورية (الائتلاف والحكومة المؤقتة)، بالتأكيد هي فكرة ليست خاطئة في طرحها بعد كل هذا الفشل، إلا أن المشكلة تكمن في محاولات التجريب بعد فشل المسار السياسي، فلنجرب المجال العسكري، والمشكلة اننا نتعامل مع الأفكار والمسارات وكأن كلاً منها منفصلا عن الاخر، وبطرد أفكار المسارات الأخرى، مع أن الأفكار والمسارات كلها يجب أن تتعايش معًا، بل وتتكامل أيضا.
إن غياب هذا المسار كل المدة الماضية والتي تقترب من العشر سنوات يشير فعلًا إلى وجود مشكلة، أو إلى عدم جدية الدول في إيجاد حل للوضع السوري، وبحكم تجربتي الشخصية ومن خلال تواصلي مع ممثلي الدول منذ منتصف عام 2012، وقفت الدول حائلا أمام تشكيل مجلس عسكري وجيش وطني يضاف اليهم وقوف الكثير من السوريين ضد تشكيل مؤسسة عسكرية منظمة ومنضبطة وواضحة الأهداف والانتماء، طبعا لكل منهم غاياته والجميع سواء أكانوا دولا أو تنظيمات، ساعد على منطق الفصائلية ودعمها في الوقت الذي تم ابعاد الضباط عن العمل العسكري التي هي مهنتهم واختصاصهم ووضعوهم في مخيمات وبقي العمل المسلح يقوده المدنيين بغض النظر عن مؤهلاتهم ومستوى وعيهم، وكم من الأخطاء والقرارات التي اتخذوها والتي أودت بحياة الالاف ممن حملوا السلاح في وجه نظام الأسد، وذهبت دمائهم هدرا نتيجة هذه القرارات، نتيجة غياب مؤسسة عسكرية منظمة مهنية ومنضبطة تحقيق اهداف الثورة، يقودها ضباط أكفاء مؤهلين كل منهم يعمل باختصاصه، لكن للأسف ذهب العمل المسلح باتجاهات أخرى وهذه هي النتيجة التي هي أمامنا، بعد عشر سنوات من المعاناة والقتل والتدمير وصلنا الى الطريق المسدود، وأصبحت الفصائل تعمل تحت أمرة من يدفع ومن يتحكم فيها خدمة لمصالحه، حتى وصلنا الى مرحلة استخدامهم كمرتزقة، لا أريد أن أطيل في ذلك لأنكم تعرفون الواقع
والآن وبعد كل هذا الواقع المرير والكارثة التي حلت بالسوريين، تذكّر البعض أن هناك ضباطا لابد من الاستثمار بهم، واعتقد أننا تأخرنا كثيرا في ذلك، وفرص النجاح قد تكون شبه معدومة، لكن لا يمنعنا ذلك من فعل الصحيح حتى لو كان متأخرا، والآن أتساءل وانا كضابط منشق مع كل السوريين عن أسئلة لا زالت غير معلومة لي، وأتمنى أن يتم الإجابة عليها ممن يروجون لهذا المجلس حتى نقف وبقوة لإنجاز هذه المهمة.
السؤال الذي له الأولوية في الاستفسار من سيشكل هذا المجلس؟ بالتأكيد وبشكل منطقي وموضوعي لابد من التوافق بين الأطراف الدولية والإقليمية والسورية المتحكمة في الشأن السوري على هذا المجلس، وفي حال تم التوافق على الأسماء التي ستتولى المسؤولية في هذا المجلس ربما لا نجد إلا قلة من الأسماء التي ستحظى بالتوافق، وقد تكون غير مؤثرة أو فاعلة في أداء دورها، وإذا ما وضع شرط عدم ارتكاب جرائم وفساد في شخوص أعضاء المجلس ستضيق الدائرة علينا أكثر
- – ما هو المجلس العسكري الواجب تشكيله والمناسب للحالة السورية القائمة وتعقيداتها؟
- -هل هناك موافقة دولية من الدول المتدخلة في الشأن السوري على تشكيل هذا المجلس وهل سيلبي مصالحها ويتوافق مع استراتيجيتها؟
- -إذا كانت الدول المحتلة كلها أو بعضها موافقة على انشاء هذا المجلس كمخلص للسوريين وقادرة على فرضه، لما لا تعمل هذه الدول على إقامة هيئة حكم انتقالي حسب قرارات الأمم المتحدة؟
- – هل لدى هذا المجلس من قوة عسكرية في الداخل السوري يمكن الاستناد اليها والاعتماد عليها لفرض وجود هذا المجلس بشكل عملي وواقعي؟
- – ثم ماهي وظيفة هذا المجلس هل سيحكم البلاد ام سيكون مرؤوسا لهيئة حكم انتقالي، ام سيكون تحت سلطة الأسد كأداة لإعادة تدويره من منظور جديد؟
- – ماهي الضمانات أو الآليات التي تحدد إمكانية إعادة السلطة إلى الهيئات المدنية في حال تسلم العسكر للسلطة، أم سنبدأ دكتاتورية من نوع جديد خاصة أننا ادمنا عبادة الأشخاص؟
- – ما هو موقف راس النظام من هذا المجلس، وهل يقبل بالتخلي عن أهم عنصر من عناصر بقائه ويسلم الجيش والأجهزة الأمنية إلى مجلس عسكري الا في حال كان مسيطرا عليه، أو تحت ضغط دولي لا يزال غائبا حتى الان؟
- – ثم إذا كانت نسبة الضباط في جيش النظام وأجهزته الأمنية أصبحت أكثر من 95% من طائفة واحدة، وتعدادهم بعشرات الالاف مقابل بضع مئات من الضباط المنشقين، كيف يمكن أن يضمن السوريين انتقال للسلطة السياسية في ظل هذا الجيش الذي حمى النظام من السقوط ودمر الوطن وقتل مئات آلاف السوريين وهجر عشرة ملايين من السكان