بيان مشترك سياسي حقوقي مدني
شئنا أم أبينا، فإن المدى الذي يبلغه النقاش السياسي في الحالة السورية، محمّل بميراث خمسين عاما من الانتخابات الصورية، جرى خلالها إفراغ كلمة “الانتخابات” من شكلها ومضمونها، وتحولت في الوعي الجماعي إلى إحدى الوسائل الكاريكاتورية لتجميل السلطة التسلطية الجاثمة على رؤوس الناس. خاصة وأن الممارسات الأمنية التسلطية قد خنقت كل إرادة شعبية حتى في المؤسسات الحزبية التي اعتمدت عليها أو سمحت بها، الأمر الذي أدى إلى نشر ثقافة التسلط عند القامع والمقموع.
ليس لدينا كبير وهم، في أن نسبة هامة من المجتمع السوري في الدواخل الأربعة (مناطق سيطرة الحكومة، مناطق سيطرة قسد شرقي الفرات، ومناطق تقاسم السيطرة بين الفصائل الجهادية والفصائل الموالية لتركيا شمال غربي سوريا)، لم تخرج بعد، لا من ثقافة الخوف ولا رهاب “التغيير عبر الصندوق”. وما زالت التعبئة في الميليشيات والوحدات الخاصة في الجيش تقوم على عبادة القائد وتربط مصير الوطن باستمرارية منظومة الأمن القمعية. لم تتعرض الأجهزة الأمنية لنزيف كبير وبقيت خلال سنوات الدم والرصاص جاثمة على رؤوس العباد. وقد توسعت فئة شبيحة الإعلام والقلم وهي تمارس إرهابا حقيقيا على كل من يحاول النقد ولو سبق نقده بتحية القائد وبطولات الجيش. الأمر الذي غيّب أي حوار عقلاني في صفوف تعبير “الموالاة”، وجعل النفاق وسيلة وحيدة للحماية الذاتية لأصحابه. فإن كانت حالة الطوارئ قد عززت إيديولوجيات الطوارئ طيلة خمسة عقود، فإن حالة الحرب قد نصّبت سماسرة الحرب وأمراء الحرب وتجار الدم وأخلاقيات الحقد والثأر فوق كل قيم إنسانية.
هذا إذا لم نتوقف عند قوى الثورة المضادة التي سيطرت في لحظة ما على أكثر من 40 بالمئة من الأراضي السورية. هذه القوى التي اعتبرت الديمقراطية شرك وحاكمية الشعب كفر صراح.
لقد تأمل الشعب السوري خيرا في إجماع دول العالم على القرار 2254. وقد أوضح هذا القرار أن أية انتخابات لا يمكن إلا أن تنظم وفق دستور جديد يتوافق عليه السوريين. وقد جاء في المادة الرابعة منه:
“ يعرب مجلس الأمن عن دعمه، في هذا الصدد، لعملية سياسية بقيادة سورية تيسرها الأمم المتحدة ويعرب كذلك عن دعمه لانتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملا بالدستور الجديد، في غضون 18 شهرا تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يستجيب لمتطلبات الحوكمة وأعلى المعايير الدولية من حيث الشفافية والمساءلة، وتشمل جميع السوريين الذين تحق لهم المشاركة، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في المهجر، على النحو المنصوص عليه في بيان الفريق الدولي المؤرخ 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2015؛” وتقيم، في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، حكما ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، وتحدد جدولا زمنيا وعملية لصياغة دستور جديد،
إلا أن السلطة الدكتاتورية عطلت مفاوضات جنيف وماطلت في عمل اللجنة الدستورية وتهربت من استحقاقات الحل السياسي وفق القرار الأممي. وهي تنظم اليوم الانتخابات الرئاسية من جانب واحد وفي قطاع يكاد لا يغطي نصف السوريين.
بهذه المسرحية، توجه السلطات السورية خنجرا لصدر الحل السياسي الذي يعتمد تطبيق القرارات الأممية، وهي تتحدى بعنجهيتها وعسفها، ليس فقط المجتمع السوري، بل والمجتمع الدولي بأكمله.
ماذا تعني الانتخابات، أية انتخابات في سوريا بعد صدور القرار 2254؟ تعني ببساطة أن السلطات السورية لا تعترف على القرارات الأممية وتضرب بها عرض الحائط وأن مرجعيتها ما زالت دستور 2012، وليس القرار 2254.
لقد أعربت مختلف القوى السياسية المعارضة وجميع منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية عن رفضها هذا الدستور. ووصفت القرار الخاص به قرارا أحادي الجانب من قبل السلطة الحاكمة، ووصفت آليات إعداد الدستور الجديد بالفوقية، فقد تمت إجراءات صياغته بأوامر من السلطة التنفيذية، وقد عجّ الدستور بالمواقف الكيدية بحق كل من عارض السلطة السياسية الأمنية، عبر “دسترة” حرمانهم من الحقوق المدنية والسياسية اللهم إلا حق البعض في التصويت والانتخاب. وقد جرى الاستفتاء عليه في ظروف غير ديمقراطية.
– صحيح أن دستور 2012 ألغى قيادة حزب البعث للدولة والمجتمع، إلا أنه استبدلها بحكومة الحاكم الأوحد الذي يتحكم بالقانون ولا يخضع له، ويمسك بكل الأمور، وتعلو إرادته المنفردة إرادات كل القوى السياسية والمدنية في المجتمع.
– يحرم الدستور صراحة كل من نفي طوعا أو كرها، واضطرته القرارات القمعية للنظام في الخمسين عاما الماضية، وحاول الحصول على جنسية تضمن وضعا قانونيا لأسرته في بلد اللجوء، من أي حق في الترشح أو تولي كل من المناصب والمهمات التالية: منصب رئيس الجمهورية أو نائبه أو رئيس مجلس النواب أو نوابه أو الوزراء أو عضوية مجلس الشعب أو عضوية المحكمة الدستورية العليا. (المادة 152). ماذا تعني هذه المادة: تعني دسترة حرمان 90 بالمئة من معارضات الخارج، من أي منصب تنفيذي أو قضائي هام، أو انتخاب للسلطة التشريعية.
– يحرم الدستور صراحة من لم يكن مقيما في سوريا لمدة لا تقل عن عشر سنوات إقامة دائمة متصلة عند تقديم طلب الترشيح لانتخابات رئيس الجمهورية (المادة 84). ويشمل ذلك ضمنا وعلنا، كل مناضل سياسي انشق أو غادر البلاد بعد حملات الاعتقال والملاحقة بحق كل المناضلين السلميين الذين كان خيارهم بين الاغتيال (كما حدث مع جهاد شلهوب ومعن العودات وغياث مطر…) والاعتقال (كما حدث مع عبد العزيز الخير وإياس عياش وماهر طحان ورجاء الناصر وآلاف المعتقلين والمفقودين). ويشمل الحرمان “كل متزوج من غير سورية”، عربية كانت أم فنزويلية؟ (المادة 84).
– وكأن كل هذه الضمانات في استئصال الشخصيات المعارضة لا تكفي، أضافت المادة نفسها شرطا تعجيزيا آخر: لا يقبل الترشيح لرئاسة الجمهورية، إلا إذا كان طالب الترشيح حاصلا على تأييد خطي لترشيحه من خمسة وثلاثين عضوا على الأقل من أعضاء مجلس الشعب. ولا يجوز لعضو مجلس الشعب أن يمنح تأييده إلا لمرشح واحد.
كيف يمكن مع هكذا دستور تنظيم انتخابات حرة ونزيهة؟ إن الانتخابات التي تجري اليوم تغيب عنها جملة الضمانات الدستورية والقانونية السائدة في دول تحترم الحد الأدنى من نزاهة انتخاباتها: فلا يوجد في سوريا هيئة وطنية مستقلة عليا للانتخابات، وما زال القانون الانتخابي من أكثر القوانين تخلفا وتسلطا في العالم، ومازالت البيئة التي تنظم فيها الانتخابات معادية لحقوق وحريات السوريين والسوريات الأساسية. كيف يمكن الحديث عن انتخابات دون رفع يد الأجهزة الأمنية عن الحريات والحقوق الأساسية للمواطن. وتحديد عمل الأجهزة الأمنية في احترام الدستور وأمن المواطن وسلامته، وعدم تدخل المؤسسة العسكرية في الشؤون السياسية؟
إننا نعتبر “المسرحية الانتخابية” مهزلة جديدة من مهازل نظام قمعي مات في القلوب والعقول، ونعتبر السكوت عنها أو مباركتها من دول محددة، تكذيبا لادعاءات هذه الدول بأنها حريصة على تطبيق القرارات الدولية وفي مقدمتها القرار 2254.
بهذه المسرحية وبدونها، لم يعد لهذه السلطة أية شرعية سياسية، لقد أعطاها المجتمع الدولي فرصة لتكون شريكا في عملية انتقال سياسي جدير بالتسمية، إلا أنها تتمترس في كوابيس الماضي ورفضها لأية مشاركة للسوريين في رسم معالم مستقبلهم. وبقدر ما تستمر في إجراءتها الأحادية والفوقية، فهي لا تهدد فقط تطبيق قرارات مجلس الأمن، بل وحدة الأراضي السورية.
أولى التواقيع:
اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني السوري لاستعادة السيادة والقرار
لجنة مؤتمر القاهرة
ميثاق سوريا الوطني (تحت التأسيس)
تيار قمح
ملتقى حوران للمواطنة
المؤتمر الوطني الديمقراطي السوري
المرصد السوري لحقوق الإنسان
الشبكة السورية لانتخابات حرة ونزيهة
التيار الوطني السوري في الداخل
حزب سوريا أولا
مجلس دمشق الوطني
السيدات والسادة: حسين دك، علي عيد، محمد الخالد، مصطفى كاخيا، تامبي قاسم، محمود العثمان، محمد عبد الحميد رزوق، إبراهيم مسلم، صلاح وانلي، جلال يماني، محي الدين الحبوش، أسامة الآغي، سمير الهواش، ناصر الزايد، عيسى إبراهيم، موفق حب ال، أكرم مشهور، عارف خياط، وديد سلبود، يونس كنهوش، فايز عمرو، عبد الكريم آغا، حسن تركماني، مينرفا الباروكي