على أرض الواقع
كثير من الأسباب كانت حائلاً دون الإدراك ولم نعرف قبل العام 2011 شيئاً جوهرياً عن العهدين الدوليين لحقوق الإنسان وعن الحراك العالمي في مجال حقوق المرأة ولم نسمع عن سيداو ولم نعلم بوجود قرار مجلس الأمن 1325. لا خجل في ذلك فنحن لم نكن حالات خاصة بل أفرأد من فئة الأغلبية! أغلبية المواطنين أو أغلبية الناخبين أو أغلبية المُضللين أو المُستغلين أو مسلوبي الإرادة..لا فرق، المهم أنها اغلبية في مجتمع يحكمه سلطة سياسية متجذرة أرست دعائمها على نفوذ الدين وسطوة الأجهزة الأمنية وقبل المجتمع الدولي التعامل معها بشروطها غاضاَ الطرف عن الانتهاكات والتقصير ومن ذلك قضايا المرأة.
لم يساعد المرأة السورية تعليمها العالي ولا الاستقلال الاقتصادي ولا المكانة الاجتماعية ولا النشاط الشخصي لتطوير الذات على الاعتراف بمدى القمع المجتمعي الممارس عليها ولا على ملامسة مفاصل احتياجها لتحصيل حقوقها دستورياً وقانونياً، وفي أغلب الأحوال كانت المرأة تغلق فم المرأة حرصاً على “السكون”. وفي حين كان يتم إخراس وتكميم الأغلبية اقتصر الأمر “للمشاغبات” على رغبة واحتجاج ومحاكمة بين مستويات الأنا حول المظالم والإساءات المرتكبة بحق النساء باسم القانون، وحول عدم قدرة المرأة على تولي المناصب السياسية الرفيعة، وحول انتقاص شهادتها على العقود، وحول ضعف وجودها في الحكومات السورية المتعاقبة، وحول تشويه السمعة المرافق للبارزات وصاحبات القرار و”المتمردات”..
ومع تفجر الأحداث الوطنية 2011 وزلزلة وضع السكون وتكشف الحقائق بدأت مسيرة جديدة من البحث الواعي عن سُبل تمكين الحقوق وتحديد المسؤوليات والواجبات ومحاولات المشاركة بصنع الحدث، إلا أن المرأة لم تنجُ على مدار 10 سنوات نضالية من المنظومة الفكرية الذكورية وتم اقصاؤها أو استغلالها وتكريس نشاطها وظهورها من قِبل الأشكال السياسية المتصدرة ولخدمة أجندات لا تقارب حقوق النساء فعلياً بل تمعن في الانتهاك.. ولم يختلف الأمر مع المجتمع الدولي بتقبل الوضع على حاله ولم يعر اهتماماً فعلياً لدعم جهود الناشطات والإصغاء لمطالبهن المحقة بفرض وجود المرأة في مراكز صنع القرار وأهمية هذا الوجود.
يكتفي السياسيون السوريون اليوم بإلقاء اللوم على ندرة المشاركة النسائية ولا يعترفون بالإقصاء الذي يقومون بممارسته ضد المرأة طوال مسيرتها النضالية، بينما تكتفي الأمم المتحدة للمرأة بمحاولات عقد مؤتمرات وإطلاق مبادرات محدودة التمثيل والتأثير ولا تخلو من التسييس، وأما المبعوث الدولي (الحالي والسابق) للملف السوري مكتف بمجلس نسائي استشاري اقتصرت فعاليته على فرض نسبة 30% للجهات المدنية في اللجنة الدستورية مع “تطنيش” تبعية بعضهن سياسياً بالإضافة غلى غرفة مجتمع مدني تتكرر فيها الوجوه ويتدنى التمثيل الفعلي. ومن جهة ثانية قدمت منظمات دولية كبيرة دعماً مادياً هائلاً لدعم مشاريع مدنية يتعلق جزء منها بتوعية المرأة وتمكينها ولم تحقق نتائج واضحة بسبب بعدها عن تقدير الاحتياج المحلي الفعلي وضحالة البيانات والإحصائيات ومدى الوصول للنساء وعدم إجراء تقييم شفاف لجدوى الإنفاق.
من الملاحظ مؤخراً محاولات تصويب المسارات وترميم النقص ولكن إذا لم يتم الاعتراف الصريح بالخطأ وآثاره السلبية على العمل السياسي فلا سبيل إلى الوصول لنهايات عادلة تحقق مشاركة فاعلة للنساء. ويتدارك الآن مؤتمر المعارضة السورية من أجل الحل السياسي (القاهرة) خطأه السابق وتقصيره في التعامل مع الوجود النسائي الفاعل حيث بات يحقق أعلى النسب بإشراك المرأة لجهة سياسية سورية وذلك على مستوى الهيئة العامة بنسبة تزيد عن 20%، وعلى المستوى القيادي في عضوية لجنة المؤتمر بنسبة تقارب 30%، وبتشكيل مكتب خاص للمرأة وحقوق الإنسان. وبهذا يعتبر المؤتمر – كجسم سياسي مبني على أسس ديمقراطية – جهة استقطابية للعديد من الناشطات تؤمن المساحة الحرة الكافية لعمل سياسي منظم بعيد عن الاستغلال.
من أهم ملفات مكتب المرأة وحقوق الإنسان تمكين المرأة القيادية لزيادة نسبة المشاركة النسائية المؤثرة في مختلف مراكز صنع القرار لتحريك الحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254 وبيان جنيف للعام 2012، زيادة نسبة مشاركة المرأة بالمؤتمر، ودعم العمل النسوي، والتوعية، والوصول للمهمشات، والحشد للمؤتمر.