عبد العزيز الخير
في الذكرى العاشرة للثورة السورية، وفي معركة “كركدن” ضد النسيان، ننشر الورقة التي قدمها الدكتور عبد العزيز الخير في ملتقى “آفاق المرحلة الانتقالية في سوريا” الذي نظمه المعهد الاسكندنافي لحقوق الإنسان وملتقى حوران للمواطنة واللجنة العربية لحقوق الإنسان في بروكسل بالتعاون مع الاتحاد الأوربي في حزيران 2012.
الأعزاء
لا يمكن الحديث عن حركة اجتماعية أو انتفاضة أو ثورة في غياب تصورات للخروج من الأوضاع السائدة نحو تغيير فعلي. ورغم كل التضحيات التي قدمها الشعب السوري ما زال السؤال قائما: هل سيكون هناك مرحلة انتقالية فعلا للخروج من الدكتاتورية نحو دولة قانون ومؤسسات ومواطنة ؟ ما هو المطلوب من أجل تعبيد الطريق لمرحلة انتقالية في نظرة متقدمة على الواقع وقادرة على الاستجابة لطموحات الناس. خاصة في ضوء معطيات الواقع الراهن واتجاهات تطور الممارسات على الأرض (والتي تستوجب النضال ضد النظام والنضال ضد الثورة المضادة للمواطنة).
هناك اليوم عملية تراجع (هي حصيلة فعل قوى وأفكار وممارسات) تطلق أسوأ ما في الإنسان من دوافع وقيم ونزعات وحشية. والخطر الراهن اليوم يكمن في التهميش التصاعدي وبشكل مخيف لكل المطالب التي من أجلها تحرك المواطن السوري منذ 18 آذار 2011 بعد نضالات تراكمت لعقود.
ضرورة المرحلة الانتقالية :
أولا ـ طبيعة النظام ووسائل حكمه :
1 ـ الديكتاتورية التي تذرر المجتمع بآلية الخوف (مجتمع الخوف).
2 ـ السمة الطائفية (المحاباة والتمييز وإثارة العصبيات لتوفير عنصر إضافي لضمان الولاء والتوظيف المذهبي لتعزيز الطابع المذهبي للمواجهات على حساب المطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمدنية لكل مكونات النسيج السوري).
3 ـ التمييز القومي ( استمرار لوعي شوفيني يرتب حرمانا من الحقوق وأحيانا من أبسطها كحق الهوية).
4 ـ الفساد كوسيلة للسيطرة السياسية وشراء الموالين، وأثره على منظومة القيم الضرورية للعلاقات بين أفراد المجتمع وبين المواطن والقانون وبينه وبين الدولة ومؤسساتها.
5 ـ التغطية الإيديولوجية والسياسية لكل ذلك: الشعارات القومية والموقف تجاه القوى الخارجية (اسرائيل والغرب والمحاور السياسية) وربط كل حراك شعبي بالمؤامرة.
ثانيا ـ طبيعة الوعي السياسي الموروث : في أوساط سياسية وشعبية على خلفية بنية الدولة وإيديولوجياتها عبر القرون، والنظام العثماني بشكل خاص، يضاف إلى ذلك الموروث ويعززه المشاريع السياسية الموجودة والتي ظهرت في المنطقة والعالم: دول ذات إيديولوجيا دينية، قوى تحمل إيديولوجية دينية شمولية ومشاريع سياسية تستند عليها.
دولة المواطنة كرد جذري على كل ذلك، وما تتطلبه لبنائها:
دولة المواطنة هي الرد الوحيد على مخاطر بقاء الدكتاتورية أو استبدالها بأخرى ذات طابع ديني. وتتطلب دولة المواطنة نضالا دءوبا يطمح إلى
1 ـ بناء وعي سياسي قائم على المساواة التامة بين المواطنين في الحقوق والواجبات ، بصرف النظر عن الدين والقومية والطائفة والعرق والإثنية والقومية والعشائرية. عملية تاريخية تراكمية تبدأ بالإعلان عن المبادئ وتترافق مباشرة بالطرح السياسي والقانوني والثقافي والإعلامي الذي يكرس ذلك. وتكتسب المصداقية بالممارسة الحازمة لذلك يوما بعد يوم وعاما وراء عام.
2 ـ استقلالية الدولة وتشريعاتها عن الإيديولوجية والمعتقد والعرق والمذهبية.. الخ . وضمانها بقوة الدستور وإقامة المؤسسات التي تراقب تطبيقه وتمنع انتهاكه.
3 ـ وضع المبادئ التي تكفل ماسبق بكيفية غير قابلة للتغيير من قبل الأكثرية السياسية، والتي يعني رفضها رفض الجمهورية المنشودة (صيغة المبادئ فوق الدستورية التي تضع الأسس الثابتة لبنية الجمهورية والدستور، وتؤسس لدولة المواطنة فعلا وقولا، والتي يتطلب تغييرها موافقة تزيد عن ثمانين بالمئة من الشعب (وليس من المشاركين في التصويت فقط). تشكل هذه المبادئ فوق الدستورية الضمان الفعلي لتطمين كل أديان وقوميات واطياف الشعب السوري لمستقبل بلادهم وشعبهم ونيل المواطنين لحقوق متساوية حقا (ما يتحدث البعض عنه بالدعوة لتطمين الأقليات).
4 ـ يتعين أن يتم الأمر بتحقيق تفاهم واتفاق واسع إن لم يكن شاملا (قد توجد قوى ترفض مبدأ المواطنة واستقلال الدولة عن المعتقد والأديان) بين ممثلي كافة أو غالبية كبرى من الاتجاهات السياسية في البلاد.
يمكن تشكيل جمعية تأسيسية لهذا الغرض يطرح ما تصل إليه على الاستفتاء العام، وتضع بعد ذلك الدستور الجديد الخاضع بدوره للاستفتاء الشعبي، لتعقبه انتخابات برلمانية ورئاسية ذات مصداقية ، تنتهي بها المرحلة الانتقالية ليبدأ عهد الجمهورية الثانية.