دخلت عليه في مكتبه في مشفى جامعة دمشق في 1973، كان محمد هيثم الخياط استاذنا في العلوم المخبرية، وكنت وقتها معروفا كطالب مشاغب يحمل أفكار اليسار الجديد ما بعد 1968. على الصعيد الطبي، تصدرت مجموعة طلبة وأساتذة تقدميين لترجمة برنامج جامعة برمنغهام “العلوم الأساسية للتدريب السريري”.. كنا 27 أستاذا وطالبا تقاسمنا الترجمة. وواجهتنا مشكلة توحيد المصطلحات الطبية في الكتاب. لم يكن أي من الأساتذة اليساريين المشاركين قويا في موضوع توحيد المصطلحات التي تشمل أهم الاختصاصات الطبية، ولم يكن أمامي إلا أن أطلب من الأستاذ محمد هيثم الخياط أن يقوم بهذه المهمة كي لا يضيع جهدنا ويحمل الكتاب نقاط ضعف. دخلت عليه مبتسما بالسلام فابتسم ورد بكل مودة.
- أستاذي الكريم، تعلم أن لحيتي تزين ولحيتك تدين، ولعلنا نختلف في مسائل كثيرة. ولكن في كل وسطنا اليساري لا يوجد أستاذ يجمع بين فقه اللغة وفقه المعرفة الطبية. إننا نقوم بترجمة مشروع طبي هام وقاربنا على الإنتهاء. لكن كل أستاذ وطالب ترجم حسب مراجعه الخاصة. ونحن بأمس الحاجة إليك، ليخرج هذا الجهد موحد المصطلحات والإسلوب سلس القراءة للطلبة. فهل تقبل الإشراف على هذا المشروع؟ ووضعت أمامه التراجم التي بحوزتي.
نظر إلى الساعة وطلب مني العودة بعد 24 ساعة لإعطاء الجواب. وفي اليوم الثاني أخبرني بأن المشروع هام جدا وأنه سيقوم بالإشراف عليه. قلت له: استاذ أنا ما قلتلك إنه المشروع تطوعي وما معنا إلا كلفة طباعة الكتاب، فقال: عيب يا هيثم، هذا واجب والواجب لا ثمن له.
كانت هذه القصة بداية صداقة إنسانية من أجمل ما عرفت في حياتي. وكلما زرت القاهرة، كانت زيارة الدكتور الخياط فرضا لا يجوز قطعه. وكثيرا ما كان يشاركنا الجلسة زوجته الكريمة والدكتور العوا.
ماذا يقول المرء في مسلم يعطي عن دينه أجمل صورة لكل الناس على اختلاف معتقداتهم. لإنسان أحب الإنسان واعتبر كرامته منهج حياة. باختلاف مع الفقهاء والعلماء، يصر الدكتور محمد هيثم الخياط أن أهم حقوق الإنسان في الإسلام: الحرية
فقدنا بالأمس هذا العالم المبدع والمجدد..
لكن آثاره وأفكاره ستبقى نبراسا لكل من عشق الحرية والكرامة الإنسانية
هيثم مناع