الدكتور حبيب حداد
سبع سنوات ونصف تقريبا انقضت حتى الان على انطلاقة انتفاضة الشعب السوري العفوية السلمية، التي جسدت إرادته في إنهاء نظام الاستبداد والقهر والفساد، وبناء دولة ديمقراطية عصرية تكفل تأمين حقوق المواطنين السوريين في الحرية والعدالة والمساواة دون أي تمييز أو إقصاء أو تهميش .
وخلال هذه الفترة الزمنية ، وكما اصبح معروفا للقاصي والداني، تحولت المسالة السورية بعد أشهر على انطلاقة هذه الانتفاضة إلى شأن عالمي، متخذة طابع الحرب الأهلية بكل أبعادها الطائفية والإثنية والجهوية والإقليمية والدولية، الأمر الذي يضع بلادنا الْيَوْمَ أمام مفترق طرق، وأمام خيارات صعبة تتعلق بحاضرها ومستقبلها، تلك الخيارات التي يتوقف على كيفية مواجهتها وأسلوب التعامل معها، مصير سورية كدولة موحدة ومجتمع متحضر مؤهل لمواكبة مسار العصر .
الْيَوْمَ وبعد أن بلغت الماساة السورية هذا المستوى من الخطورة والتدمير الذاتي، وهذا المدى من الهوان والتنكر لكل القيم والمبادئ الإنسانية من قبل كل الأطراف المعادية، فقد بات هذا الوضع بلا ريب، يمثل تهديدا جديا لكيان الأمة ومستقبلها. وبعد أن تكشفت مواقف وسياسات مختلف الجهات والدول المنخرطة في هذا الصراع، فقد اتضح بكل جلاء أن ما تواجهه بلادنا ليس إلا جزءا مما تواجهه دول المنطقة من مخطط شامل يستهدف تكريس تخلفها وتشرذمها وتبعيتها للهيمنة الاستعمارية الصهيونية من جهة وإجهاض تطلعات شعوبنا نحو التحرر والتقدم والتكامل والمنعة من جهة أخرى.
الْيَوْمَ تقف جميع القوى الوطنية والديمقراطية السورية بل وجميع قوى شعبنا السوري وهيئاته ومنظماته ونخبه الفكرية والسياسية، سواء كانت في صفوف المعارضة أم الموالاة، حسب التصنيفات الدارجة، والتي لا علاقة لها بحقائق الواقع، تقف امام مسؤولياتها الوطنية في إنقاذ شعبها من الوضع الكارثي الذي يعيشه الآن، وذلك يحتم عليها استخلاص الدروس والنتائج والأخذ بالحقائق التي تمخضت عنها انتفاضة الشعب السوري التي أجهضت في مهدها، والتي كان يمكنها لو توفرت لها العناصر الذاتية المطلوبة ان تكون مشروع ثورة تحرر وطني ديمقراطي.
كمالا بد لنا في الان نفسه من الأخذ بالحقائق التي تمخضت عنها الانتفاضات التي شهدتها البلدان العربية الاخرى في سياق ما سمي (بالربيع العربي)، تلك الانتفاضات التي كانت اختبارا واقعيا مباشرا لمستوى وطبيعة الوعي السياسي في تلك المجتمعات بصورة عامة، ولدور المجتمع المدني وحال الطبقات الوسطى في كل منها ومدى وعيها لذاتها ولدورها باعتبار أنها، أي هذه الطبقة، عماد عملية التغيير والاستقرار وبناء النظام الديمقراطي المنشود .
لقد تكررت الدعوات والنداءات التي أطلقها العديد من تشكيلات المعارضة الداخلية والخارجية والشخصيات الوطنية عبر السنوات الاخيرة للقيام بعمليات مراجعة وتقييم شاملة لحصاد السنوات الماضية، ولا يكاد يمر يوم واحد في الوقت الحاضر الا وتطالعنا فيه مثل تلك الدعوات، وحتى من قبل هيئات وتشكيلات المعارضات الخارجية التي ارتكبت ابشع الخطايا والانحرافات عندما أعطت لنفسها حق وحدانية شرعية تمثيل الشعب السوري في الوقت الذي ارتضت لنفسها أن تلعب دور الأدوات الرخيصة المستلبة الإرادة في مشروعات وسياسات الدول الخارجية تجاه قضايا شعبنا المصيرية .
نعم المراجعة الشاملة والموضوعية لمسار السنوات الماضية هي المهمة الوطنية الملحة أمامنا جميعا الان٠ المراجعة التي تستحق أن تكون على راس المهمات المطروحة أمام القوى الديمقراطية العلمانية السورية، والتي هي قاعدة الانطلاق التي لا بد من توفرها، كي يمكن لشعبنا أن يواصل كفاحه المشروع على طريق التغيير والبناء الديمقراطي، ولا شك أن وعي ضرورة هذه المهمة والعمل الجاد والمخلص لإنجازها في اقرب ممكن، يتناقضان كليا مع ممارساتها الفعلية في ارض الواقع حيث تنشغل بخوض معاركها الخلبية لكسب ود هذا الطرف الدولي او ذاك او تكبير حصتها في تلك الهيئة أو اللجنة، كما هو جار الآن في التسابق على عضوية اللجنة الدستورية ! !!
من وجهة نظرنا، التي عبرنا عنها طوال السنوات الماضية في كل المناسبات التي اتيحت لنا، أن أهداف انتفاضة الشعب السوري المجهضة من أجل التحول والبناءالديمقراطي، ومواصلة عملية التنمية والتقدم على قاعدة اعادة إعمار بلدنا الذي دمرت حتى الآن معظم بنياته التحتية والمجتمعية ، هذه الأهداف، ما تزال حية في عقول وقلوب كل السوريين، وما يزال السوريون على استعداد لبذل المزيد من الجهود والتضحيات اذا ما استعادوا ثقتهم بأنفسهم وبوحدتهم الوطنية الجامعة، لأنهم يؤمنون أن هذه الجهود والتضحيات التي لابد من بذلها انما تعبد طريق قيامة سورية الجديدة التي تطلع اليها الآباء والاجداد منذ أن نالت بلادنا استقلالها الوطني .
ولكي نستعيد ثقة شعبنا، نحن اطراف المعارضة السورية، في الداخل والخارج ، ينبغي اولا ان نكون صادقين مع أنفسنا ، وينبغي ان نكون ثانيا واضحين وأمناء في تعيين وتحديد ما اتفقنا على الالتزام به من اهداف ومهمات، وما اختلفنا فيه بشأن مستقبل وطننا، والأمر هنا لا يتعلق بالتوافق أو الاختلاف حول البرامج الاقتصادية او التنموية او الثقافية، على أهميتها، لكن الأمر يتجاوز هذه الأبعاد لأنه يتمثل بالخطأ القاتل الذي وقع فيه الطيف الواسع من المعارضات السورية ،سواء بقصد او بقصور وعي. عندما أوهمت أو أقنعت هذه التشكيلات نفسها بامكانية اتفاقها وقدرتها من واقع اوضاعها المشتتة والمتشرذمة على انجاز الهدف المرحلي وهو إسقاط النظام القائم، اما بعد تحقيق ذلك فلكل منها ان يحارب بمختلف الوسائل والامكانات والتحالفات الدولية التي يمكن ان تدعمه لإقامة الدولة التي يسعى اليها سواء اكانت دولة دينية ام قومية ام وطنية ديمقراطية … وقد رأينا من بين هذه المجموعات والتيارات السياسية ان الاسلام السياسي كان هو الطرف الوحيد المنسجم مع أطروحاته ورؤيته. في العمل لإقامة دولة مرجعيتها الشريعة الاسلامية كخطوة أولى على طريق استعادة الخلافة الراشدة !!! أما بقية أطراف ومجموعات تلك المعارضات التي كانت تصنف نفسها في خانة اليسار او الليبرالية فقد استخدمت، والى وقت متأخر، كواجهات لتيار الاسلام السياسي والسلفي وأدوات للدول الداعمة كما انها اضطلعت، وما تزال تضطلع حتى الان، بدور مهين ومخجل في تغطيتها ودفاعها عن المنظمات المسلحة والتكفيرية الإرهابية واعتبارها تمثل فصائل الجيش الحر تارة او قوى الثورة السورية المسلحة تارة اخرى !!!.
وبإيجاز فان الحركة الوطنية الديمقراطية السورية الْيَوْمَ امام مهمة ملحة تتمثل في توحيد جهودها على قاعدة توحيد روءيتها الاستراتيجية ، ومواقفها وبرامج عملها تجاه مهمات الحاضر والمستقبل، ونعني بذلك المهمات الانتقالية على طريق تنفيذ خطوات الحل السياسي للازمة السورية الذي نصت عليه قرارات الشرعية الدولية ذات الصِّلة، وعلى أي حال، بعد أن أصبح الحل السياسي المطروح والمتوقع سيكون حصيلة التوافقات الدولية بين مختلف الأطراف ذات التأثير الان في الشأن السوري، فان واجب جميع القوى الوطنية السورية حيثما كانت مواقعها ان تعمل على تعزيز دور العامل الذاتي واستقلاليته وذلك من خلال تأسيس الجبهة الشعبية الديمقراطية العريضة. التي تضم مختلف قوى وتيارات الحركة الوطنية الديمقراطية الحقيقية.
كيف يمكن لنا ان نقوم بعملية مراجعة وتقييم شاملة لمسار السنوات الماضية التي مرت على انتفاضة الشعب السوري التحررية ؟؟ ، وما هي المسائل والإشكاليات بل المكائد والمطبات التي تعرضت لها هذه الانتفاضة منذ أشهرها الاولى والتي ادت الى حرفها عن مسارها وتشويه هويتها واغتيال أهدافها ؟؟ ، اننا نعتقد ان عملية المراجعة هذه التي يمكن في ضوئها استخلاص النتائج التي تساعد في التعجيل بوضع حد للكارثة السورية، والتي لا بد منها لتوفير وحدة الرؤية السياسية التي هي بدورها قاعدة التحالف الوطني الديمقراطي العريض ينبغي ان تقوم على أسس المواقف الواضحة ،بدون اي التباس او تأويل ،من القضايا الرئيسيّة التالية :
اولا – ما هو تقييمنا لجوهر وطبيعة الصراع الدائر في عرض الجغرافية السورية ، منذ سبع سنوات ؟؟ هل هو ثورة فعلا كما تردد مختلف المعارضات، وكما كانت تردد و إلى وقت قريب كل الدول الإقليمية التي استخدمت تلك المعارضات ؟؟ ام هو استمرار لمسيرة الانتفاضة السلمية الشعبية التي انطلقت من اجل تحقيق أهدافها في بناء سورية الحرة الديمقراطية الموحدة ؟؟ ام ان هذه الانتفاضة الشعبية قد تم إجهاضها واغتيالها قبل ان تكمل سنتها الأولى بحيث لا يختلف اثنان يمتلكان الحد الأدنى من الموضوعية واستقلالية الرأي في انها تحولت كما أسلفنا الى حرب أهلية مدمرة بكل ابعادها المذهبية والإثنية والإقليمية والدولية ؟ ان الجواب على هذا السؤال يمثل بلا شك حجر الاساس في بناء الروية السياسية المطلوبة،. فالقول مثلا ان ما شهدته سورية طوال هذه السنوات الماضية كان عملية ثورية تتوفر لها كل مقومات وامكانات النجاح لولا تخاذل المجتمع الدولي وخيانته لوعوده وتعهداته ! !!!!، انما يعني ان ما اصاب بلادنا وانعكاساته المتبادلة على بلدان المنطقة كلها!!! كان مجرد أخطاء في الأساليب المتبعة ومراهنات على مواقف بعض الدول الصديقة، وان معالجة هذا الواقع لا يتطلب اكثر من إصلاح تلك الأساليب والتوقف عن تلك المراهنات، وما يعطي مثلا على الإمعان في هذه الممارسات المدمرة والوعي القاصر لابسط مستلزمات المرحلة الراهنة ان قسما كبيرا مما يسمى بهيئة التفاوض طرح في اجتماع هذه الهيئة الأخير ان تتحول الى مجلس لقيادة الثورة. يواصل الدور نفسه والممارسات ذاتها باعتباره الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري والثورة السورية !!!
ثانيا -ماهي العوامل والاسباب التي ادت الى انحراف هذه الانتفاضة واغتيال أهدافها المشروعة وتشويه هويتها الحضارية الانسانية في نظر الرأي العام الداخلي والعربي والدولي ؟؟؟ انها باختصار العسكرة والتطييف والأسلمة والتدويل، حيث لم تتمكن تلك المعارضات الخارجية طوال السنوات السبع الماضية من تسيير اية مظاهرة ذات شان تدعم القضية السورية في أي من عواصم الدول الأجنبية، بعد ان اصبحت الصورة لديها بان ما يجري في سورية هو صراع طائفي سني شيعي يشمل كل بلدان المنطقة، بكيفية معلنة او صامتة، وان كانت جبهته الأمامية تتمثل في الساحة السورية، ينبغي علينا جميعا في عملية التقييم الشاملة هذه ان نعترف ونقر بدور هيئات المعارضة الخارجية التي اريد لها، كما قبلت هي ذلك باندفاع وحماس غير معهودين، ان تضطلع شكليا وواجهيا، بتمثيل الشعب السوري والتغطية على انحرافات العسكرة والتطييف والتدويل والتبعية، التي قادت الى الوضع الكارثي الراهن .ً
ثالثا – لقد كان المفترض ان الحرص على سلمية الحراك الشعبي هو المهمة الأساسية الملقاة على عاتق جميع القوى الوطنية، كي لا تقع الانتفاضة في المحذور وفي المربع الذي يريده النظام من جهة والدول الإقليمية الضالعة في المأساة السورية من جهة ثانية، وكان هذا التحول هو الذي حول الساحة السورية في معظمها الى جبهات اقتتال بين مختلف القوى الإرهابية، وكان المأمول أن يجري تنظيم الضباط الوطنيين الذين انشقوا عن الجيش السوري في تنظيم خاص يتولى مهمة الدفاع عن الحراك الشعبي السلمي في مختلف المحافظات ويكون لهذا التنظيم الذي اصطلح على تسميته بالجيش الحر قيادته المهنية المستقلة وبرنامجه الوطني في خدمة عملية التحول والتغيير الديمقراطي، لكن ما جرى في أرض الواقع ان اسم الجيش الحر قد استغل وشوه من قبل الأطراف الدولية والإقليمية التي اضحت معروفة للجميع، وأصبحت تسمية الجيش الحر تطلق على العديد من المجموعات الإرهابية التي ً تغذيها الدول الأجنبية والتي تتقاتل فيما بينها للسيطرة على مناطق وثروات بلادنا ،في الوقت الذي همش فيه دور الضباط الأحرار المنشقين وأبعدوا عن أي دور وطني يذكر. ولقد كان لهيئات معارضات الخارج ( التي عرفت بالمجلس الوطني والائتلاف وهيئات التفاوض المتعاقبة) الدور الرئيس في التغطية على هذا الوضع المشين تنفيذا وتغطية لسياسات الدول التي ترتبط بها.
رابعا – لقد كان في مقدمة النتائج التي ترتبت على تشرذم مجموعات المعارضة الخارجية وارتهانها لأجندات الدول الخارجية تدويل القضية السورية والتفريط بالقرار الوطني المستقل، وتلك كانت أكبر الخطايا التي اقترفها كل من المجلس والائتلاف وهيئة التفاوض حاليا، وما زاد في الأمر ترديا أن هذه المعارضات أصبحت تصنف كمجموعات او منصات كل منها ينسب للدولة التي تهيمن عليها، فهل يمكن لعاقل ان يتصور لحظة واحدة ان تلك الدول التي تحكمها أنظمة ما قبل القرون الوسطى، يمكن ان تتبنى او تدعم قضايا التحول الديمقراطي في أي من سورية أو مصر أو العراق التي تعتبر الدعامات الرئيسيّة الثلاث لانتصار المشروع النهضوي العربي.
خامسا – وكنتيجة لفشل تلك المعارضات في امتلاك الروءية الصحيحة واعتماد برنامج العمل المرحلي لعملية التغيير والتحول الديمقراطي في مسار الحل السياسي السلمي، وارتباطاتها الدولية والاقليمية، قامت بممارسات وأعمال مدمرة ضاعفت من خطورة المسألة السورية وتعقيداتها، وتعريض الدولة والوحدة الجغرافية لبلادنا للمزيد من عوامل التفسخ والتجزئة الانقسام
ونذكر في هذا المجال مهزلة تشكيل ما سُميت بالحكومة المؤقتة، ووحدة الدعم ( حيث هناك الْيَوْمَ في سورية ثلاث حكومات : حكومة النظام والحكومة المؤقتة، وحكومة الإنقاذ التي تديرها المجموعات الإرهابية في أدلب، كما نذكر في هذا الصدد أيضا المحاولات الفاشلة والمتكررة لتشكيل هيئات أركان وقيادات “للجيش الحر” ٠
سادسا – الممارسات التي استهدفت، بقصد أو بغير قصد، تدمير الوحدة الوطنيةً
والتشكيك بالهوية الوطنية لشعبنا، وكان أخطرها ذلك الخطاب الشعبوي الديماغوجي الغرائزي المجافي لكل منطق عقلاني او واقعي، فمن جهة ركز خطاب تلك المجموعات على تغذية كل العصبيات والروابط ماقبل الوطنية ، وعلى الحديث عن مظلومية الأقليات والاكثريات :الدينية والمذهبية والإثنية والاقوامية !!! كما نشط ذلك الخطاب في الدعوة والتهيئة لانعقاد مؤتمرات خاصة بمكونات الشعب السوري بهدف تشكيل هيئات خاصة بها، حيث عملت على التحضير لتلك الموتمرات بصورة رئيسية قيادات المجلس الوطني في حينه ومن ثم قيادات الائتلاف المتعاقبة، فقد كانت هناك مؤتمرات للعلويين السوريين، والمسيحين والدروز والإسماعيليين، وللتركمان والسريان والأكراد كما احيطت بكل اهتمام اجتماعات علماء سورية المتتالية، واعتبرت مقرراتها مرجعية موجهة لعمل تلك المعارضات كما أكد ذلك احدهم الذي كان يشارك في تلك الاجتماعات ؟
هذه الممارسات الشاذة والغريبة عن تاريخ الحركة الوطنية السورية حتى في أحلك العهود التي مرت بها بلادنا، انما استهدفت في حصيلتها روح وقوام الهوية الوطنية السورية، فلا غرابة، بعد ذلك ان ترتفع من هنا وهناك دعوات الكثيرين المنادين بالكونفدرالية تارة وبالفدرالية تارة اخرى، وبأن النظام الديمقراطي الأمثل لبلادنا هو ديمقراطية المحاصصة أو الديمقراطية التوافقية على الطريقتين العراقية اللبنانية!!!
سابعا – نتيجة قصور وعي ورؤية هذه المعارضات، فقد ألحقت ممارساتها وخطابها أبلغ الضرر، كما أسلفنا، بالوحدة الوطنية للشعب السوري، وهناك جانب آخر كان وما يزال على درجة كبيرة من الخطورة في خطاب وممارسات تلك المعارضات التي لم تميز بين عدائها للنظام، وعدائها للدولة السورية بكل مؤسساتها، ولعل ما يدعو للخجل والاستنكار حقا، هو عدم ادانة الاعتداءات المتكررة لإسرائيل وقوى التحالف الدولي وآخرها العدوان الثلاثي الامريكي البريطاني الفرنسي قبل شهرين على بلادنا، إن ابسط مقتضيات الموقف الوطني، في هذه الظروف المصيرية التي تمر بها بلادنا، تدعونا إلى أن ندعم ونحيي تضحيات جيشنا السوري ونجاحاته في تصفية المجموعات الإرهابية في كل المناطق وفي تحرير الاراضي السورية المحتلة ودحركل المخططات والمشروعات التي ترمي لتجزئة وطننا وتأسيس كيانات انفصالية.
وما يثير الاستهجان والخجل في مواقف تلك المعارضات انها في الوقت الذي ظلت تستنكر وتدين فيه تدخل ايران والميليشيات الطائفية التي تدور في فلكها وكذلك تدخل وهيمنة روسيا الاتحادية، وهو أمر مطلوب بلا شك، فإنها من جانب آخر ما تنفك عن مطالبة الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، بالتدخل المباشر والترحيب باحتلالها لاقسام واسعة من ترابنا الوطني واستكمال تدمير ما لم يدمر بعد من بنى وأركان الدولة السورية الجغرافية والسياسية والتاريخية والاقتصادية،.
ثامنا – ان اكبر الأخطاء التي ارتكبتها المعارضات السورية على مدار السنوات السبع المنقضية انها تعاملت مع قضايا شعبها كأن سورية تعيش في كوكب آخر، وان الأزمة الشاملة التي تعيشها لا علاقة لها بتاريخها القريب والبعيد من جهة، ولا علاقة لها بالأوضاع والأزمات التي تعيشها بلدان المنطقة، لذلك تصور بعض هذه المعارضات انها بتسابقها على الانخراط في اجندات الدول الإقليمية والأجنبية ستكسب دعمها غير المحدود: السياسي والمادي واللوجستي للمطالب التي تطرحها عليها، ولَم تدرك أن الدول ليست جمعيات خيرية، وان لكل دولة مصالحها الخاصة بها واستراتيجيتها المرسومة لهذه المنطقة الحيوية من عالمنا، وان التعامل مع هذه الدول ينبغي ان يقوم على قاعدة الإدراك السليم لمصالح تلك الدول، أين تتقاطع مع مصالحنا الوطنية وأين تتعارض.
وبالمقابل فان هيئات المعارضة هذه التي تدعي تمثيل الشعب السوري ،تجاهلت تماما الدور التاريخي الذي اضطلعت به سورية ، دور الريادة والقاعدة لحركة التحرر العربية، وأعفت نفسها عن التعبير عن الموقف المطلوب، كان الأمر لا يعنيها ، أو نتيجة حساباتها التي تملي عليها ان لا تتخذ اي موقف يخالف مواقف الدول الإقليمية التي ترتبط بها ، في حين وجدنا ان النظام السوري لا يتوقف عن اتخاذ كل المواقف المعلنة التي اتقن اتخاذها تجاه مختلف القضايا الدولية والعربية التي تستدعي ذلك . وبخاصة المواقف المطلوبة من القضايا المركزية بالنسبة لحركة التحرر العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية. هكذا اذن كانت حصيلة ممارسات هيئات المعارضة المسؤولة عن الاخفاق والفشل الذريع في مهامها والتي بدل ان تراجع وتقيم مسارها واصلت ممارساتها المدمرة على كل صعيد ، وبدل ان تحدد العوامل والاسباب التي كانت وراء الوضع الكارثي الذي تعيشه بلادنا الْيَوْمَ استمرت تضع المسؤولية في كل ما حدث ويحدث على مواقف وسياسات النظام ، وعلى الأطراف الدولية التي تخلت عن وعودها ونكثت بعهودها التي قطعتها لتلك المعارضات !!!
ان السؤال الذي يطرح نفسه على الجميع من ابناء شعبنا وخاصة على قواه الوطنية الديمقراطية الْيَوْمَ يتلخص بالتالي :
اذا لم تكن هناك وحدة في الرؤية السياسية تجاه المستقبل المنشود لوطننا ، واذا لم يكن هناك برنامج موحد يرسم مهمات وخطوات التحول الديمقراطي الانتقالية ، واذا كان حال الوحدة الوطنية السورية على ماهي عليه الْيَوْمَ من هشاشة وضعف واعتلال ،،،،،،، فكيف يمكن التوافق حول الميثاق الوطني او العقد الاجتماعي الجديد، وكيف يمكن صياغة الدستور المنتظر او الإعلان الدستوري المرحلي الذي يضع بلدنا على طريق التحول الديمقراطي المأمول الذي انطلقت انتفاضته المغدورة من اجل انجازه ، والذي قدم شعبنا في سبيله أغلى وأجل التضحيات .
- أرسل الدكتور حبيب حداد هذا المقال في 10 آب 2020 لهيئة تحرير كركدن طالبا نشره كما كتبه قبل عامين وتنشره كركدن.نت كما وصلها.
July2018