النص الكامل للمقابلة التي أجرتها الكاتبة والصحفية التونسية آسيا العتروس، رئيسة تحرير “الصباح” التونسية مع الدكتور هيثم مناع مؤسس تيار قمح وعضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني السوري لاستعادة السيادة والقرار.
- كان آخر لقاء لنا في أعقاب ما سمي باجتماع أصدقاء سوريا كيف تقيم المشهد الراهن في سوريا من حيث تواجد القوى الاجنبية و تكون محاور جديدة ؟
- في يوم افتتاح مؤتمر ما سمي أصدقاء الشعب السوري في بلدك تونس، كنت في قصر قرطاج عند منصف المرزوقي. وقال لي منصف: تعال وأعطيك وقتي في الحديث للتكلم في اللاءات الثلاث (لا للطائفية، لا للعنف، لا للتدخل الخارجي). قلت له : مجرد دخلت الصالة أنا دخلت في اللعبة، دخلت في محور ضد محور. أي قبلت بأن ينتقل الملف السوري من صراع ضد الدكتاتورية إلى صراع على سوريا.. بعد ساعتين من النقاش وضع لي أحد العاملين في قرطاج وجبة غداء لوحدي وذهب منصف لوحده. من مضحكات الأيام أنه في اليوم الذي أجرى حمد بن جاسم مقابلة قال فيها “تهاوشنا على الصيدة” كان في سوريا أربع جبهات قتال.
في 2012 قلت على البي بي سي: اللي بدو يجاهد يجاهد في بيت أبوه، وأضفت إذا جاء ألف من الشاشان سيأتي ألفين من لبنان.. معظم ما يسمى “قوى الثورة والمعارضة” اعتبرني خائنا للثورة وعميلا للنظام. اليوم يرى الناس ثمن التدخل الخارجي، وثمن فتح أردوغان حدوده لأكثر من 120 ألف جهادي تكفيري، للعلم أول اصطدام مع صديق ربع قرن من النضال منصف المرزوقي كان حول إغماض العين عن سفر آلاف التونسيين للقتال في سوريا. ومنصف والغنوشي ووزير الداخلية وقتئذ عليهم مسؤولية أخلاقية وقانونية في وصول هؤلاء لسوريا بمساعدة المخابرات التركية وعن وفاة قرابة 3000 آلاف تونسي في سوريا والعراق قاتلوا مع داعش والنصرة. فتح بشار الأسد البلاد للميليشيات الموالية لإيران (من لبنان إلى أفغانستان). وقبل إرسال اردوغان لمرتزقة سوريين إلى ليبيا أرسلت إيران الفاطميين والزينبيين من اللاجئين الأفغان الهزارة إلى سوريا.. لقد أصبحنا حقل تجارب للإسلام السياسي بطبعتيه السنية والشيعية.. وعدنا اليوم إلى مرحلة التحرر الوطني.. لذا صرنا نقرأ ما فعل سلطان باشا الأطرش لإجهاض مشروع الدويلات الطائفية في سوريا وكيف شكل الوطنيون كتلة نجحت في انتخابات 1928 وكيف قامت الحركة الشعبية في جبل العرب بإلغاء ما سمته فرنسا “الاستقلال المالي والإداري لجبل الدروز” ونطالب كل الوطنيين بإلغاء حكومات الأمر الواقع في إدلب والقامشلي والتي لا تختلف عن المشروع الاستعماري الفرنسي قبل 90 عاما.
- ماذا عن التأثير التركي في سوريا وأبعاده عسكريا و سياسيا وأمنيا ؟
- نحن ، كما قال الدكتور خالد المحاميد نائب رئيس الهيئة التفاوضية المستقيل، في غزو عثماني جديد مع وجود أكثر من 32 ألف جندي تركي داخل الأراضي السورية. ولكن ما نشجب ونستنكر هم أجناد ومرتزقة العثمانيين في الشمال وبشكل خاص الائتلاف والحكومة المؤقتة وحكومة الإنقاذ والمجالس المحلية الذين أصبحوا منفذين للأجندة التركية.هؤلاء يساعدون المحتل وبذلك أصبحوا عملاء ومرتزقة وخدم لهذا المشروع الهادف لتقسيم سوريا. اليوم القوات التركية تنتهك كل الاتفاقيات الثنائية والعهود الدولية وميثاق الأمم المتحدة بتدخلها الاحتلالي في سوريا وتدخلها العسكري في ليبيا وإرسالها مرتزقة من السوريين والقاعدة وداعش إلى ليبيا. وتكرر ما فعله قاسم سليماني خارج الحدود الإيرانية بقراءة “سنية”. والي هاتاي أصبح مكلفا بشؤون شمال سوريا، ويتم فرض التعامل بالليرة التركية، يجري تغيير المنهاج التعليمي وتغيير أسماء الشوارع والساحات إلى أسماء تركية، وخاصة في منطقة عفرين وما جرى فيها من تهجير سكاني لأكثر من 300 ألف سوري من عائلات كردية جرى احلال عائلات إخوانية وسلفية وموالية لتركيا في بيوتهم.
- هل من مجال اليوم للحديث عن تحالفات جديدة في المنطقة في أعقاب الصراعات الدموية المستمرة؟
- طبعا هناك تحالف قطري-تركي يقول فيه أبو العزم (عزمي بشارة) أنه يمثل معسكر الثورة، وتحالف هش رباعي يسميه معسكر الثورة المضادة.. من المضحك أن يصبح أردوغان “قائدا” لمعسكر الثورة؟ وإماما للغنوشي والسراج والجولاني والقرضاوي؟ بصراحة أنا توقفت عن التدخين قبل 25 سنة أملا بأن أرى ما بعد صدام والأسد، اليوم عدت للتدخين لأن المشهد يبعث على الإقياء؟
- إلى اين تتجه سوريا بعد عقد من الحرب و الصراعات
- كما قلت للمرزوقي قبل ثماني سنوات، لا يغفر التاريخ لأمة أو امرأة تبيع شرفها. منذ تأسس المجلس الوطني برعاية غربية خليجية، ثم الائتلاف بنفس الطريقة، سلّم قطاع من السوريين قرارهم للأمريكي والفرنسي والبريطاني، عبر السماسرة الإقليميين. بدأوا بحمد بن جاسم ثم أزاحوه ووضعوا بندر بن سلطان، ثم جاء حقان فيدان، وهو على فكرة، من أذكى وأدهى مسؤولي المخابرات في الشرق الأوسط، ونجح في تأميم الإئتلاف تركياً عبر اعتلافه (من العلف)، بموافقة روسية وإيرانية عبر ما سمي بمؤتمرات الأستانة. نحن بحاجة للعودة إلى نقطة البداية، تشكيل معارضة وطنية نظيفة ومستقلة عن كل هؤلاء. لا يمكن تحقيق أية انطلاقة للخلاص دون النضال من أجل الاستقلال الأول والثاني معا.
- هل هكذا انطلاقة مستقلة ما زالت ممكنة ولديكم أربعة جيوش غير سورية وميليشيات قادمة من ستين دولة وأكثر من ثمانين ألف معتقل سياسي في دمشق وإدلب والقامشلي؟ وسبعة ملايين سوري خارج الوطن لاجئين؟
- نحن محكومون بالأمل، الشعوب لا تنتحر عندما تتكالب عليها الأيام.. منذ عام وستة أشهر أطلقنا “المبادرة الوطنية السورية” من أجل مؤتمر وطني عام للسيادة واستقلال القرار، وقد وقع عليها آلاف السوريين.. اختيرت لجنة تحضيرية لعقد هذا المؤتمر في برلين في 17 نيسان/ابريل 2020، لكن جائحة الكورونا أجّلت انعقاد المؤتمر إلى الشهرين الأخيرين من هذا العام الذي نفكر الآن بعقده في جنيف. هذا المؤتمر سيضم خمسمئة مواطن ومواطنة من كل المحافظات وبلدان الشتات السورية. وقد أنتهينا من أوراقه الأساسية وهي متاحة للنقاش من قبل كل السوريين. هذا المؤتمر سيكون بدون دولارات ولا موبيلات ولا خواجات. وكل من له علاقة تبعية بدولة غير سورية أو تلقى المال منها أو تلوثت يديه بالدماء لا يحق له حضور هذا المؤتمر. للأسف التكوينات التي نصبها “أصدقاء” الشعب السوري ممثلا “شرعيا” وحيدا للسوريين تحولت اليوم إلى بوق ارتزاق، وأصبحت جزءا من المشكل لا جزءا من الحل، وعلى السوريين أن يستعيدوا حقهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم بعيدا عن الخواجات والسفارات ومبعوثي هذا الرئيس أو ذاك. لدينا في كل منطقة في الأراضي السورية من يناضل من أجل هذه القوة الوطنية الجامعة. الأمانة العامة المنتخبة لهذا المؤتمر ستكون الصوت السوري المستقل للنضال من أجل تطبيق قرارات الأمم المتحدة من بيان جنيف إلى القرار 2254.
- هل من توضيح لقانون قيصر الذي فرضه الرئيس الأمريكي في توقيته وفي أهدافه وفي تداعياته على الشعب السوري ؟
- قانون قيصر هو مشروع قديم تم إقراره مؤخرا. ولإرضاء بعض السوريين الأمريكيين جرت تسميته باسم عنصر أمن منشق حمل معه صورا للتعذيب في السجون السورية. وهو سادس قانون لمعاقبة سوريا، الظروف الاقتصادية الصعبة نتيجة 9 سنوات من تحطيم البنيات التحتية وتحطيم المصانع والمدارس والمشفيات وورشات العمل كانا السبب في أن ينال هذه الضجة. نحن كحقوقيين لنا موقف واضح من العقوبات الاقتصادية. لقد أشرفت قبل 15 عشر عاما على مجلد بعنوان: “مستقبل حقوق الإنسان”، وقلت يومها في ندوة بالمنامة تعريفا بالمشروع: “لا مستقبل لحقوق الإنسان مع غياب المحاسبة، ولا مستقبل للعدالة الدولية إذا وظفتها الحكومات سلاحا في صراعاتها”. وقد أعطاني ترامب وبومبيو كل الحق، عندما صرحا الأسبوع الماضي، بأن أي مسؤول في المحكمة الجنائية الدولية يُلاحق أمريكيا بجرائم الحرب ستصدر بحقه عقوبات.. ثم أضاف الأخير: “وتشمل العقوبات من يلاحق حليفا لنا مثل إسرائيل”. كما قلت في كلمتي قبل أيام في اليوم العالمي لمناهضة التعذيب: “عندما تبيع المومس الفضيلة في سوق النخاسة تغتال مصداقيتها.. وتشوه قصة الضحايا وتتصرف، ككل الأنظمة الدكتاتورية، بشكل انتقائي ومزاجي.
لذا، من أجل الضحايا وسمعتهم وذكراهم افصلوا بين ملف قيصر الحقوقي وقانون قيصر الذي يسئ للضحايا باعتباره يثقل ملف التعذيب الجسدي بالتعذيب المعاشي والصحي للسوريين”.
- منذ عشر سنوات والغرب يبشر بسقوط نظام بشار الاسد وهو ما لم يحدث ماذا بقي من سوريا اليوم وأين النخب والمفكرين؟
- في يوم من أيام أيار/مايو 2012، قال لي سفير لدولة مما يسمى P3 (بريطانيا، فرنسا، الولايات المتحدة) في سوريا: “هيثم رغم موقفك النقدي منا، ستكون في أول حكومة انتقالية، لذا جهز الشنطة للسفر”.. فقلت له: يا رجل قصتنا طويلة، أنت مصدّق قصة العيد القادم في دمشق؟ فقال مجددا: أنا أتكلم جديا معك.”. التقيت به بعد أربع سنوات وقلت له: أنا جهزت الشنطة ومثل ما انت شايف لمغادرة باريس إلى جنيف.. بالطريقة التي عملتم بها أطلتم عمر الدكتاتورية سنوات.
رغم كل شيء أقول لك: لا تخافي، رغم كل الحروق والضحايا مازالت أرض الأبجدية الأولى تنجب طاقات واعدة، المهم ألا تسقط في وحل التبعية والارتزاق الذي تلوث به سياسيون وحقوقيون كثر، وكانوا مع الدكتاتورية وقابليتهم للاستعمار سببا فيما وصلنا إليه.
درس الدكتور مناع الطب والعلوم الاجتماعية والقانون، أشرف على موسوعة “الإمعان في حقوق الإنسان”، صدر له 56 كتابا بالعربية والفرنسية والإنجليزية. مؤسس تيار قمح (قيم، مواطنة، حقوق)، ويرأس المعهد الاسكندنافي لحقوق الإنسان في جنيف. صدر لهيثم مناع كتابان عن تونس في مطلع القرن: تونس الغد ومزاعم دولة القانون في تونس.