ما قبل اللقاء الوطني الجامع وعلى طريقه..
هدى المصري
خلال مسيرتها الشائكة مرّت المعارضة السورية بمختلف تشكيلاتها بمراحل كثيرة، قد يبدو بعضها ذا طابع شوفيني، وقد تكون في بعضها الآخر شوفينية فعلياً ومن ذلك تفضيل الإنتماء القومي العروبي أو الكردي.
وأحدث هذه المحطات هو بيان شرق الفرات المطروح للتوقيع الجماهيري بتاريخ 7/6/2020 بشأن التصدي لمشروع تقسيم ذو طابع قومي برعاية أمريكية في سوريا ولعل أغرب ما في هذا البيان هو البناء على تسريبات وفي ذات الوقت كم الموقعين عليه وخلفياتهم المتنوعة مما أثار الدهشة لدى العديد من المراقبين.
في جزء من الملاحظات يُتهم هذا البيان بالشوفينية العروبية ضد القومية الكردية وفي جزء آخر يُتهم بمحاولة عرقلة جهود توحيد الرؤية الكردية بشأن موقفها وطبيعة مشاركتها في الملف الوطني والتي يمكن وصفها بمحاولة التوحيد “القومي الجوهر” والتي تحدث بتشجع ورعاية أمريكية بهدف توسيع تجربة الفدرلة جغرافياً وفرض مآلاتها على سوريا قبل اللقاء الوطني الجامع الذي تتسابق إلى عقده العديد من القوى السياسية الوطنية.
وأمام طرح هذا البيان يترابط ما في الذاكرة والحاضر، من تبنّي المجلس الوطني الكردي موقف أحزابه المتعددة لطرح فكرة المشروع الفيدرالي منذ العام 2006 مع الإدارة الذاتية التي بدأت كتجربة محلية مقبولة العام 2013 وانتهت إلى فرض الشكل الفيدرالي 2016 مع مواقف حزب الاتحاد الديمقراطي وتوجهات “حركة المجتمع الديمقراطي في غرب كردستان” في مناطق الإدارة الذاتية وصولاً إلى تكوين حراك نسائي مبني على فكرة “الأمة الديمقراطية” عبر مجلس المرأة السورية الذي تم تأسيسه في العام 2017 لاستكمال السياسة بمظاهر النشاط المجتمعي في “التكوين الفيدرالي الكردي” ومن خلف ذلك التأييد من جهة كردستان العراق لاستنساخ تجربتهم في سوريا.. بالاعتماد على تصريحات متناثرة من الجانب الروسي ووعود فرنسية أمريكية غامضة المحتوى عن سوريا اتحادية كحل سياسي ينهي النزاع الداخلي. أي خروج كامل عن الميثاق الوطني الذي وقعه الجانبان الكرديان مع الوطنيين الديمقراطيين السوريين. وللأسف سبق ذلك أخطاء كبيرة أدت إلى دخول الجيش التركي إلى عفرين ثم حملة أخرى شرقي الفرات. وفي كل الحالات، كانت قسد تتصرف لوحدها وبمنطق عسكري بعيدا عن الحركة الوطنية السورية مطمئنة أن حليفها الأمريكي حام لها.
من جهة عدد الموقعين على البيان (أكثر من سبع مئة وخمسين توقيع) وتنوع خلفياتهم فإن أول ما يدعو للتوقيع هو الحساسية الكبيرة التي تسببت بها مواقف مسد وقسد خلال السنوات الخمس الأخيرة وأهمها إعلان الفيدرالية من جانب واحد ومحاولة فرضها كأمر واقع واتخاذ كافة الإجراءات السياسية داخلياً وخارجياً لتثبيتها وما رشح عن هذا الإعلان من استضافة قواعد عسكرية لقوات أجنبية وتسهيل تحركاتها في المنطقة والتمثيل الدبلوماسي باسم الفيدرالية لدى الدول، والمطالبة بفرض منطقة حظر طيران تيمنا بالمثل العراقي والتقارب مع اسرائيل مع الحفاظ على خط مفتوح متعدد المجالات مع الحكومة السورية بالإضافة إلى سياسات التغيير الديموغرافي في مناطق الفدرلة وفي ذات الوقت محاولة الدخول إلى الهيئة العليا للتفاوض عبر بوابة القاهرة وغير ذلك مما يربك أي حليف وطني أو متابع سياسي أو حقوقي في تحديد أسلوب عمل وجوهر مساعي الواجهات السياسية الكردية وخلفيات مظاهر نشاطها ومشاركتها في مختلف المستويات والخطوط السياسية والمدنية.
على الصعيد الشخصي كناشطة وبعد قرائتي للبيان وتوقيعه فإن موقفي منه كان مبنياً على دعم أية جهود سورية تحد من نمو العقلية الاثنية، من حق القوى الكردية الاجتماع ولكن ليس بمعزل عن باقي القوى الوطنية السورية، ومن أجل مشروعي وطني، لا مشروع انعزالي قومجي يتعلق بمناطق سيطرة قسد التي لا يتجاوز الوجود الكردي فيها ثلث السكان. بدلا عن الانخراط في المشروع الوطني السوري في مواجهة تحديات التدخل الدولي وفرض الأجندات في هذه المرحلة الحرجة من الأزمة السياسية السورية.
بالنسبة لي التوقيع ليس فعلاً شوفينياً وليس موقفاً متصلباً من حقوق الأكراد في المواطنة الكاملة التي نسعى إليها، وحقوقهم الثقافية. أو تخل عن مبدأ اللا مركزية الإدارية التي تجمع عليه كل القوى السورية. بل هو الدفاع عن وطن مهدد في وجوده، وطن أصبح مستقبله يناقش من ضباط قنديل وحقان فيدان والحرس الثوري وكل غير السوريين الذين يعتبرون أنفسهم أوصياء على شعبنا. هو حق سوريا الوطن الملقى في مهب الريح على كل مواطن يُعلي الانتماء الوطني على الإثنية ويقدم المشروع الوطني الشامل على مشاريع سياسية ضيقة ويعمل لأجل تحقيق اللقاء الوطني الجامع وإنهاء حالة التشظي وأي احتمالات مرتبطة بها..
لم يبقَ للسوريين إلا اللقاء الوطني الجامع كفرصة أخيرة لإنقاذ الجغرافيا السورية والشعب السوري من التقسيم!
لقد أظهرت وحدات حماية الشعب لسنوات متتالية بطولات لا يمكن لأحد تجاهلها في حربهم على إرهاب داعش وقدموا العديد من الشهداء والكثير من التضحيات، والمطلوب منهم الآن لاستكمال الهوية الوطنية السورية وقفة حيادية موضوعية مع الذات والتراجع فعلياً عن الفدرلة والتخلي عن الوسيط الأمريكي والتقارب -من أجل توحيد الرؤى- مع الجميع (وليس فقط مع القوى الكردية) على أساس تقديم الانتماء الوطني كأولوية وأما عن مشاريعهم الخاصة بالقومية الكردية فهي تبقى حق سياسي يناضلون لأجله عبر السُبل القانونية وعن طريق الاستفتاء الشعبي وصناديق الاقتراع النزيه شأنه شأن أي مشروع سياسي لأي حزب أو تيار أو حركة منظمة ومرخصة بقوانين المواطنة في الدولة السورية الجديدة دولة الحريات والحقوق.
أخيراً كلمة على الهامش
لم تكن مجرد تسريبات..
بتاريخ 6/6/2020 على أحد المواقع الصحفية السورية يقول فؤاد عليكو عضو المجلس الوطني الكردي:
“المجلس سيشارك في حوارات المرحلة الثانية”، والتي وصفها بأنها الأهم والأصعب لأنها ستتناول الملفات الأساسية في شرق الفرات.. ”الأمن والإدارة المشتركة والاقتصاد والمعابر والتعليم والجيش وعودة قوات البيشمركة التابعة للمجلس الوطني الكردي والموجودة في إقليم كردستان العراق، وكذلك العلاقة مع حزب العمال الكردستاني، وكيفية مشاركة مكونات المنطقة في الإدارة“...