في مطلع مقاله (*) يقول الصحفي السوري عدنان عبد الرزاق (أمين تحرير الثقافية في جريدة البعث سابقا) في وصفي : من “المناضلين” السوريين والمعارضين “القدامى” وإن على طريقته الخاصة أو الـ”لايت”. وهذا تقييم شخصي له كامل الحق فيه، ما يؤلمني أنه يبني هذا التقييم على موقفي من “عسكرة الثورة”. فللأسف، عند قطاع غير قليل من “المعارضين”، النضال المدني السلمي هو حالة سلبية جبانة تخاف من مواجهة العنف بالعنف. فتختار النضال “المخملي الناعم”.
اعتز شخصيا بمشاركتي في أول تظاهرة سلمية ضد الجنرال حافظ الأسد في السبع بحرات (15 تشرين الثاني 1970)، أي قبل إعلانه “حركته التصحيحية” التي أسميناها “انقلابه العسكري” بيوم وتلقينا الهروات بصدور عارية، وعدنا في اليوم الثاني وتظاهرنا وتلقينا الضربات بصدور عارية واعتقل منا العشرات. أي قبل قرابة خمسين عاما. ومع دخولنا الحياة السياسية في الجامعة كنا نضع وبشكل عفوي في “النصية” التي نسكنها، صور كارل ماركس والمهاتما غاندي ونيلسون مانديلا وشكري القوتلي. أذكر القارئ أن من اغتال المهاتما غاندي “ثورجي” هندوسي وليس المستعمر البريطاني، لأنه كان يعتبره جبانا بدعوته للمقاومة المدنية ضد الاستعمار؟ لقد شاركت في عشرات بعثات التحقيق الدولية في أهم مناطق الصراع (كشمير، يوغسلافيا السابقة، الجزائر في التسعينيات، منطقة البحيرات الإفريقية، غزة، أمريكا اللاتينية، العراق بعد الاحتلال…). وتعلمت درسا ميدانيا هاما في تشيلي وتشيكوسلوفاكيا وبولونيا إلخ: أن القضاء على حركة المير المسلحة أو التوباماكو لم يتطلب جهدا كبيرا من الدكتاتورية، بينما نجحت المقاومة المدنية في إسقاط الجنرال بينوشيه وغيره من الدكتاتوريات. ففي الدول غير المركزية في منظومة العالم اليوم، لا يمكن لأي عنف مسلح أن يفلت من الخضوع لسلطان “الآخر” غير السوري بالتبعية المالية والسياسية والعسكرية. وأسوأ هزيمة لمجتمع هي أن يُقر بمبدأ التطبيع مع التدخل الخارجي، أي ما يسميه مالك بن نبي “القابلية للإستعمار”.
يضيف الكاتب بعد استعراض أسماء اللجنة التحضيرية: “الأخطر، أن نرى في مساعيه الأخيرة، رمي طوق نجاة لبشار الأسد التي تسد أمامه الحلول تباعاً، بعد ملامح الانفجار السوري وانطلاق ثورة الجياع، وستغلق-الحلول- لامحالة بعد أشهر قليلة، وقت تبدأ قرارات قانون “سيزر” ليفقد الأسد الابن وعلى الأقل، القدرة على قتل السوريين أو حتى البقاء على كرسي أبيه”.
ما هو سر تفشي هذه الدعوات اليوم، بعد إقرار مجلس النواب الأمريكي بنهاية يناير الفائت، قانون سيزر”؟
أولا: لم يكلف كاتب المقال نفسه عبء البحث عن تاريخ المبادرة الوطنية وإعلان اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني السوري الذي يعود إلى 29 نيسان 2019 كما يمكن متابعة ذلك في المؤتمر الصحفي في جنيف الذي أعلن فيه اللواء الدكتور محمد الحاج علي عن المبادرة رسميا:
https://www.youtube.com/watch?v=Gp_skXl67Lc
وبالتالي فقد سبقت سيزر والكونغرس بثمانية أشهر. ولا علاقة لها من قريب أو بعيد بهذا الموضوع.
ثانيا: من غير اللائق، أخلاقيا وسياسيا أن ينسب مشروع تصب فيه جهود ثلاثين مواطنا ومواطنة لشخص واحد، علما بأن المنسق العام هو اللواء الحاج علي وأمين السر الدكتور زكوان بعاج، وأنا أتشرف بكوني عضو من ثلاثين.
ثالثا: لا أريد التقليل من أهمية قانون سيزر، ولكن فقط التذكير بأن عقوبات أكثر صرامة فرضت على كوبا أكثر من ستين عاما لم تسقط فيديل كاسترو وتوفي في فراشه بعد أن عاصر ثمانية رؤساء أمريكيين. ويذكرني الشباب المتحمس بقرار المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق مع الجنرال البشير، يومها اتصل بي صديق سوداني وقال لي: خلصنا من البشير… فأجبته: “الشعب السوداني وحده بيخلصك من البشير، أوكامبو لا يمون على زوجته. عندما قرر شعب صربيا تسليم سلوبودان ميلوزوفيتش جرت محاكمته في لاهاي وليس قبل ذلك”. أليس هذا ما حصل وشعب السودان هو من يحاكم البشير.
رابعا: يعتمد الصحفي عدنان على مقالة نشرها محمد صبرا “كبير المفاوضين في جنيف سابقا”. والحقيقة أنني كمحلل نفسي معجب بقدرة هذا “القانوني” على حبك القصص المخابراتية، فوفق رواية المذكور، يوجد شخصية سرية فوق العادة اسمها “نيكولاي سيخوف” هو صاحب فكرة المؤتمر ونحن نعمل تحت إمرته؟ فيما يذكرني برواية “حمار بوريدان” والتي يختصرها البعض بالمثل الشعبي “تفلسف الحمار فمات جوعا”.
أريد تذكير السيد عدنان بأنني من الأسماء السورية القليلة التي ترفض زيارة موسكو منذ 30 سبتمبر المشؤوم الذي دخلت فيه روسيا عسكريا في سوريا. وأن أي اجتماع مع الخارجية الروسية يتم خارج موسكو هو ضمن مبدأ اجتماعنا مع كل الأطراف المؤثرة في الصراع لإيصال وجهة نظرنا. لذا لا يستغرب أنني التقيت مسؤولين أوربيين ويابانيين وصينيين وعرب أكثر مما التقيت بدبلوماسيين روس؟
أرجو من السيد عدنان عبد الرزاق التدقيق في معلوماته ومصادره، لأنه خامة صحفية وطنية نحن بأمس الحاجة لها. وليتأكد بأننا ننتظر منه أي نقد موضوعي، لأنه ليس عدونا، ومن حيث المبدأ حتى العدو مفيد كما قال الشاعر
عداتي لهم فضل علي ومنة فلا صرف الرحمن عني الأعاديا
هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا
———-
*) احذروا مؤتمرات هيثم مناع… عدنان عبد الرزاق، زمان الوصل،26 كانون الثاني 2020
https://www.zamanalwsl.net/news/article/120486/
- أرسل هذا الرد إلى “زمان الوصل” عملا بالقاعدة الصحفية المهنية في حق الرد. وقد أعلمت إدارة الموقع الدكتور مناع بأنه سينشر خلال 24 ساعة.