المسيحيون في فلسطين بين الهجرة والتهجير

فلسطين هي مهد السيد المسيح (ع) وهي مهد المسيحية، لكن مسيحيي فلسطين لايزالون يعانون من آثار النكبات العربية والفلسطينية منذ 1948 وحتى اليوم، والتي أدت إلى طرد معظمهم وهجرة قسم آخر وصمود القسم الأخير في ظل أوضاع وظروف سياسية وأمنية واقتصادية قاسية.

ولاشك أنه نتيجة قيام الكيان الصهيوني على فلسطين، تعرّض المسيحيون والمسلمون في فلسطين بشكل عام، وخصوصاً في القدس المحتلة لضغوط شديدة في حياتهم الاقتصادية والسياسية وممارساتهم الدينية، فضلاً عن سلب أراضيهم ومنازلهم وتهجير غالبيتهم إلى الضفة والغربية وقطاع غزة وإلى الدول العربية المجاورة.

الوضع الديموغرافي للمسيحيين في فلسطين المحتلة

بحسب دراسة أعدها برنارد سابيلا، وهو عضو في المجلس التشريعي الفلسطيني عن محافظة القدس، وأستاذ علم الاجتماع في جامعة بيت لحم، فقد شهدت أعداد المسيحيين في فلسطين تراجعاً مستمراً في نسبتهم منذ نهاية القرن التاسع عشر.

ففي العام 1894 كان هناك 42871 مسيحياً أو 13.3% من مجموع سكان فلسطين الذي وصل آنذاك إلى 322338 نسمة، ولم يكن يوجد حينذاك أكثر من 40 ألف يهودي أو 9.3%، بينما شكل المسلمون الغالبية العظمى من السكان بنسبة 77.4%، ففي عام 1948 قبل الحرب العربية – الإسرائيلية الأولى وقيام الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين، كان هناك 145 ألف مسيحي، أي 7.6% من مجموع السكان الذين وصل عددهم آنذاك إلى 1908724 نسمة، وبقي 34 ألف مسيحي في الكيان الإسرائيلي، أي الأراضي المحتلة عام 1948، بينما تحوّل 60 ألفاً، أي 41.3% من المسيحيين الفلسطينيين إلى لاجئين.

أما عدد المسيحيين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة فقد وصل قبل حرب 1948 إلى 51063 نسمة، أي أن عددهم وقتئذ كان أكثر بقليل من عدد المسيحيين في الضفة والقطاع اليوم.

وأظهرت دراسات نشرتها مجموعة “ديار” الفلسطينية أن السبب الرئيس لتناقص أعداد المسيحيين هو نكبة عام 1948، ومن بعده تأتي الهجرة، ففي عام 1924 كان 10% من السكان في فلسطين التاريخية مسيحيين.
وغداة النكبة كانت نسبتهم نحو 8%، وفي ليلة وضحاها إنخفضت النسبة من 8% إلى 2.4% فالنكبة كانت نكبة للشعب الفلسطيني عامة وللمسيحيين خاصة. وأضحى37% من المسيحيين في القدس لاجئين مقارنة بـ17% من المسلمين الفلسطنيين، وتعزى هذه النسبة المرتفعة بين المسيحيين إلى حقيقة أن الأحياء الغربية من القدس التي كانت تسكنها غالبية من المسيحيين إحتلها الصهاينة في الحرب بين عامي 1948 و1949، كما أن 34% من الأراضي التي احتلوها في القدس الغربية كانت تمتلكها الكنائس المسيحية.

أما السبب الثاني الرئيس لتراجع أعداد المسيحيين في فلسطين المحتلة فكانت الهجرة الى الخارج وخصوصاً إلى أميركا اللاتينية وأميركا الشمالية وأستراليا، هذه الهجرة تكون غالباً بين الشباب والمثقفين وتكون في معظمها هجرة دائمة الى الولايات المتحدة واوروبا ودول الخليج [الفارسي]، وأكبر جالية فلسطينية خارج العالم العربي موجودة في أميركا اللاتينية والوسطى وعددهم نحو نصف مليون فلسطيني إذ أن 80 الى 85% منهم هم من المسيحيين الفلسطينيين، ويقال إن أكبر الجاليات عدداً هي في تشيلي وتضم 350 ألف فلسطيني مسيحي، أما السلفادور فثلاث في المائة من سكانها هم من المسيحيين الفلسطينيين، والهجرة الفلسطينية الأولى الى أميركا اللاتينية في أوائل القرن العشرين ولعبت السياسات البريطانية في منع المهاجرين من العودة الى فلسطين دوراً في بقائهم في المهجر أو “الشتات”.

ويعود تنامي الهجرة في صفوف المسيحيين الفلسطينيين، وبخاصة من سكان القدس، الى دوافع سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية، يأتي في مقدمها الاحتلال والعدوان الإسرائيلي المستمر على الأراضي الفلسطينية والحصار الإسرائيلي لقطاع غزة ومصادرة أموال السلطة الفلسطينية، ومانتج عنهما من تدهور الأوضاع الاقتصادية وازدياد معدلات البطالة وغلاء الأسعار، إضافة إلى التمييز العنصري ضد الفلسطينيين في أراضي 1948.

تشير بعض التقديرات إلى أن أعداد الفلسطينيين المسيحيين حالياً تصل إلى خمسمائة ألف نسمة، لكن أكثر من ثلثيهم يقيم خارج فلسطين، بينما بقي خمسون ألف مسيحي موزّعين بين الضفة الغربية التي يقطنها 47 ألفاً، وقطاع غزة الذي يقطنه نحو ثلاثة آلاف مسيحي، فيما تذهب تقديرات أخرى إلى أن نسبتهم لاتتجاوز 1.25% من جميع الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية.

أما السبب الثالث في تناقص النسبة المئوية للمسيحيين بعد النكبة والهجرة، فهو في أعداد الولادات لدى العائلة المسيحية الفلسطينية، فمثلاً تنجب المرأة اليهودية ما معدله 2.88 طفلاً، والمسلمة 3.84 طفلاً والدرزية 2.49 طفلاً والمسيحية 2.18 طفلاً، وهكذا، تآكلت نسبة المسيحيين في فلسطين المحتلة بتسارع على إمتداد قرن من الزمن.

المسيحيون في القدس وأراضي 1948

يشير الواقع القائم في القدس حالياً إلى تلاشي المسيحيين المقدسيين تدريجياً، بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي وسياساته ضد الفلسطينيين في القدس التي تضم 14 كنيسة أكثرها تاريخي، بينما لايزيد عدد المسيحيين في القدس الشرقية اليوم على الثمانية آلاف، وفي إحصاءات أخرى إنهم لايزيدون على الستة آلاف.
يرى الباحث برنارد سابيلا أنه “إذا كان ثلثا المسيحيين الفلسطينيين اليوم في الشتات، فإن الخطر الأكبر للهجرة الفلسطينية يكمن في مدينة القدس، فهناك 11 ألف مسيحي وفق أعلى التقديرات، أي 4.4% من مجمل السكان الفلسطينيين الذين يقدرون بـنحو 250 ألف نسمة في القدس المحتلة.

وينتسب المسيحيون في القدس إلى أكثر من 10 كنائس. وتشير مصادر صهيونية إلى أن عدد المسيحيين في القدس وصل عام 1944 إلى 29350 مسيحياً، أي أن عددهم اليوم في القدس يعادل 37.5% فقط مما كان عليه عام 1944، ويعني ذلك أن أعداد مسيحيي القدس كان يجب أن يرتفع إلى 120 ألفاً عام 2014، وفق معادلة إحصائية بسيطة مستندة إلى نمو سكاني مسيحي بنسبة 2%.

وقد أصدر رجال دين مسيحيون مقدسيون من شتى الطوائف في أواخر العام 2009، نداءً عن الأوضاع المأساوية التي تعاني منها القدس، وسائر الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال، ندد بالاحتلال الإسرائيلي للمدينة المقدسة، وأكد حق المسيحيين فيها بالمعاني الروحية والتاريخية والسكانية والسياسية.
وفي فبراير 2010، أُعلن عن مخطط إسرائيلي لإخراج 1500 فلسطيني من بيوتهم في القدس المحتلة، بحجة أنهم بنَوها من دون إذن من سلطات بلدية الاحتلال، التي لا تأذن على أي حال لأحد بالبناء حتى لو كانت العملية عملية ترميمية، وكان بين الـ1500 فلسطيني الذين يُراد تهجيرهم من القدس المحتلة400 مسيحي.
المطران عطالله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس يوضح سبب تراجع أعداد المسيحيين في غزة بأن هذا الوضع هو الاسوأ، وذلك نتيجة لسياسة الإغلاق الإسرائيلية.

أما واقع الفلسطينيين المسيحيين في أراضي 1948 فتشير بعض الإحصاءات إلى أن عددهم يصل إلى 117 ألف نسمة، من مجموع السكان البالغ 6.8 ملايين نسمة. ويتوزعون بين روم كاثوليك ولاتين وكاثوليك من كنائس مختلفة وعددهم 84 ألفاً، وروم أرثوذكس وأرثوذكس من كنائس مختلفة وعددهم 75 ألفاً وبروتستانت وكنائس مختلفة وعددهم 8 آلاف، والمجموع هو 167 ألفاً.

الدكتور عطالله قبطي، الأستاذ في الكلية الأرثودكسية العربية يرى أن هناك سياسات تمييز عرقي وعنصري وديني في كيان الاحتلال الاسرائيلي “ولذلك ينادي المسيحيون والمسلمون واليهود المتنوّرون بدولة القانون، وبمواطنة كاملة”.
هناك 15 كنيسة تعكس الحضور المسيحي لكل منها خصوصيتها، ومنها من يربط جذوره بالآرامية والبيزنطية منذ البدايات الأولى، ويقطن معظم المسيحيين في الضفة الغربية في مدن بيت لحم والقدس ورام الله حيث توجد الغالبية العظمى منهم، إضافة إلى بيرزيت والطيبة والزبابدة وعابود وعين عريك وجفنا والبيرة ورفيديا، كما يتركز المسيحيون في منطقة الجليل في مدينتي الناصرة وحيفا وفي بلدات وقرى أخرى، إضافة إلى وجودهم الرمزي في قطاع غزة(بين 1250 و3000).

تسارع وتيرة الهجرة بعد انتفاضة الأقصى

إذاً، تتسارع وتيرة هجرة المسيحيين الفلسطينيين منذ عام 2001 أي بعد انطلاق انتفاضة الأقصى الثانية في أواخر سبتمبر 2000 وما رافق ذلك من عدوان إسرائيلي غاشم استهدف جميع الشعب الفلسطيني وخصوصاً في القدس المحتلة والأماكن المقدسة ودور العبادة فيها، فضلاً عن مدينتي بيت لحم والخليل.
ويرجع قادة الكنائس زيادة الهجرة المسيحية إلى عدة أسباب أهمها: فرض كيان الاحتلال الاسرائيلي قيودًا على لمّ شمل العائلات الفلسطينية، والقدرة المحدودة المتوافرة أمام المجتمعات المسيحية في القدس للتوسّع العمراني بسبب مصادرة الاحتلال لممتلكات الكنسية ورفض منح التصاريح ورخص البناء والقيود المفروضة على البناء والمشاكل الضريبية وصعوبات الحصول على تصاريح إقامة لرجال الدين المسيحيين، وبناء الجدار الفاصل الذي يقيمه الكيان في قلب الضفة الغربية لفصل المناطق الفلسطينية عن القدس وعن المستوطنات وأراضي 1948.

مجموعة “ديار” الفلسطينية قلّلت من التهويل في تراجع أعداد المسيحيين في فلسطين ورأت أن أعدادهم بقيت ثابتة خلال السنوات الأخيرة وأن هناك إرتفاعاً بسيطأ في الأعداد مؤخراً! لكن الدكتور حنا عيسى الوكيل المساعد للشؤون المسيحية في وزارة الأوقاف الفلسطينية يؤكد أن هجرة المسيحيين من الأراضي الفلسطينية في الآونة الأخيرة أصبحت ظاهرة مقلقة، ولاسيّما عندما تتحدث آخر المؤشرات عن أن 600 مسيحي من القدس المحتلة والضفة الغربية وقطاع غزة يهاجرون البلاد سنوياً.
تؤكد النخب الفلسطينية أن المسيحيين ليسوا مجرد رقم في فلسطين، نائب رئيس الأساقفة اللاتين في القدس المطران وليم الشوملي يدعو إلى ضرورة الّا تتحول هذه الارقام “الى حائط مبكى افتراضي يتلو عليه المسيحيون مراثي ارميا”.

ويعتبر أن الحضور المسيحي “ليس مجرد ارقام ونسب مئوية وإنما نوعية حضور وتأثير وتجسير الهوة بين الثقافات السائدة حولنا”، أما رئيس الأساقفة اللاتين في القدس البطريرك ميشيل صباح فيحث المسيحيين على التشبث بالإيمان الذي ينقل الجبال ولا ينكسر أمام الصعوبات.تأثير انعدام حرية العبادة والاستيطان

تدفع ممارسات الاحتلال الإسرائيلي خصوصاً التضييق على حرية العبادة، المسيحيين الى الهجرة وتفريغ الأرض المقدسة من الفلسطينيين المسيحيين، وكشف الكثير من المسيحيين أن الأسباب التي تدفع بهم إلى الهجرة هي نقص الحرية والأمن، والتدهور الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي والتعليم خارج البلاد، ولمّ شمل العائلات والجدار الإسرائيلي والحواجز العسكرية والتطرف الديني، ويؤكد مراقبون أن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي هو الطريق الوحيد لتمتع الفلسطينيين المسيحيين والمسلمين بحياة من الازدهار والتقدم كما أنه السبيل الأكيد لاستمرار الوجود المسيحي في الأرض المقدسة.

كما قام الاحتلال الإسرائيلي بتغيير الواقع الديمغرافي في القدس المحتلة عبر تفريغ المدينة من سكانها الفلسطينيين باستخدام عدد من التدابير الإدارية تشمل إلغاء الإقامة وفرض قيود صارمة على حرية العبادة، وهكذا هو الحال أيضاً في مدينة بيت لحم والتي يطوّقها جدار إسرائيلي خانق ويصادر مئات الدونمات من أراضيها ويحرم سكانها من الوصول الى كنيسة المهد بحرية.

وفي أعياد الميلاد والفصح حين يأتي الآلاف من المسيحيين إلى المدينة المقدسة أو بيت لحم للاحتفال بعيد الميلاد أو عيد القيامة، يمُنع الفلسطينيون المسيحيون الذين وُلدوا ويعيشون في المدينة المقدسة أو قربها من الاحتفال بمراسم العبادة في المدينة. فعلى سبيل المثال، في أبريل 2011، قدمّ 15000 فلسطيني مسيحي طلبات للحصول على تصاريح دخول للقدس المحتلة لكن الكيان أصدر 2500 تصريح فقط.

ويوجد حالياً 22 مستوطنة غير شرعية في بيت لحم إضافة إلى الجدار غير القانوني مما أدى إلى تقييد التواجد الفلسطيني وحصره في 13 بالمائة فقط من مساحة المحافظة الأصلية، ويمنع نظام المستوطنات والجدار حرية الحركة والعبادة بين أقدس مدينتين مسيحيتين، ويخنق الحركة السياحية التي هي من أهم الصناعات المساهمة في الاقتصاد الفلسطيني.

الدور السياسي والنضالي للمسيحيين الفلسطينيين

اعتبرت الكنائس نفسها دوماً جزءاً لايتجزأ من محيطها العربي وساهمت بمدارسها وبمستشفياتها وبمؤسساتها الخدماتية الأخرى في فلسطين، ويعود تاريخ إنشاء المدارس التابعة للكنيسة فيها إلى منتصف القرن التاسع عشر.

يشدد رئيس الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في فلسطين المطران منيب يونان على أن المسيحيين هم “جزء لا يتجزأ من مجتمعنا العربي الفلسطيني ومرتبط بتاريخه ونضاله وتراثه وآماله”، ويرفض نعت المسيحيين بأنهم “أقليات تحتاج الى حماية فهم جزء لا يتجزأ من هذه المنطقة”.

لقد شكل المسيحيون ركيزة مهمة في التاريخ الفلسطيني منذ بداية القرن الماضي. وبرز منهم رواد كبار في الحركة القومية العربية وفي حركة النضال الفلسطيني، أبرزهم جورج حبش وكمال ناصر ونايف حواتمة وقسطنطين زريق وأنيس الصايغ ووفا الصايغ والمطران ايلاريون كبوتشي والمطران عطا الله حنا والعشرات من النخب والمثقفين والكوادر السياسية والعسكرية.

ومن أبرز المسؤولين في السلطة الفلسطينية من المسيحيين اليوم نذكر حنا عميرة عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس الهيئة العليا للشؤون الكنسية، والدكتور زياد البندك مستشار الرئيس محمود عباس للعلاقات المسيحية، والدكتورة حنان عشراوي عضو منظمة التحرير والنائب في المجلس التشريعي الفلسطيني.
ويعيش المسيحيون الفلسطينيون مع إخوانهم المسلمين في المدن والقرى ومخيمات اللاجئين يشاركونهم آلامهم وآمالهم، والمسيحيون هم أصحاب تحصيل علمي مرتفع نسبياً، وذوو توجهات طبقية تضعهم في الطبقة الوسطى من المجتمع أو أعلى، ويسعون للحصول على فرص وإمكانات اقتصادية لأبنائهم وبناتهم.

وأظهرت الدراسة التي أجراها كل من رانيا القص والقس متري الراهب مؤسس ورئيس مجموعة “ديار” ورفعت قسيس أمين سر حركة كايروس الفلسطينية، بعنوان “المسيحيون الفلسطينيون في الضفة الغربية” أن نحو 45% من مجموع المؤسسات والهيئات الأهلية هي مؤسسات مسيحية التمويل أو الإدارة أو التأسيس، كما تبين أن الكنيسة في الضفة الغربية هي من أكبر الموفّرين لفرص العمل بعد السلطة الفلسطينية، إذ يعمل في الكنائس نحو 22000 موظف من مسيحيين ومسلمين، ويعمل نحو ثلث المسيحيين الفلسطينيين في مؤسسات كنسية.

دأبت وسائل اعلام صهيونية مؤخراً على إشاعة أن المسيحيين يتعرضون لاضطهاد وأن نسبة كبيرة منهم تحاول الهجرة أو هاجرت فعلاً إلى خارج الأراضي الفلسطينية. وتحدثت صحيفة “جيروزاليم بوست” عن هجرة المسيحيين من قطاع غزة الى الضفة الغربية والخارج.
ويقطن في قطاع غزة نحو 3600 مسيحي ينتمي معظمهم الى الروم الأرثوذكس ويوجد في غزة أربع مدارس تتبع الكنيسة الكاثوليكية وخامسة تتبع الكنيسة الارثوذكسية. ويوجد فيها ثلاث جمعيات مسيحية.

وكشف الدكتور حنا عيسى أمين عام الهيئة الإسلامية – المسيحية لنصرة القدس والمقدسات أن عدد المسيحيين في قطاع غزة يبلغ حالياً 1250 مسيحياً فقط.
يقول فادي بندلي أحد ابناء الطائفة المسيحية في غزة: “الطائفة المسيحية في قطاع غزة لاتعاني من اية ضغوطات عليها من قبل اي احد، بل على العكس كافة المسيحيين يعيشون بحرية ودون خوف ويمارسون العبادات بكل حرية ودون تدخل من أي شخص، أما راعي طائفة اللاتين في غزة الأب امانويل فقد أكد أن “العلاقات المسيحية – المسلمة على أحسن ما يرام” ورفض أن يتم وصف مغادرة افراد قلائل من أبناء الطائفة للقطاع بأنها هجرة سياسية “بل هى هجرة اقتصادية ليس أكثر”.

ويحاول الاحتلال تجنيد المسيحيين من فلسطينيي 1948 في جيش الاحتلال، وهي محاولات كان مصيرها الفشل الذريع في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. ويرفض معظم المسيحيين العرب التجنيد في جيش الاحتلال وحمل السلاح لقتل أبناء شعبهم، سلاح “استعمل في الماضي غير البعيد في عام 1948 لقتل الشعب الفلسطيني من مسيحيين ومسلمين، و”آخر شهيدة سقطت برصاص اليهود في حيفا كانت جولييت نايف زكا”، كما كتب الأب بطرس فاخوري في سجل كنيسة الروم الكاثوليك.

كتب جوني منصور، وهو كاتب فلسطيني مسيحي من أراضي 1948، يقول: “المسيحيون العرب لن يحملوا السلاح، ولن ينخرطوا في الجيش الذي هجّر أهالي قرى كفر برعم وإقرث والبصة والبروة والمنصورة وسحماتا ومعلول والدامون وسيرين وبيسان وطبريا وصفد، ولن يحملوا سلاحاً ولن يتجندوا في صفوف جيش يحتل أراضي شعبهم في الضفة الغربية ويحاصر أهلهم في غزة. ولن يتجندوا في جيش كيان تقهر شعبهم يومياً، وتفرض حصاراً عنصرياً وحشياً لاشبيه له في تاريخ البشرية على الإطلاق، كيف للمسيحيين العرب أن يتجندوا في جيش مؤسسة ترفض عودة أهالي قريتي برعم وإقرث بالرغم من قرار محكمتها العليا بذلك”.

خلاصة

يقول الصحافي الفلسطيني صقر أبو فخر في دراسة بعنوان “مسيحيّو الأرض المقدسة: كائنات متحفية أم شهود؟” نشرت في ملحق لصحيفة “السفير اللبنانية” في أكتوبر 2011: “ثمة كارثة إنسانية وحضارية وسياسية مقبلة، بلا ريب، على فلسطين. وتتمثل هذه الكارثة في أن بلد المسيح وأرض المسيحية الأولى، قبل أنطاكيا، ستصبح خلال أربعة عقود مقبلة على وجه التقريب بلا مسيحيين إلا من بقايا النُسّاك في قلاّياتهم والكُهان في أديرتهم والقسيسين في كنائسهم، وعلى الأرجح لن يبقى في بيت لحم، وهي مدينة ميلاد المسيح، خلال العشرين سنة المقبلة، أي مسيحي في ما لو استمرت معدلات الهجرة على حالها الآن”.
لاشك أن إفراغ فلسطين من مسيحييها هو جزء من المشروع الصهيوني لتكريس الكيان الإسرائيلي، وحلقة في مسلسل تهجير المسيحيين من المشرق العربي لتصوير الصراع على أنه صراع ديني بين المسلمين من جهة واليهود والغرب المسيحي الداعم لكيان الاحتلال الاسرائيلي من جهة أخرى، إذ أن وجود المسيحيين في فلسطين وباقي الدول العربية ينفي هذه المزاعم

بقلم : د. هيثم مزاحم

haytham.mouzahem@gmail.com

Scroll to Top