الأستاذة هدى المصري: مسيرة عطاء لا ينضب، علّمت طلابها أن حبّ الوطن متلازمة لا تنفصل عن العلوم والمعارف والخبرات، آمنت بقضايا المرأة فوقفت معها بكل ميدان ومحفل، مارست نشاطها في المجتمع المدني والنسوي. مارست النشاط السياسي الذي يخدم قضية الخلاص الوطني والخروج من النفق المظلم الذي عاشه ويعيشه الوطن السوري. واليوم تعمل مع مجموعة من زملائها في المبادرة الوطنية نحو مؤتمر وطني جامع يتحدث منظموه عن هدفهم في حشد الطاقات الوطنية التي تؤمن بإيقاف آلة القتل العبثية والتي تخدم الأجندات الخارجية، والاحتكام إلى صوت الشعب السوري بكل أطيافه، والذي سئم من الحلول العسكرية وسئم من تنفيذ إرادات الآخرين على أرضه.
العقيد مصطفى فرحات
– أستاذة هدى المصري: هل لنا أن نعرف القارئ بحضرتك أكثر؟
أنا من مواليد دمشق 1971 خريجة جامعة دمشق كلية الآداب والعلوم الإنسانية قسم اللغة الإنكليزية، حاصلة على دبلوم تأهيل تربوي وماجستير تنفيذي وأعمل في التدريس منذ العام 2000، ناشطة مدنية في مجال حقوق المرأة وناشطة سياسية مستقلة، مررت بمحطات متعددة في حياتي العملية وعلى الأخص فيما يتعلق بمشاركة المرأة في عمليات صنع القرار. كان لي مشاركات ومساهمات في عدد من المؤتمرات والفعاليات داخل وخارج سورية، واتبعت العديد من الدورات والبرامج التوعوية، وساهمت في نشر الوعي حول أهمية دور النساء في الحماية وإنهاء الحرب وصناعة السلام وتطور المجتمعات، وتقدمت مع مجموعة من الناشطات والنشطاء بمذكرة هامة للمجتمع الدولي والأمم المتحدة حول حق المرأة السورية في المشاركة في العملية السياسية، بعدما شهدناه من عمليات انتقاء تمثيلي غير مشروع وغير عادل لمن “يمثل” الآن المجتمع السوري بمختلف شرائحه.
– تسعون نحو عقد مؤتمر وطني. كيف ترى الأستاذة هدى هذا المؤتمر، ما هو تصوركم لهذا المؤتمر ولما ينتج عنه؟
أمام المشهد السوري غير المسبوق، وبعد مرور تسع سنوات في مستنقع الحرب والنزاعات الداخلية والتدخلات الخارجية وفرض الأجندات الدولية وسرقة كل ما يمكن سرقته من الوطن من سيادة وثروات واقتصاد ومؤسسات، وكل ما يمكن سرقته من المواطن: قراره وأمنه واستقراره ولقمة عيشه وماضيه وحاضره ومستقبله وحتى انتزاع الحرية والكرامة والحياة على يد كافة المتورطين بالحرب من دول ومنظمات وأفراد، وبتجاهل دولي وارتهان أممي. أمام هذا الواقع المرير المتردي، وإزاء ما وصلت إليه سورية وشعبها تتعالى الأصوات الوطنية المخلصة -التي تم تهميشها وإقصاؤها عن مراكز صنع القرار- لتوحيد الرؤيا والرأي من خلال التحضير لعقد مؤتمر وطني سوري تمثيلي شامل، سيد لنفسه، حيث أن هذا المؤتمر قد بات ضرورة حتمية لاستعادة القرار السيادي الوطني السوري المستقل عن أي تبعية سياسية خارجية أو ارتهان أو ارتباط أو تحالف سياسي إقليمي.
وسيسعى المؤتمر لتكوين جسم جديد يتميز بالكفاءة وسعة التمثيل، قادر على تحمّل المسؤولية الوطنية الكبيرة والوقوف في وجه التحديات الداخلية والخارجية مع الحرص على عدم الإقصاء أو التهميش. ليعمل على تحقيق الانتقال السياسي الآمن المصّنع وطنياً بامتياز نحو مستقبل سورية الدولة المدنية دولة المواطنة، وهو هدف كبير يتطلب الكثير من الجهود المخلصة في كافة المجالات لتأمين الشروط المطلوبة لتحقيقه..
– هل يمكن لنا أن نعلم من الأستاذة هدى عن واقع المرأة السورية في ظروف الحرب التي يعيشها الوطن السوري منذ تسع سنوات وحضرتك ناشطه في مؤسسات المجتمع المدني والنسوي؟
المرأة كانت ولا تزال الخاسر الأكبر في أي نزاع، وفي الحالة السورية، رغم اجتهاد المرأة السورية المميز وعطائها اللا محدود في مختلف نواحي الحياة ضمن الفرص الضئيلة المتاحة لها، يتلخص واقع المرأة الآن في الداخل السوري ومخيمات اللجوء بالألم والفقر والاحتياج، وتردي المستوى التعليمي والصحي وازدياد حالات تهميشها واستغلالها وفرض الإرادة الذكورية عليها لتكون فقط تعداد سكاني وكيان هزيل غير قادر على اتخاذ القرار المستقل، وبالتالي عدم القدرة على المشاركة المجتمعية الفعلية والفاعلة وعدم القدرة على الوصول إلى مراكز صنع القرار وتحقيق التغيير.. أما عن المرأة السورية “الفاعلة”، فهي الآن على سبيل المثال في أفضل الشروط وأحسن الحالات تستطيع المشاركة بنسبة ضئيلة جداً وفي أغلب الحالات دون الخروج عن الارتهانات المتنوعة بما في ذلك تقديمها للمجتمع الدولي كمكون تزييني لتجميل “العملية السياسية” الدائرة في الأروقة الأممية بمحاصصة وتقسيم إثني وطائفي واضح ومخجل كما نشهده الآن في “اللجنة الدستورية” و”المجلس الاستشاري النسائي” وفي مختلف المنظمات المدنية.
– وأنت المربية والمدرسة. كيف أصبحت المسيرة التعليمية والتربوية في سوريا في ظل الخلل الديمغرافي والهجرة والنزوح و و …. الخ؟
التعليم ركيزة أساسية في تطوير ونمو المجتمعات وقد تلقّى التعليم في سورية خسائر فادحة بمختلف جوانبه وأهمها نقص الكادر التعليمي وارتفاع نسبة التسرب من التعليم بشكل كبير لعدة أسباب منها التهديد الأمني والتهجير القسري والنزوح وتدمير المدارس واليتم والفقر وعمالة الأطفال والمرض والإعاقة الناجمة عن إصابة حرب أو مرض. ولا يمكننا إغفال حالات التعليم المُسيس والموجه الذي تلقاه ويتلقاه الأطفال في أغلب أماكن السيطرة والنفوذ، وشروط العمل الفائقة الصعوبة التي يواجهها الكادر التعليمي من ضغوطات متنوعة ونقص بالتقنيات اللازمة وشح بالتعويض المالي وتهديد بلقمة العيش والأعداد الكبيرة للطلاب ضمن الغرفة الصفية قبل التعليم الثانوي. يضاف إلى ذلك المسافات البعيدة بين مكان السكن وبين المركز التعليمي في المرحلة الثانوية وما يليها، ولا ننسى هجرة العقول. وينجم عن كل ما سبق حتمياً عودة نسبة الأمية للارتفاع مع كل ما يرافقها من ظواهر تخلف وانحطاط في مختلف جوانب المجتمع والتي تؤثر سلباً بين مختلف الشرائح.
– البلد تتعرض إلى حالة من التقسيم غير المثبت في الدوائر الرسمية لا السورية ولا الدولية، وإنما على أرض الواقع الأمر كذلك، نحن أمام مناطق نفوذ لهذه الدولة أو تلك. كيف ترى السيدة هدى هذا المشهد، هل من أمل للخروج من النفق؟
كل ما يحدث عرضي وطارئ على الشعب السوري وأي تكريس لحالة تقسيم في سورية سينعكس على دول الجوار ويهدد استقرارها. إن ما يحدث الآن، هو حالة من التلاعب السياسي الذي تقوم به بعض الدول المتورطة وهو يحدث آنياً كنتيجة للضغوطات التي تُمارس على السوريين كمواطنين في تلك المناطق ولكن ما يؤسف حقاَ أن يتم ذلك على أيدي القلة ممن يتصدر المشهد السياسي والقرار المناطقي من السوريين الذين قدموا الإثنية والانتماء (قومي أو مذهبي) على الوطنية، أو منحوا الولاء لغير وطنهم الأم في سعيهم لتحقيق مكاسب ظاهرية ضيقة أو مصالح فردية محدودة، هؤلاء يتم فرضهم وفرض إرادتهم المرتهنة وليس لهم أي شرعية قانونية ولن يتوفر ذلك لأحد دون أن يكون الشعب السوري -المتمتع بحريته الكاملة بعيداً عن أي ضغوطات- هو المرجعية الأولى في تقرير مستقبل سورية أو أي جزء منها. وهنا لا بد من استعادة السيادة والقرار الوطني وتحقيق الظروف السياسية والأمنية بتكاتف الجميع للخروج من الأزمات المصطنعة قبل أن تتطور وتتحول إلى عقبات حقيقية في وجه أي حل سياسي قادم، ونرى هذا الحل من خلال المؤتمر الوطني السوري الذي نسعى لعقده والذي يضع نصب عينيه إنهاء الحرب والتدخل الدولي وتصويب المسار السياسي الذي يحقق تطلعات الشعب السوري وإرادته بالحرية والكرامة والمساواة في دولة يسودها القانون
– في الختام: ما هي العبارة التي تريدها السيدة هدى أن تصل إلى السوريين.؟
سورية أمانة في أعناقنا، واجبنا ومسؤوليتنا أن نحافظ عليها، وعلينا إلقاء الخلافات بعيداً والتبرؤ من كل ما من شأنه أن يفرقنا، يكفينا ما خسرناه حتى الآن ..
جميعنا عانى من حرب فرضت علينا في البداية ولكن لا زال بإمكاننا تغيير هذا الواقع وكتابة النهاية بما يتلاءم مع سورية مسيرة الحضارة المتواصلة منذ آلاف السنين..
لنتسامح ونتعالى على الألم والخلافات ولنعمل جميعنا من أجل إعادة اللحمة المجتمعية بين جميع السوريين، من أجل الدولة المدنية والمواطنة الحقيقة وسيادة القانون فالوصول إلى هذا الهدف كفيل بحل كافة الخلافات وتحقيق العدالة بكل أشكالها.
وعبارة خاصة للمرأة السورية في أي مكان:
مشاركتك السياسية حقك ومسؤوليتك وهي الآن تصنع الفرق حاضراً ومستقبلاً
دمتم بخير ودامت سورية مهد الحضارة.