فريق عمل كركدن يتقدم بالتعازي الحارة للدكتور حبيب حداد ولكافة أسرة وأصدقاء ومحبي الدكتورة ماري حداد
الدكتور حبيب حداد
قبل يومين وفي احد المشافي الفرنسية ،بعيدا عن ارض الوطن ،بالقرب من ساحل المحيط الأطلسي ، غادرت دنيانا بصمت رهيب موحش ، والى دارالخلود شقيقتي الدكتورة ماري حداد بعد معاناة مديدة ومضنية مع أوضاعها الصحية المتفاقمة . فلقد جاءت تلك الفاجعة نتيجة ماتحملته في حياتها من هموم وأعباء ثقيلة ، وما تصدت للاضطلاع به من واجبات تجاه اسرتها الصغيرة ،وتجاه بلدها وشعبها ووطنها . وكان ذلك خيارها الواعي بالتأكيد من خلال التزامها في سلوكها وتجسيدها في مواقفها لأنبل القيم والمبادئ الانسانية ،قيم الحق والخير والتضحية والفداء .
في خضم معاناة بلادنا التي ماتزال تخوض معاركها الحقيقية في ميادين ومجالات عديدة ، معارك التحرر والتقدم والعدالة للحاق بركب التقدم الحضاري ، في بلادنا هذه تتعدد ساحات الشهادة وتتنوع هويات الشهداء :. فمنهم من سقط في ساحات الوغى والمواجهة المباشرة مع المحتلين الغزاة والمستبدين الطغاة والإرهابيين البغاة ، ومنهم من كرس حياته ومواهبه في ميادين العلم والثقافة والإبداع الفني …. ومنهم أولئك الذين جندوا كل طاقاتهم وخبراتهم لمكافحة أمراض مواطنيهم الصحية والنفسية والوقاية منها ،وربطوا بينها وبين معالجة آفات وعلل مجتمعهم بصورة عامة كي يكون مجتمعا متمتعا بكل مقومات الصحة الجسدية والعقلية والمعرفية وموءهلا لمواكبة مسار العصر ،
هكذا جسدت حياة شهيدتنا الرمز ،شقيقتي الدكتورة ماري حداد ، هذا النمط الأخير من هداء . فالإنسانة التي كرست كل جهودها وكل وقتها لخدمة ابناء شعبها :بدءاً من ابناء قريتها رخم ، الى ابناء محافظتها درعا ، وفي كل ميدان اسعى تقديم اية مساعدة مستحقة اواي جهد ممكن ، ولابد لي هنا الا ان اتجاوز اية مشاعر ذاتية اذا ذكرت انني كنت استمع الى ما كان يردده العديد من الذين عرفوها او تعاملوا معها بانها كانت الانسانة التي لا تتذوق طعم الراحة والاستقرار اذا كان من حولها أناس جائعون ، ولا تشعر بالسلوى والاطمئنان
ما دام مرضاها يتألمون ويكابدون .
بعد تخرجها واكمال اختصاصها في مشافي ألمانيا الغربية ، في مجالي الطب العام وأمراض النساء والتوليد ،عادت الى وطنها ،الى مدينة درعا متسلحة بحماس الطبيب الانسان ، وايمان الطب الرسالة . عادت لتفتتح عيادتها واستقبال مرضاها مقدمةخير الأمثلة في هذا المضمار ،سواء من حيث كفاءتها العلمية ام من حيث أهليتها المسلكية ومناعتها الخلقية عندما اولت رعايتها للفقراء قبل الأغنياء والموسرين ، و للضعفاء قبل الأقوياء والمدعين ، لا اريد ان استطرد في هذا المجال فأهل مدينة درعا بلا شك يتذكرون ويستعيدون دوما الكثير من الشواهد عما اتسمت به سيرة طبيبتنا الشهيدة في تعاملها معهم جميعا .
وكما هو معروف ،بعد ان انطلقت حركة المقاومة الفلسطينية من ربوع سورية في نهاية عقد الستينات من القرن الماضي ،رأت طبيبتنا الشهيدة ان واجبها الوطني والإنساني يحتم عليها ان تشمل باهتمامها ورعايتها منظمات الفدائيين وبخاصة المتواجدين منهم في الخطوط الأمامية ،اي في مواجهة مباشرة لقوات الاحتلال والعدوان ، فكانت تزور قواعدهم بانتظام حاملة معها الأدوية ووسائل الإسعاف الضرورية ، تعالج أمراضهم وتخفف من أوجاعهم واذا تطلب الامر تسهر معهم تستفسر عن مشاغلهم وشؤونهم ولا تعود الى بيتها الا في وقت متأخر ، كما كانت في الان نفسه تزور مخيمات اللاجئين وأحياءهم السكنية في مدينة درعا ، وتزودهم بالإرشادات الصحية وبالأدوية ووسائل المعالجة والوقاية الضرورية ، وأتذكر هنا انني في مطلع عقد السبعينات ، وقد اضطرتني الظروف ان ازور بعض العواصم العربية مثل بيروت وعمان وعدن ،عاصمة اليمن الديمقراطية آنذاك والتي امضيت فيها حوالي ثلاثة اشهر ، كيف ان الإخوة والأصدقاء الذين اجتمعت بهم من قيادات المقاومة الفلسطينية كانوا يقدمونني لزملائهم الذين التقيهم لأول مرة بانني فلان شقيق الدكتورة ماري حداد ،التي يعرفها معظمهم طبعا، طبيبة المقاومة الفلسطينية في محافظة درعا .
اليوم وإذ ترحل شقيقتي الدكتورة ماري حداد شهيدة الحق والواجب ،بعيدة عن تراب وطنها الغالي الذي عشقته دوما ،وأملت طوال رحلة عمرها ان يحتضن جسدها ثراه الطاهر ، تغادر نا ملتحقة بقوافل الوطنيين الأوفياء والشهداء البررة الأنقياء الذين نفتقدهم في كل يوم على امتداد وطننا الكبير ، وطننا الذي هو احوج مايكون لوجودهم بين ظهرانيه من اجل تحقيق طموح شعوبه المشروع في حياة أفضل ،.اليوم نشعر بمسؤولياتنا الكبيرة في استلهام القيم والمثل العليا التي كرسها هؤلاء الرواد في في حياتهم ،
واليوم نشعر نحن الأهل كم كان مصابنا جللا ، برحيل شقيقتي ماري ..فالجرح النازف عميق عميق ووالخسارة جسيمة وفادحة لا تعوض ، عزائي لأسرتها الصغيرة: لزوجها وابنائها الاحباء، وعزائي لأسرتها الكريمة ، ابناء بلدتنا رخم ، وابناء شعبها التي كرست عمرها من اجل خدمته وضحت في سبيل رفعته بكل غال ونفيس .
اما أنا ايتها الشقيقة الغالية التي افتقد الان بغيابك اعز إنسان لي في هذا الوجود ، والسند المكين الذي كان الى جانبي في كل الصعاب والملمات ، فاني أعاهد الله واعاهدك انني سأتابع مسيرتك في كل المجالات وأكرس بقية عمري من اجل القيم والمبادئ التي ضحيت وأفنيت عمرك في سبيلها .، وسأحرص على توجيه ابنائي وأحفادي كي يعيشوا حياتهم التزاما بكل القيم والمبادىء الانسانية التي كنت أنت المثال الحي والرمز الملهم لها ،
وداعا. وداعا يا شقيقتي الغالية ،وعهدا ان تظل ذكراك الحية ملء القلب والعقل والوجدان ،حتى نلتقي معا وحتى يجمعنا الله في عليين ،