“المثقف العمومي” في محرقة شرقي الفرات

بدها صفنة

لعل ما يمكن تسميته “محرقة شرقي الفرات” شرقي الفرات، قد وضعت فكرة المثقف والصحفي والسياسي التابع لسياسة دولة في أول مواجهة مع نفسه وأطروحاته، فالمجموعات التي التحقت بدولة قطر من مركز الوحة لعزمي بشارة إلى عصبة جيرون للوطنية السورية وتلفزيون سوريا إلخ… جميعها قد فضحت سقف “الإستقلالية” التي يتمتع بها ما يسميه عزمي بشارة “المثقف العمومي”، وأن بالإمكان اختصاره في الحالات الخليجية كافة إلى ما أطلق عليه كتاب تحديات التنوير في 1990 اسم: المثظف (أي المثقف الموظف). فكون هذه المؤسسات قد روجت منذ سنوات لفكرة “الوطنية السورية”، كان من الصعب عليها التأقلم السريع مع العدوان التركي المؤيد قطريا.

حدثني صحفي من بي بي سي عن قصة حدثت معه بعد توقيع المذكرة الأمريكية التركية حول شرقي الفرات قال: توجهت بالسؤال إلى أحد الصحفيين العاملين في مؤسسة … : “هل اطلعتم على بنود المذكرة وما هو موقفكم”، أجاب: “أخذنا علما بالموضوع”.

خلال قرابة الشهر، كلف عدد من الكتبة في المراكز والمنابر القطرية أنفسهم بالكتابة عن جرائم قسد ووحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني، قطاع آخر كتب في الجنوحات الإنفصالية عند قسم من الكرد، قسم ثالث انتقد الأوربيين لأنهم لا يقدمون المساعدات اللازمة لتركيا لحسن إيواء ثلاثة ملايين ونصف المليون سوري، لكن البدعة الجديدة كانت من مدير مركز عزمي بشارة في باريس سلام الكواكبي حين كتب:

“أنني أحاول أن أنأى بنفسي عن الوضوح في الموقف من الغزو التركي لشمال سورية، تنديدًا أو تأييدًا”(1).

السيد سلام الكواكبي يسمي ما يحدث “غزوا” لبلده سوريا، ولكنه مثل رئيس الوزراء اللبناني السابق ميقاتي يمارس سياسة “النأي بالنفس”. فمرتب آخر الشهر أهم بكثير من التغيير الديموغرافي، ومن احتلال أراض سورية، ومن تعريف معلمه “للمثقف العمومي”.

إن واحدة من كبرى مآسي الشعب السوري هو أن قطاعا من الكتبة السوريين قد تحول إلى “مرتزقة القلم”… ومرتزقة القلم لا يختلفون بحال عن مرتزقة الحرب والفساد والتبعية… لذا فإن محرقة شرقي الفرات لم تنل فقط من تحالف مع الأمريكي أو التركي في ميدان العنف، وإنما وضعت كل الموظفين بالأجرة في أتونها.

  • https://geiroon.net/archives/159777

بقلم كركدنة

Scroll to Top