مصطفى الفرحات
حالة من التوتر وعدم الاستقرار تعيشها المنطقة الشرق أوسطية بدءاً من الخليج وما تعرَّضَ ويتعرَّضُ له أمن الطاقة من مخاطر وصولاً إلى شرق الفرات الذي دخل على خط المواجهة، فالشرق الأوسط يعيش اليوم على صفيح ساخن ونُذُرِ الحرب الكونية الثالثة يتحسسه الجميع دون أن يريد أحد تصديقه، الكل مشترك بالحريق ولا أحد يريد أن يقال عنه أنه كان سبباً له.
الأدوات الوظيفية المحلية أدت وتؤدي دورها على أكمل وجه في تنفيذ إرادة اللاعبين الكبار ولخاطر عيون اللاعبين الكبار الذين بمنطق اللعب على تناقضات غبائنا شرعنوا وجودهم بيننا، هم لم يسلبوا فقط قرارنا بل شاركونا الماء والهواء، وبمنطق ادفع بالتي هي أحسن دفعوا بِنَا إلى مذبحة تصفية حساباتهم على ترابنا، ومن دمنا المهدور قربان لأجل عيونهم الملونة وغير الملونة.
الخطاب الروسي الأخير حول انتهاء الأعمال القتالية في سوريا يُفهمُ منه شيء واحد فقط هو أن اللاعب الروسي ليس بوارد الاقتراب من الحديث عن التسوية السياسية الحقيقية التي يفترض أن تشمل كل الجغرافيا السورية إرضاءً للشريك التركي وما يخصه من ضفة الشمال السوري وكانت المباركة الروسية لعملية نبع السلام التي وجدت فيها الفرصة لدعوة قسد إلى العودة إلى حضن الوطن.
اللاعب الإيراني الصاعد أيضاً لم يعد في حساباته الحديث عن الحل السياسي إرضاءً لحليفه النظام الذي يتحسس ويشم رائحة ولايتين كل منهما أربعة سنوات ودون مفعول رجعي وهو ما يظن أنه يُطبخ في أروقة المنظومة الدولية والذي بدوره راح يعتقل من تطاله يده من أعضاء الدستورية المعارضين الذين طال انتظار تشريفهم إلى العلن قرابة العامين وهو العضو محمد علي صائغ وذلك قبل أيام من بدأ عمل هذه اللجنة في جنيف المقرر نهاية الشهر الحالي، وإن عاد وأطلق سراحه إلا أنها رسالة للدستوريين الأفاضل بأن يلزموا حدود المسموح.
اللاعب الأميركي لا يعنيه الحل السياسي في سوريا أيضاً لأن الحل السياسي وعودة العافية إلى المجتمع السوري ستسحب البساط من تحت أقدامه كما أقدام كل اللاعبين الغرباء بالبقاء على الأرض السورية، رغم أن مجموعه لا بأس بها في إدارة ترامب تؤيد انسحاب القوات الأميركية من سوريا.
تركيا التي تعيش هاجس المخاوف الأمنية المستمرة على حدودها استطاعت بناء قوى محلية (الجيش الوطني) الذي أصبح يشكل حائط صد لجزء كبير من الهواجس الأمنية التركية.
وإن بدا هذا العمل كخطوة توحيدية ضرورية وعامل قوة لهذا الوليد الجديد إلا أنه سيكون تكريس لتقسيم وتفتيت الوطن السوري المفتت أصلاً إلى أكثر من خمس مناطق نفوذ إن لم يكن عامل مساهم في نهاية المأساة السورية والوصول إلى الحل السياسي الذي يجب أن يجمع المجزَّأ ويلم شمل أركان البيت الواحد الذي تعرض للضرر الكبير.
النظام الذي اقتصر دورُه على تنفيذ ما يخطط له في المطبخ السياسي الروسي والإيراني أصبح أيضاً عامل تعطيل في الوصول إلى أي حل سياسي ينصف السوريين وفق القواعد الديمقراطية وصندوق الاقتراع.
إن تَمَترُس هذه الأطراف كل عند حدود ما يريد دون النظر إلى ماذا يريد الآخرين سوف يكون عامل إجهاض وتعطيل لأي بارقة أمل نحو تفكيك الاستعصاء السوري المستمر منذ تسع سنوات.
إن دخول شرق الفرات على خط التصعيد بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وبين الجيش الوطني المدعوم من تركيا والطرح التركي بإقامة منطقة آمنة بعمق /٣٢/ كم وطول /٤٨٠/ كم وذلك بعد اتفاق (ترامب – أردوغان) أخذ يطرح الكثير من التساؤلات عن مستقبل هذه المواجهة والجدوى منها وخصوصاً أن الكثير من متنفذي البنتاغون يعارضون فكرة الانسحاب ويعتقدون بأن الفراغ سيملأه الدواعش وايران في حال انسحبت القوات الأمريكية من المنطقة ، وكلنا يستذكر قرار ترامب سحب قوات بلاده من سوريا قبل عام وكيف تم تعطيل القرار في دوائر البنتاغون ودوائر الحزب الجمهوري.
ورغم تأكيد القادة الميدانيين الامريكان لشركائهم في قسد عن عدم التخلي عنهم إلا أن هؤلاء استشعروا الخطر واتجهوا نحو فتح أقنية الاتصال مع النظام في دمشق حيث أكد (مظلوم عبدي) القائد العام لقوات قسد بأنه يدرس موضوع الشراكة مع رأس النظام السوري بشار الأسد لمحاربة القوات التركية.
إن المشروع الذي تحدث عنه الرئيس التركي أردوغان في بناء قرى وبلدات نموذجية في الشمال السوري هو في الحقيقة لتأمين مقاتلي الجيش الوطني مع عوائلهم في المنطقة المحاذية لتركيا كمساكن عسكرية مخدمة وقريبة من لحظة الاستنفار تحت الطلب وليس لعودة اللاجئين من تركيا طالما أن الحديث يدور عن عودة طوعية، فالسواد الأعظم من اللاجئين السوريين أسسوا لحياتهم الجديدة بعد تسع سنوات وأصبح لديهم أعمالهم ومصالحهم وارتباطاتهم والأهم من هذا كله أن عودة أبنائهم ستكون مشكلة حقيقية طالما التحق الأبناء السوريون بالمؤسسات التعليمية التركية ومنهم من تخرج بتفوق من الجامعات وأثبت ذاته في سوق العمل التركي.
فالكارثة السورية التي أصبحت متصلة بالتوتر في عموم المنطقة المتوسطية مستمرة طالما أن اللاعبين الأصلاء لا زالوا يعتبرون أن رقعة الشطرنج السورية هي مسرح لتصفية حساباتهم الدولية المزمنة.
مصطفى الفرحات
كاتب ومحلل سياسي سوري