لقاء خاص مع الدكتور خالد المحاميد

منذ انطلاقتها، سعت كركدن.نت لأن تكون صوت الأحرار الذين رفضوا ارتهان قرارهم بالآخرين. وقد قامت منيرفا الباروكي من هيئة التحرير بإعداد تقرير عن خالد المحاميد فيما سمي طرافة “محاولة رفع المظالم”. ومنذ الإنطلاقة، كان الدكتور خالد يرفض إجراء مقابلات مع الصحف والمواقع ويكتفي بالظهور من فترة لأخرى على قناتي العربية والحدث. وقد كانت سعادتنا كبيرة عندما وافق على إجراء هذا الحديث الشامل والشفاف حول الأوضاع السورية.

  • دكتور خالد، لماذا رفضت إجراء أية مقابلة مكتوبة منذ قرابة العامين؟ ألا يحق للسوريين معرفة مواقفك خارج مقابلات تلفزيونية مقلة وقصيرة؟
  • نحن نعيش زمنا من أصعب ما عاشته سوريا ليس فقط منذ 2011، وإنما منذ الإستقلال. فالقرارات بشأن القضية السورية خرجت تماما من أيدي السوريين. “أصدقاء” الشعب السوري شاركوا “أصدقاء النظام السوري” في عملية تهجير وقتل ملايين السوريين. ولاية أمر القرارات في كل الجبهات لم تعد سورية. عاشت كل بلدان العالم في الحقبة الإستعمارية احتلالا أو إثنين وعلى الأراضي السورية خمسة أطراف عسكرية غير سورية. كل المتدخلين في القضية السورية ينطلقون من مصالحهم القومية والجيو استراتيجية والغائب الأول هو المصلحة الوطنية والوجودية للسوريين وسوريا. التدويل لم يعد قرارا دوليا من أجل السلام والتغيير، بل صار أجلى تعبير عن زراعة مناطق نفوذ للدول المتدخلة. الكل يتحدث عن انتصارات وحقيقة الأوضاع هزائم تثير الشفقة والاشمئزاز. التجمع الذي فرض الحل الأمني العسكري هو الأقوى في جبهة النظام، وسماسرة الحرب وصغار المرتزقة هم الممثل المعتمد تركيا وغربيا للشعب السوري في معسكرات المعارضة. في هذا الوضع المأساوي تفقد الكلمات قوتها، وتضيع تحت سلطان مدافع وقودها الشبيبة السورية وما تبقى من عمران في البلد. الصمت يصبح صرخة احتجاج على تحويل سوريا إلى ملعب للآخرين، ومحاولة للخروج من الجرائم الإعلامية والعنكبوتية التي خلقت حالة فصام بين الواقع والطريقة التي يجري الحديث فيها عن هذا الواقع.
  • لكنك ومنذ اليوم الأول، رفضت الحياد ووقفت مع الثوار، ومنذ فشل مباحثات جنيف 2، أصبحت الصوت المستقل الأبرز في الدفاع عن الحل السياسي. ألست أنت من غطى معظم تكاليف مؤتمر القاهرة 2015؟ ألست القطب الأقوى في جبهة المستقلين في مؤتمر الرياض1 ؟ ألم تكن صوت التيار الوطني الديمقراطي؟ ألست صاحب فكرة الرياض 2 وهذا موثق في مقال لك. لماذا استقلت وقد انتخبك المستقلون نائبا لرئيس وفد الرياض؟
  • عندما تنتمي إلى جسم سياسي، همك الرئيسي أن يكون هذا الجسم فاعلا ومؤثرا في المهمة التي أعلن للناس أنه سيقوم بها. الهيئة التفاوضية تحولت إلى بيانات إرضاء وتطمين للدول أكثر منه وفدا للتفاوض. البعض اختار أن ينتقد ذلك من الداخل بطريقة نسميها للدعابة “الهيئة التفاوضية وتش”، والبعض صمت وقبل بدور هامشي في جسم لم يعد يقم بأي من المهمات التي تشكل من أجلها. لذلك تحركت بشكل شخصي وعلى مسؤوليتي الشخصية من أجل مفاوضات جدية بين الفصائل والسلطة في عدة مناطق. ولأكون حرا أكثر، قدمت استقالتي.
  • لماذا لم تقم بذلك بالتنسيق مع نصر الحريري والآخرين؟
  • لا أريد تشخيص المسائل. لكن هناك مشكلة الولاء لهذه الدولة أو تلك في الإئتلاف والهيئة التفاوضية. ولست أول من تحدث في هذا؟ أنت تعرف أن كل الأسماء الإعتبارية في الإئتلاف قد استقالت منه. ولم يبق إلا أصحاب الطاعة والولاءات.
  • الولاء لمن؟
  • لزمبابوي؟ ما هذا السؤال.
  • الدكتور خالد، هناك حملات إعلامية شنت وماتزال بحقك، الإعلام التركي القطري قال بادئ الأمر أنك تعمل عند الدحلان؟ وعندما تبين للناس أنك لا تعرف هذا الشخص بل على العكس التقيت مرتين بالرئيس الفلسطيني محمود عباس أعطوك تسمية “دحلان سوريا”. ماذا تقول لهؤلاء؟
  • الكذبة الكبيرة لا تعيش كثيرا لذا لا تستحق الرد. لا يمكن الإساءة لرجال الأعمال الموجودين في الإمارات بهذا الشكل المثير للقرف. فجزء أساسي من تمويل اجتماعات المجلس الوطني كانت بتمويل منهم، والإغاثة في تركيا والشمال السوري بعد الرقابة على المساعدات السلفية من الخليج العربي هي منهم. لكن معظم هؤلاء يرفضون الخضوع لإملاءات هذه الدولة أو تلك. لقد أعطى العديد من السياسيين والمقاتلين السوريين مثلا سيئا في العمل لحساب الآخرين. فصارت بعض الدول على قناعة بأن من لا يأخذ منا يأخذ من غيرنا. هذه الدول باتباعها هذه السياسة خسرت ثقة السوريين كافة باستثناء من يعمل في مؤسساتها. رجال الأعمال في الإمارات ليسوا أنبياء، ولكن الله أعطاهم القدرة على أن يقدموا عوضا عن أن يستثمروا في قضية بلدهم. لذا وكلما تعارضت مواقفهم مع حكومة، تصيح بأنهم عملاء لأبو ظبي. عيب، هذا أسلوب غير أخلاقي في التعامل مع حق الإختلاف.
  • أنت المعارض الوحيد الذي يلتقيه الروسي والأمريكي بانتظام وحرص منهما على علاقة جيدة معك، فما هي الوصفة السياسية التي جعلت منك محاور ثقة عند الطرفين؟
  • أولا علينا أن نعترف بأن الدور والروسي والأمريكي هما الأكثر تأثيرا في الملف السوري. والروس لهم الفضل في هندسة القرارات الدولية وبشكل خاص بيان جنيف1 والقرار 2254، وهم أصحاب القوة في الميدان السوري. وليس هناك معنى لشخص يؤمن بالتفاوض والحل السلمي للصراع أن لا يتوجه لهم بالقول: هل فعلتم ما فعلتم من أجل أن تكون هذه القرارات صورية وشكلية أم من أجل تطبيقها؟ هل تطالبون بالانتقال السياسي والحل السلمي لتغطية سياسات أخرى أم لتطبيق القرارات الدولية؟ أما عن السياسة الأمريكية، فسواء اتفقنا أو اختلفنا معها، فمن واجبنا الحوار معهم لسبيين هامين:

الأول غياب استراتيجية عمل واضحة تتعلق بسوريا الأمر. لذا فهم لا يقطعون بل يستمعون ويعرضون ما عندهم

الثاني: لدى الأمريكي القدرة على تعطيل وتعقيد الحل السياسي في سوريا الأمر الكارثي لهم ولنا.

تواصلي مع الطرفين بدأ بعملية تراكمية واقتراحات قابلة للتحقق ومعاملة ندية من منطلق وطني والسيادة الوطنية السورية، وما يمكن تحقيقه من أجل مصالح الشعب السوري. وهذا التعامل واضح وشفاف. وطالما سمعت من الطرفين، تقديرهم لإمكانية القدر والفعل في القضايا التي خضت معهم بها.

لكنني لا أحصر علاقاتي بالدولتين، لدي علاقات جيدة وممتازة مع جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والمملكة الأردنية الهاشمية وتواصل دائم مع عدد من الدول الأوربية وطبعا المبعوث الخاص بالملف السوري وفريقه.

  • وصفت قبل مئة يوم سيناريو إدلب، وقلت بأن الوجود القوي لهتش يجعل المواجهة طويلة وعدم فك الفصائل المسلحة الإرتباط مع هتش جريمة بحق السكان، وأن السياسة الروسية قائمة على التطبيع مع المحافظة كمنطقة نزاع عسكري والإنهاك عبر القضم البطيء وأن كل الأسلحة ستستعمل من التهجير إلى المحظورات، واليوم، نرى أن ما قلته يتحقق فلا احتجاج دولي والقضم يومي وقارب عدد المهجرين المليون. هل وضعك الروس في صورة ما سيقومون به أم هي استنتاجات شخصية؟
  • الدول العظمى لا تبيح بأسرار سياساتها، الهم السوري يتلبس كل وطني سوري، وتتطلب الفراسة السياسية استعراض المشهد ومراقبة السياسات والقرارات.. الحرص على تقييم عقلاني بعيد عن المشاعر والعواطف كان عندي دائما قاعدة. وقد استنتجت من خطاب أصحاب القرار منذ أحداث الغوطة والجنوب وحمص والشمال، ما كانوا يفكرون فيه حول ملف إدلب. لذا تواصلت مع عدد هام من النشطاء والمقاتلين ولو استمعوا لرأيي لحقنا الكثير من الدماء السورية وخففنا النزيف السوري والمعاناة والتهجير والتدمير من وراء الأعمال الوحشية التي يقوم بها النظام وحلفائه.
  • كان لك موقفا متميزا في شجب الإحتلال التركي لعفرين من اليوم الأول خلافا لصمت الهيئة التفاوضية وتأييد الإئتلاف لها. وكان لك موقفا واضحا من صفقة البلدات الأربع. وللإنصاف كنت من أوائل السياسيين السوريين الذين حذروا وهاجموا التغيير الديمغرافي في سوريا، وأصبح معروفا ما فعلته في جنيف مع ديميستورا وقتها وهجوم السفير القطري وحزب الله عليك يوم فضحت صفقة البلدات الأربع. قبل يومين حذرت من صفقة جديدة بين الولايات المتحدة وتركيا في شأن تغيير ديمغرافي شمال سوريا. ما هي معلوماتك حول الموضوع؟
  • لم تعد تركيا تتحمل استمرار وجود ثلاثة ملايين وستمائة ألف لاجيء، خاصة وأن المعارضة التركية تستثمر في هذا الملف. آخر استطلاع رأي يقول بأن أقل من 40 بالمئة من الأتراك يقللون من التأثير السلبي لوجود اللاجئين السوريين على الأراضي التركية وأن أكثر من 70 بالمئة يطالبون بعودة الجزء الأكبر من السوريين لمناطق السيطرة التركية وعدم انتظار الحل السياسي العام. أنا أتواصل مع كل الأطراف بما في ذلك مسؤولين أتراك. وقد استعلمت تعبيرين قاسيين عن قصد: الأول سوريا المفيدة من وجهة النظر التركية، والثاني اللاجئ المفيد. ووفق معلوماتي هناك تقسيم تركي للاجئين السوريين الفريق الأول رجال الأعمال والكوادر العليا وهؤلاء تمت عملية تجنيسهم وأصبحوا جزءا من الحياة الاقتصادية والاجتماعية التركية. والثاني الأطفال الذين ولدوا منذ موجة اللجوء الأولى، المسؤولون الأمريكيون يقدرون عددهم 750 ألف طفل قسم هام منهم لا يعرف سوريا ولا يتكلم العربية. الثالث هو السوري المسمى احتقارا “العالة والعبء على الحكومة والمجتمع”، وهؤلاء تفكر الحكومة التركية بعودتهم لشمالي سوريا (من القامشلي إلى عفرين).. في حين مصير الباقين رماديا. إن أي مناطق “آمنة” ستكون الملاذ الوحيد للفئة الأخيرة وهي تشمل أكثر من مليون ونصف سوري حسب تقديرات باحثين أتراك مستقلين. وهذا يعني أن عمليات التغيير الديمغرافي ستتحول إلى نطاق واسع جدا وتنتج بالضرورة مواجهات جديدة بين مكونات الشعب السوري. تركيا لم تصدق على حق اللجوء من بلدان الجوار في اتفاقية حماية اللاجئين. لذا لا يوجد ذريعة قانونية للحؤول دون تنفيذ سياساتها بعيدا عن المحاسبة الدولية. لن أسكت في الدفاع عن وطني وكامل التراب السوري ولن أسكت عن كل من يتاجر ويساوم بالقضية السورية من أجل منافع حزبية أو شخصية. لقد حاربنا وقاتلنا من أجل منع التطبيع مع الكيان الصهيوني في الجنوب والشمال، ورغم السخاء ودفع الأموال من الإسرائيلي لشخصيات معروفة كنا لهم بالمرصاد. كذلك أوضحت للأخوة الأكراد أن عليهم قطع الصلات مع قنديل، وكذلك اليوم نطالب كل السوريين بعدم الدخول في أي مشروع يزرع بذرة الإقتتال بين السوريين.
  • نعرف أنك لا تحب الحديث عما تفعل، ولكنك تحركت في عدة بلدان مؤخرا من أجل وضع اللاجئين السوريين، وعدت قبل أيام من الأردن حيث تابعت عن كثب أوضاع اللاجئين هناك. للأسف وكما قالت صحفية تركية، لم يعد في المعارضة الخارجية من يهتم بهذا الملف، في حين مازلت مع عدد من رجال الأعمال المستقلين تطرحون هذا الملف أينما ذهبتم، حدثنا عن زيارتك الأخيرة للأردن؟
  • وضع السوريين وضع مأساوي… استمرار المعاناة والمجازر لحوالي التسع سنوات استنزف المدخرات والقوى وأصبح حال الأغلبية الساحقة دون حد الظروف الدنيا للعيش. لقد تقلصت وتراجعت المساعدات وتتملص كل دولة داعمة بحجج واهية.. علينا كسوريين مهمة أخلاقية ودينية وإنسانية بالإلتزام أمام أهلنا، وهذه المهمة تشمل الدول الشقيقة والشعوب الصديقة. على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته قبل شتاء سيكون الأقسى هذا العام على اللاجئين السوريين.
  • أيدت الموقف الأمريكي في أن الأستانة قد أصبحت من الماضي، وشيعت الإئتلاف منذ سنوات، واستقلت من هيئة التفاوض لأنها عاطلة عن العمل. طالبت قبل شهر بعقد مؤتمر فيينا 3، كذلك أيدت قبل أشهر فكرة عقد مؤتمر وطني عام بل اعتبرك البعض أحد أصحاب المبادرة. هل تعتقد أن بالإمكان سماع الصوت السوري اليوم وعقد مؤتمر تمثيلي ووازن؟ وهل يمكن لهكذا مؤتمر أن يدفع نحو انعقاد مجموعة العمل في فيينا 3؟ أم أن الوقت الآن لملفات أكثر إلحاحا في الإقليم؟
  • للأسف من الواضح أن السوريون يفتقدون إلى قوة سياسية تمثلهم، قوة قادرة على توحيدهم وتفعيل العامل الذاتي لإخراج سوريا من أزمتها والنهوض بها لكرامة الإنسان وإعادة الإعمار وضمان الحقوق الأساسية للمواطن السوري. من نصّب متصدرا للمشهد السياسي من خارج القرار السوري لم يعد له أي دور وغابت عنه الكفاءة والكاريزما وكرامة استقلال القرار. لذا نحن بأمس الحاجة اليوم إلى عقد مؤتمر وطني سوري-سوري بقرارات سورية وتمويل سوري من أجل توحيد كلمة السوريين وتشكيل جسم وطني سيادي يكون له الدور الأول في إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

لقد وقفت دائما ضد لعبة المحاور في سوريا، لذا اطالب باجتماع فيينا 3 لأنه يجمع المجموعة الصغرى والأستانة وغيرهما. وهذا ضروري لوقف الحروب الصغيرة بين أطراف التدخل في سوريا.

Scroll to Top