عام على غياب المفكر الاقتصادي العربي سمير أمين

كانت آخر محاضرة له في جامعة جنيف. كان مصابا بأنفلونزا حادة فاعتذر عن الغداء معنا في المعهد الاسكندنافي لحقوق الإنسان. وفي القاعة كان الإعياء واضحا على محياه. قبلته من جبينه وقلت له: خذ هاتين الحبتين لتحسين الوضع، أعطيته حبة بروفن وحبة فيتامينات. ومع بداية المحاضرة عادت القوة له بحلاوة الروح كما يقال، فهو يكره أن يظهر ضعيفا أو منهكا. ذهب للنوم مساء في فندق Des Alpes  طبعا فندق بدون نجوم. كنا نتناقش في مشروع فكري للمعهد الاسكندنافي حول صياغة ميثاق دولي وعقلاني ومتماسك حول “حق التنمية”. يستفيد من المناظرات النقدية المتميزة بين ما يسمى “نظرية الحداثة” التي يمكن اعتبارها نتاج مثقفي المنظومة الدولية السائدة System-World و”نظرية التبعية” التي طورها أندريه غونتر فرانك وسمير أمين ونخبة من الاقتصاديين النقديين ويدعمها عدد من المفكرين مثل إيمانويل وارلستاين. لكن سمير كان في غاية التشاؤم من إمكانية ظهور مشروع قوي للعلن في سقف الأمم المتحدة، وأن “التنمية الرثة” هي سقف المنظمة الدولية والمؤسسات المالية الدولية. والحقيقة أنه بعد اطلاعه في برلين على الفصل الذي كتبته لتقرير الإسكوا حول “الظلم في العالم العربي والطريق إلى العدالة” قال لي بالحرف: “لا تضيع وقتك، لن تطبع الأمم المتحدة تقريرا كهذا”. وتحققت نبوءته بعد أقل من عام عندما طلب الأمين العام غوتيريس سحب شعار المنظمة الدولية عن التقرير. وفي حق التنمية ذكرني أكثر من مرة بأن بريطانيا والولايات المتحدة واليابان كانت ضد “إعلان حق التنمية” والدول الأوربية الغنية امتنعت عن التصويت؟

في آخر مراسلاتنا أرسل لي مقالة عن ترامب (نشرها في الأهرام العربي) وتناقشنا في فقرات يتعلق بعضها بموقف ترامب من القضية الفلسطينية، وقد تكاتبنا بعدها في ذلك. وكان رأيه أن موقف ترامب من اليمين المتطرف ينسحب على إسرائيل لذا سيعتمد عليها وعلى “الثروة العربية الغبية”.. ظلت قناعته أن العقوبات والضغوط الاقتصادية الأمريكية جزء من سياسة الحروب الضرورية لبقاء المنظومة السائدة وليست بديلا جديدا. وأن تحطيم مقومات سيادة الدولة الوطنية في الأطراف، هدف مشترك للصقور والحمائم في الولايات المتحدة لأن كلاهما يمثلان مراكز الضغط المالية الكبرى من تجارة السلاح والأدوية إلى لوبيات احتكار التقنيات المتقدمة.

لم يكن سمير أمين مثقفا ملتزما بالمعنى النبيل للكلمة وحسب، بل مناضل أممي حق، وكان مشروعه الأخير إعادة بناء أممية للشعوب والكادحين، الذي أرسل لي نسخة منه، والذي لم ير النور.

اختلفنا في قضايا وتقاطعنا في قضايا أخرى.. فكان كبيرا في الخلاف ومخلصا في التحالفات.

أرسل لي يوما، الرسالة التالية، حول مخاوفه من التوجهات النيوليبرالية لعدد من قدماء الشيوعيين السوريين مع نسخة من كتابه حول الموضوع، أنشرها دون تعليق:

“عزيزي هيثم

لقد وجدت بين كتاباتي القديمة (1980) الكتاب الذي تم إرفاق ملف PDF به

بعنوان “العراق وسوريا 1960- 1980”

قراءة هذا الكتاب تسليني. لقد كتبت ردا على الثناء المحرز في ذلك الوقت في “نقطة تحول” سياسات البلدين، والشروع في الطريق الليبرالي.

ألف مبروك من البنك الدولي ولكن أيضا انتساب من جزء هام من اليسار الشيوعي السابق بذريعة الأولوية للمسألة الديمقراطية وتجاهل القضية الاجتماعية

مع صداقتي

سمير”

أرسل لكم ثلاث مقالات هامة للفقيد سمير أمين  (3 سبتمبر 1931 – 12 أغسطس 2018)  نشرت في وقتها في الشروق والأهرام العربي رجاء نشرها ففيها ما يفيد قراء كركدن.

  هيثم مناع

انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة

الفاشية فى الجنوب المعاصر

عودة الفاشية فى ظل أزمة الرأسمالية والإمبريالية المعاصرة

 

Scroll to Top