ولد الشهيد معن العودات في مدينة درعا جنوبي سوريا عام 1959. في أسرة سياسية عريقة. درس والده اللغة العربية والحقوق، وكان من مؤسسي حزب البعث في حوران. وعند صدور أمر بإبعاده عن التعليم في المعهد القومي العربي في 1962 قرر العمل بالمحاماة. أما والدته نجاح الشرع فهي شقيقة ثلاثة من كبار ضباط الجيش السوري وزعتهم الإنتماءات السياسية بين السجن والتهميش وقيادة الأركان والأستاذ موفق الشرع من شخصيات درعا المتميزة، وابنة عم فاروق الشرع وزير الخارجية ثم نائب رئيس الجمهورية. كان معن في السابعة من عمره عندما زار والده في السجن أول مرة. أفرج عن أبيه في 1967 لكنه عاد واعتقل في 1970 وحكم بالإعدام ثم خفض الحكم للسجن المؤبد. بعدها لوحق شقيقه الأكبر هيثم مناع العودات وفقد شقيقه همام في حادث مؤلم. الأمر الذي جعل منه الإبن البكر بالوكالة. درس الهندسة الميكانيكية والكهربائية وناضل أثناء دراسته الجامعية في صفوف اليسار المعارض. بعد عدة ملاحقات واستجوابات أمنية قرر العمل في الإنشاءات والبناء. وكتب في رسالة له لشقيقه في المنفى: “والدي وخالي وعبد الهادي وحسن (أبناء عمه) وفايز الفواز ورياض الترك وأصلان عبد الكريم وأصحابك في السجن، أنت مطارد والرفاق في المعتقل، أفضل أن لا أكون في أي تنظيم سري وأن أساعد عائلات المعتقلين.. النظام يريد تجويع وتشريد عائلات المعتقلين لإذلال الناس”.
كان يقرأ سمير أمين وفرج فوده وهيثم مناع وبعد 1998 تابع كتابات الخارجين من المعتقلات مثل ياسين الحاج صالح كذلك مجلة “مقاربات” ومنتديات ربيع دمشق. ولديه إيمان راسخ بأن التغيير قادم لا محالة. لذا تابع إرهاصات الوضع الثوري العربي في تونس ومصر والبحرين بشكل خاص. ومنذ مطلع آذار/مارس عمل مع مجموعة من المهندسين والأطباء والمعلمين على ضرورة بناء جسر ثقة بين الغليان الشبابي وشخصيات المعارضة الديمقراطية. كان من قيادة التحركات الأولى في درعا. وقد استشهد قريبان له ولزوجته منذ الأيام العشرة الأولى للحراك .. ورغم استهدافه المبكر رفض مغادرة المحافظة إلى الأردن.. اشتهر معن بالورقة التي يحملها ويسجل عليها شعارات كل مظاهرة. وفي هذه الأوراق نجد: مطالبنا هي هي الكرامة والحرية، سلمية ولو قتلوا كل يوم مية، سني وعلوي ايد بإيد، مسيحي ومسلم إيد بإيد، عربي وكردي إيد بإيد، للإصلاح والتجديد.. لا إرهاب ولا طوارئ.. طالبناهم بالإصلاح واجهونا بالسلاح.. محاسبة المخبرين والجلادين، حل مجلس “التصفيق” وانتخابات حرة،
اعتقل ثلاث مرات في أربعة أشهر، وتعرض لتعذيب وحشي في مقر المخابرات الجوية أشرف عليه مباشرة اللواء جميل حسن، وكسر ضلع من أضلاعه. كان يطلق سراحه ليس فقط بالتضامن الدولي معه، وإنما بطلب من ضباط في الجيش والأمن رفضوا هذه المعاملة الوحشية له (وفق روايتهم بعد الإنشقاق). وفي كل مرة يصل فيها درعا يتوجه للساحات قبل زيارة منزله. كان ظهوره الأخير في جنازة شهيدين في مقبرة الشهداء. حين استهدفته أجهزة الأمن فأصيب برصاصة في قدمه، ثم اقترب منه العميد لؤي العلي مدير المخابرات العسكرية بنفسه ووضع رصاصة في فمه في جريمة جسيمة بكل المعايير ضد متظاهر سلمي جريح وأعزل. وذلك في 10 آب/يوليو 2011.
في اجتماع مسجل في درعا مع رفاقه وإخوته بعد الإفراج عنه يقول: “يريدون إثبات أننا نريد مواجهة مسلحة بكل الطرق، كانوا يستجوبوني عن أسماء أفرجوا عنها كلها من محافظات أخرى ولم أسمع بها.. قلت لماذا أفرجتم عنهم إذن؟ قالوا بالحرف الواحد: لكي نتخلص منكم… النظام يتخبط وليس لديه سوى القمع والإجرام، ولن يتمكن من الصمود إلا إذا أوقع البعض ممن أفرج عنهم في فخ العنف والإرهاب. عندها يحول سوريا إلى ليبيا جديدة… علينا المحافظة على شعاراتنا وسلميتنا حتى لا يحرق الأخضر واليابس.”
هذا الفيلم القصير دون رتوش ولا تعليق، يقع ضمن مجموعة وثائقية مصورة في الأشهر الأولى التي تلت انطلاقة 18 آذار/مارس 2011 لتوثيق ما يحاول النظام وحلفائه طمسه من التاريخ والجغرافيا، يشاركهم في ذلك مجرمي الإرهاب الأسود الذين شاركوا في مواجهة المقاومة المدنية الأرقى في تاريخ سوريا الحديث.
الدكتورة آلاء قاسم