الدكتور المحامي موفق الدين كزبري
رئيس الرابطة السورية للدفاع عن حقوق الإنسان
إن الأمور المعقولة هي الأمور التي يتقبلها مجتمع ما وفق مقاييسه وعاداته وأعرافه وتقاليده، وأما الأمور غير المعقولة ( اللامعقولة) هي المخالفة لما ذكر.
ولكن تطور الآلة المتسارع في العصر الحاضر لم يرافقه تطور فكري مماثل يشمل الآداب والفلسفة والفنون وهذا ما أحدث في الغرب هوة كبيرة بين الفكر التقليدي والفكر المعاصر المرافق للتطور الكبير للآلة والتقنية،
مما حدا ببعض رجال الفكر الغربي للثورة على جمود فلسفتهم وأعدادهم وفنونهم ومن هنا نشأت حركة المعقول واللامعقول وبدأنا نقرأ ونسمع بفلسفة المعقول واللامعقول وفنه وأدبه، وغاية هذه الحركة الفكرية وإن شئنا القول هذه الثورة الفكرية، ظهرت لتضع الإنسان أمام محاسن ومساوئ فكرة ما، ليزنها الإنسان ويوازنها على ضوء معطيات العصر،
وعلى كل حال لم نسمع لهذه الحركة ذكر في القانون، لم نقرأ مثلا المعقول واللامعقول في القانون لأن القانون لا يمكن أن يتبع الهوى ويتغير بتغير الأهواء وإنما يتطور بتطور المجتمع ولا يقفز ولا يتحرك حركات بهلوانية، وإنما غايته وهدفه تحديد معالم الطرق للوصول إلى الحق وبقدر سهولة الوصول إلى الحق بقدر انتشار السلام والطمأنينة، والتغيير لا يتم كيفيا لأمر فرد أو فئة وإنما يتم بالتطور الاجتماعي الذي يوجب التغيير،
والتطور هو حصيلة قناعة تولدت عند الإنسان بعد نقاش وجدل وصراع بارد أو ساخن ولا تتولد هذه القناعة لدى الفرد أو المجتمع إلا بالحوار الذي تسوده الحرية بين سائر فئات المواطنين،
وإن رأينا مجتمعا متوقفا عن التطور عندها يتوجب تنشيط المؤسسات الفكرية والسياسية والاجتماعية لإيجاد الجو الملائم للحوار المؤدي إلى التطور،
وعندما يتطور مجتمع ما يأتي القانون لينظم ويحدد معالمه وبهذا لا يمكن أن يكون القانون سابقاً للتطور لأن التطور حصيلة الحوار في جو تسوده الحرية بين سائر المواطنين بمختلف منظماتهم وفعاليتهم الفكرية وكل محاولة لإيجاد تطور بالقوة والعنف والإرهاب برسم قوانين قد لا يؤمن بها حتى واضعوها قد يحدث تغييراُ ما ولكنه تغيير سطحي والتغيير أيها السادة غير المتطور،
لهذا لم نر ولم نسمع في المجتمع الغربي عن المعقول واللامعقول في القانون لما للحق من قدسية ولما للقانون الموصل للحق نصيب من تلك القدسية،
أما عندنا فلم نسمع بالمعقول واللامعقول ولكنا نعيشه في الدستور والقانون وحتى في حياتنا اليومية،
المعقول أن يكون الشعب مصدر السلطات واللامعقول أن يوضع الشعب في الزجاجة المعقول في الدستور أن يحمي كرامة الإنسان وأن يكون المؤدب الرادع للسلطان والمرجح بين القوانين وما يتفرع عنها بشكل يؤمن العدالة والاستقرار والطمأنينة للجميع، ومن غير المعقول أن يسحق الدستور المواطن ولا يؤمن إلا مصالح أفراد أو فئة ما،
المعقول في الدستور على ما نص عليه أن يكون مرعي الإجراء واللامعقول أن يكون معطل التنفيذ،
من المعقول أن توقع على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وعلى العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فتصبح هذه المعاهدات والمواثيق لها صفة الإلزام الدستوري ولكن من غير المعقول أن نمنع الإنسان من استعمال عقله في قناعاته ونزج بهم المعاقل لأنهم مخالفون البعض في الرأي ويحاكموا أمام محاكم استثنائية غير قضائية لا تتوفر فيها الضمانات القانونية المتوفرة للمهتمين بالجرائم العادية،
في القانون المعقول أن يحقق عدالة ولكن اللامعقول أن يؤدي إلى ظلام وظلمات،
المعقول أن يكون قانون الطوارئ مدخراً لحالات الهلع والفزع والمصائب والكوارث الطبيعية وفي مواقع القتال وعندها يكون لساعات أو أيام، وغير المعقول أن تطبق على مخالفات الدراجات والسيارات ولمخالفة بعضهم في الرأي أو المعتقد والأحاسيس الشخصية،
من المعقول أن تحقق هذه القوانين الأمن والطمأنينة أما أن تكون مصدر الهلع والفزع كذلك هو غير المعقول،
من المعقول أن تنظم العدالة الأصول الموجزة وتوجد لها محاكم خاصة وقضاة من القضاء العادي الطبيعي لبعض مخالفات السير والقمامة ومن المعقول أيضاً أن تخضع أحكام الأصول الموجزة للاعتراض والاستئناف والطعن بالنقض، ومن غير المعقول أن تؤسس محاكم أمن الدولة من قضاة لا تتوفر فيهم صفة القضاء مع إعفائهم من تطبيق قانون الأصول، وألا تخضع أحكامهم لطريق من طرق الطعن، وحتى لقد أعفي أحكام الإعدام الصادرة عنها من مرسوم تنفيذ حكم الإعدام،
في الإنسان من المعقول أن يكون كل بني آدم إنسان وله كرامته القائمة على الحرية ليميز بها الخير عن الشر واللامعقول أن يُسمى إنسانا من لا كرامة له،
في المحاماة من المعقول أن يلاقي القرار رقم (1) الصادر عن هيئتكم التأييد الكامل في سورية والمحاكم القانونية العربية والدولية، ولكن من اللا معقول أن يصيبه ما أصاب الدستور أن يكون حلية نتغنى بها وان نكون سجلنا موقفاً ولم نحدد ونثبت موقعاً،
من المعقول أن نسمع الأقوال والخطب والألفاظ المدغدغة ومن اللامعقول أن يمضي عليها التقادم بعد التلفظ بها كأنها ولدت ميتة،
من المعقول أن نقتنع وأن نؤمن وأن نقرر واللامعقول أن لا نطبق ولا نعمل ولا نلتزم،
السادة الزملاء
إن استمرار اللامعقول لا يمكن أن يتحول إلى معقول كما لا يمكن أن يصبح المعقول لا معقولا…..
ومن المعقول …… واللا معقول …….
———————
الدكتور المحامي موفق الدين الكزبري هو رئيس أول رابطة عربية لحقوق الإنسان أسسها في دمشق عام 1962. بخلاف رواية إخواننا التوانسة الذين يقولون أن الرابطة التونسية لحقوق الإنسان هي أول رابطة عربية. اعتقل بعد إضراب اليوم الواحد في 31 آذار 1980 مع عشرات النقابيين ومكث في السجن دون محاكمة أو حكم ست سنوات، بعد حملة دولية كبيرة اضطر النظام بعدها للإفراج عن المحامين المعتقلين.