الدكتور خالد المحاميد؟

في مقابلة له على قناة العربية-الحدث قال الدكتور خالد المحاميد بأن هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) تملك أسلحة نوعية وربما امتلكت أسلحة كيميائية كما هو حال النظام. وأن الدلائل المتوفرة هي أن جبهة النصرة ليست المستهدف الأساسي حتى الآن وأن السكان المدنيين هم من يدفع الفاتورة الأكبر للهجوم على إدلب الذي يشارك فيه الطيران الروسي. ودعا الجماعة الدولية لتحمل مسؤولياتها في وقف عدوان النظام وتفكيك جبهة النصرة وإبعاد المقاتلين غير السوريين الذين يتخذون من أهلنا في إدلب دروعا بشرية.

بعد دقائق على هذه المقابلة، انطلقت حملة شعواء في وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام القطرية- الإخوانية. تتهم المحاميد بتبرير هجوم النظام والطيران الروسي على محافظة إدلب وتبني خطاب النظام في أن هذا الهجوم فصل من فصول الحرب على الإرهاب. فأعدت قناة سوريا (القطرية التمويل) سبوت خاص بالمحاميد، وأكثر من برنامج تلفزيوني على الجزيرة وأخواتها تناوله بالهجوم والنقد. حتى برنامج “فوق السلطة” لنزيه الأحدب خاض في الحملة. ولكن خلافا للبرامج السابقة التي كانت تقدم خالد المحاميد بوصفه “زلمة الدحلان” والإمارات وروسيا، وبعد أن تبين سخفها لعدم معرفة خالد المحاميد بالسيد الدحلان، فقد تحول خالد المحاميد إلى “دحلان سوريا”.

هذه الحملات المبالغ فيها من قبل الإعلام الإخواني والتكفيري والقطري جعلتني أهتم بموضوع “المواطن السوري خالد المحاميد”. فتواصلت مع عدد من الأشخاص الذين يعرفونه عن كثب، كذلك قمت بالتواصل مع عدد من الأشخاص، الذين شاركوا في هذه الحملة. فقد كنت أعتقد أن قضية الموقف من جبهة النصرة قد حسمت عند جماعات “عزمي بشارة” في الدوحة ولندن واسطنبول قبيل أزمة قطر والرباعية، وأن هذه الجماعات قد وقعت على عريضة تنتقد فيها الموقف الإنتهازي والوصولي من جبهة النصرة الذي ساهم منذ تشكيل “جيش الفتح” بزعامة النصرة وتنصيب المحيسني (إمام جامع محمد بن عبد الوهاب في الدوحة) مفتيا له، ساهم في سيطرة النصرة الفعلية على محافظة إدلب وتصفيتها لفصائل من الجيش الحر والجبهة الإسلامية في وضح النهار. وإقامة شبه إمارة قمعية لا تختلف سجونها عن سجون النظام ولا أحكامها التعسفية بالإعدام عما يجري لمعتقلي صيدنايا والسجون الأخرى؟

 لذا يطرح السؤال نفسه بشكل جدي: هل مازالت الدوحة تعتبر جبهة النصرة ورقة مفيدة لبقاء المخابرات القطرية طرفا في الصراع السوري؟ خاصة وأن خالد المحاميد كان من أوائل المعارضين السوريين المطالبين بفك الإرتباط بين الثورة السورية وداعش والنصرة.

من هو خالد المحاميد؟

ولد خالد المحاميد في درعا عام 1964، من عشيرة المحاميد التي تعتبر من كبريات عائلات المحافظة، وقد قدمت أكثر من 400 شهيد للثورة السورية. ورغم يسر حال والده، كان العمل والتعليم أهم ما ربى عليه الأب عائلته، ومعروف أن والدته كانت تصر على العمل في الخياطة إضافة لتربية أبنائها.

أنهى خالد دراسته الثانوية في ثانوية درعا للبنين في 1982، وفي نهاية العام نفسه توجه إلى بلغاريا لدراسة الطب. أنهى دراسته الطبية واختار الاختصاص في الأمراض النسائية. ولكن لم يطيل البقاء في عالم الطب، خاصة بعد سقوط معسكر وارسو والتغييرات الاقتصادية الكبيرة في أوربة الشرقية نحو اقتصاد السوق. فتحول من الطب إلى عالم الأعمال، وبقي في بلغاريا حتى 1995 حيث قرر توسيع نشاطه التجاري إلى اليونان وقبرص. ومثل العديد من رجال الأعمال السوريين، كان المحاميد يتابع عن كثب قيام مركز عالمي للمال والأعمال في مدينة دبي، فقرر الإنتقال في عام 2000، إلى العاصمة الاقتصادية للإمارات. وهناك تعرف على عدد من رجال الأعمال السوريين.

بعد وفاة الجنرال حافظ الأسد، وبداية الانفتاح على الرأسمال السوري في المهجر، كان خالد المحاميد أحد رجال الأعمال الذين خاضوا مغامرة الاستثمار في سوريا. وفي حديث لرجل أعمال سوري قبل 4 سنوات يقول: “كنا مجموعة من رجال الأعمال دون خلفيات سياسية، يؤلمنا الوضع الاقتصادي في سوريا ونشعر بالواجب الوطني للإستثمار في بلدنا. وكان بعضنا قد باشر ذلك، وقال لنا بوضوح أن أرباح الإستثمار في سوريا أقل والمخاطرات أكبر، والحقيقة أن قرارنا كان وطنيا أكثر منه اقتصاديا”. من المعروف أن رؤوس أموال رجال الأعمال السوريين في الخارج تزيد عن مئة مليار دولار في أقل التقديرات.

استثمر خالد المحاميد في عدة مشاريع اقتصادية في محافظة درعا حتى انطلاقة انتفاضة الكرامة من مدينته درعا. وبعد الهجوم على الجامع العمري ودخول الجيش السوري مدينة درعا، اتصل بهيثم مناع، وكان الأخير في الدوحة، ودعاه لسهرة مع أبناء المحافظة في بيته. إلا أن السلطات الإماراتية لم تسمح لمناع بالدخول وعاد بالطائرة إلى الدوحة. تواصل المحاميد أيضا مع عدد من رجال الأعمال السوريين وتم الاتفاق على تنشيط مجلس رجال الأعمال السوريين المرخص قبل الأحداث. وتشكيل “مجلس رجال الأعمال للإغاثة والتنمية والذي ضم مجموعة هامة رجال الأعمال منهم عبد القادر السنكري ووليد الزعبي ومازن الصواف إلخ. وفي حين أيد الدكتور مازن الصواف وغسان عبود المجلس الوطني فضّل باقي رجال الأعمال الحفاظ على استقلاليتهم مع بناء علاقة جيدة مع مختلف الأطراف والتركيز على المساعدات الإنسانية.

في مارس/آذار 2012 صرح الدكتور خالد المحاميد لصحيفة الفايننشال تايمز: “أنا مستعد لتقديم كل ما عندي للمساعدة في هذه الثورة، الثوار يقدمون دماءهم، والدم أغلى بكثير من المال”. وبعدها في 23/4/2012 وجه رسالة مفتوحة إلى هيثم مناع ينتقده على التمسك بسلمية الثورة

“كانت أخر مرة قابلتك فيها في بيت متواضع في حي العباسية بدرعا البلد، وكانت آخر مرة تحدثت فيها إليك بعد استشهاد معن العودات المناضل الحبيب إلى قلوب جميع السوريين، يومها رويت لك وأنا ابكي قصة ذلك الطفل السوري في درعا، حين ذهب لإحضار الخبز، ففضل أن يموت على أن يركع لصورة بشار الأسد. كانت هذه الصورة أشبه ما تكون بجورنيكا سورية والتي شاهدناها في بابا عمر في حمص، وفي أكثر من مكان في المدن السورية المحاصرة بالدبابات وقوات عصابات الأسد المجرمة، حتى باتت جورنيكا بيكاسو صورة ساذجة أقل من أن تعبر عن جرائم عصابات آل الأسد . كنت قد هاتفتك في عام 2003 حين عدت من سوريا خائبا، بعد أن أدركت أن النظام السوري يستحيل إصلاحه، وقلت لي يومها أن ما رأيته وسمعته يجل عن الوصف، وأنه بدون ثورة حقيقية لا يمكن تغيير شيء في سوريا .

أتذكر بأني اقترحت عليك أن تبدأ بإعلان الثورة…

أنا مع الثورة وفي صلبها، وأنا أقول لك نعم أنت في الثورة وفي صلبها حين تعلن بوضوح وقوفك إلى جانبها كثورة تحرر وطني، وليست مجرد انقلاب لتغيير نظام الحكم . إن جميع تصريحاتك وأحاديثك تشير إلى أن قناعاتك بأن ما يحدث هو مجرد انقلاب على نظام حكم فاسد، وأنه يمكن بطريقة سلمية استبدال حاكم بحاكم آخر لإنهاء حالة الفوضى والفساد. ألم تعد تؤمن بالثورة، أم هو صحيح أن الروس أغروك برئاسة الوزراء، وأنك تناضل من أجل المنصب وليس من أجل التغيير؟ ستحدثني بالتأكيد عن الفرق بين رؤية المثقف الثوري وبين انفعالات العامة، أنا أقول لك إن هذا مجرد هراء، لقد أثبت شعبنا أنه أكثر وعيا من مثقفيه، وأنه يتقدم عليهم بنضاله ورؤيته، وعليهم أن يلتحقوا بركبه الثائر، وأن يتواضعوا أما قدرات شعبنا وعبقريته وإبداعه”.

بعد شهر على هذه الرسالة، وجه “ملتقى حوران للمواطنة” وهيثم مناع الدعوة إلى خالد المحاميد للمشاركة في ندوة “الإنتقال السياسي في سوريا” التي عقدت في بروكسل في شهر يونيو/حزيران 2012 بالتنسيق مع المعهد الاسكندنافي لحقوق الإنسان والإتحاد الأوربي. وقد استوقفه حضور نخبة من المعارضة الديمقراطية في مقدمتهم عارف دليلة وميشيل كيلو وسمير العيطة وعبد العزيز الخير ورجاء الناصر… وغياب جورج صبرا وثلاثة آخرين من المجلس الوطني عن الندوة بضغط من الإخوان المسلمين.

استمع لكل نقاشات الندوة ولم يتدخل مرة واحدة، وخرج من هذه الندوة بقناعات جديدة، حول مخاطر المذهبة والأسلمة، والنتائج الكارثية المترتبة على العسكرة، وأولها التبعية وخسارة السوريين لقرارهم السيادي، ودور “أصدقاء الشعب السوري” في انتزاع قرار الثوار والسيطرة عليه.  وقد سأل أحد المشاركين أثناء الغداء عن سبب تغيب العلمانيين في المجلس الوطني عن الندوة، فأخبره بأن الإخوان المسلمين هم من هددهم وطلب منهم الإنسحاب بعد أن أعطوا موافقتهم، فعلق قائلا: “إذا الإخوان يحكمون المجلس على المجلس السلام؟”. وحسب راوي القصة، كان هذا أول رأي سياسي واضح للمحاميد لأنه كان يتجنب الحديث في الخلافات والمواقف ويدعو لوحدة المعارضة السورية. ولعل الأشهر القليلة التي تبعت هذه الندوة قد أعطت المحاميد الحق، حين قالت هيلاري كلينتون جملتها المشهورة Expired.

تقدم أمين عام الملتقى عقاب أبو سويد من المحاميد في فندق الندوة وقال له: “أهلنا يطلبون اللجوء في فرنسا وعند وصولهم لا يحصلون على شيء يسمح لهم بتدبير أمورهم إلى حين يقفون على أقدامهم، ضروري تساعدهم دكتور خالد”. كانت هذه الجملة بداية تحويل شهري من المحاميد إلى فرنسا يوزع على العائلات السورية الحديثة القدوم لضمان حد أدنى من كرامة العيش. وقد شكّل أبو سويد لجنة ثلاثية لدراسة كل حالة وما يخصص لها.

مع موجات اللجوء إلى دول الجوار والعسكرة، توجه خالد المحاميد لمسائل الإغاثة. وما بين 2012 و2014 أقام مركز الإغاثة الطبية في إربد الذي كان يعمل فيه 54 طبيبا (كان منهم نصر الحريري الذي كان يتلقى مرتبا على عمله قدره 1000 دولار)، إضافة إلى لجان تبني الأطفال الأيتام وأول مركز لإعادة تأهيل المعاقين.

في 24 أيلول/سبتمبر 2012، صدر عن وزارة المالية في دمشق القرار 1588 بالحجز الإحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة لخالد المحاميد مع ستة آخرين من رجال الأعمال السوريين الداعمين للثورة.

بقي المحاميد مستقلا عن كل التكوينات السياسية، معتذرا لهيئة التنسيق والمجلس الوطني عن الإنضمام لهما. ولم يشارك في مؤتمر الدوحة للإئتلاف، لكنه حضر مؤتمر “من أجل سوريا ديمقراطية ودولة مدنية الذي عقد في جنيف في يناير/ك2 2013. لم أحضر هذا المؤتمر ولكنني أنقل ما كتبه فؤاد عبد العزيز على ذمته: “في مطلع الشهر الثاني من عام 2013، وقفنا في بهو الفندق في جنيف استعداداً لمغاردته بعد مؤتمر استمر لأربعة أيام، لكن يبدو أن هناك مشكلة تمنعنا من المغادرة، وهي أنه بقي من الحساب مبلغ أكثر من 40 ألف دولار لم يتم تسديده.. كان هيثم مناع غير متوتر ونحن ننتظر في البهو شخصاً سوف يأتي من أجل أن يدفع هذا المبلغ، لكنه تأخر عن القدوم.. في هذه الأثناء اقترب أحد الأشخاص من هيثم وقال له: “أنا أستطيع أن ادفع المبلغ”..، لكن هيثم أشار له بحركة من يده أنه لا داعي.. غير أن الرجل عاد وقدم خدمته بصيغة أخرى بأنه سيدفع المبلغ، ومن ثم يسددون له المبلغ فيما بعد.. غير أن هيثم أصر على رفضه وبهدوء تام.. بعد لحظات جاء خالد المحاميد، وارتسمت على وجه هيثم ابتسامة رضا، فتوجها معاً إلى الصندوق، ودفع خالد المبلغ كما لو أنه يدفع ثمن فنجان قهوة..!!”

بعد هذا المؤتمر، الذي طالب بحل سياسي قائم على “بيان جنيف” واستقالة معاذ الخطيب في اليوم نفسه من رئاسة الإئتلاف، تبلورت أكثر فأكثر مواقف خالد المحاميد السياسية، حيث طالب في أكثر من ندوة بموقف واضح للمعارضة من تنظيمي داعش والقاعدة (جبهة النصرة)، واعتبر سيطرة الإخونجية على الإئتلاف خطرا على الطابع الوطني الديمقراطي للثورة. ولكن أول مشاركة له في وفد رسمي كانت في القاهرة ضمن وفد ضم الدكتور وليد البني والشيخ معاذ الخطيب والدكتور هيثم مناع مع الدكتور نبيل فهمي وزير الخارجية المصرية في أيلول/سبتمبر 2013. حيث طرحت فكرة عقد مؤتمر وطني للمعارضة السورية لتوحيد مواقفها من الحل السياسي والبرنامج الوطني الديمقراطي للإنتقال. ليكون بعدها في اللجنة التحضيرية لما صار يعرف بمؤتمر القاهرة. وقد التقى مع هيثم مناع ووليد البني وعبد القادر السنكري السيد ستافان ديميستورا في 2014 وجرى في اللقاء اقتراح مشروع قرار لمجلس الأمن حول سوريا.

دعي الأربعة إلى ملتقى موسكو للحوار فاعتذر البني ومناع عن الحضور وحضر السنكري والمحاميد. الأمر الذي أكد فيه المحاميد استقلال قراره حتى عن أقرب الأصدقاء. وقد غطى خالد المحاميد أكثر من ثلثي تكاليف مؤتمر القاهرة الذي حضرة أكثر من 176 سوريا من ثلاثين حزبا ومجموعة. (غطى أحمد الجربا تكاليف من دعاهم وكذلك الطرف الكردي وتيار قمح. ولكن الأعباء المالية الأساسية غطاها المحاميد).

شارك في وفود عدة لمؤتمر القاهرة إلى عواصم غربية وإلى اجتماعات فيينا وإلى موسكو. وكان على الدوام يحمل صفة يحبها (معارض مستقل). ونجح في انتخابات مؤتمري الرياض في الوفد التفاوضي ونائبا للرئيس عن المستقلين أيضا. سعت الهيئة العليا للتخلص منه بحجج مختلفة، فأقيل مرة واستقال في المرة الثانية.

السياسة عند خالد المحاميد تتلخص بجمل بسيطة لا تحتاج فلسفة ولا تحليل: الحل الأمني العسكري  والجهادية الخمينية والقاعدية والإخوانية أوصلونا إلى الحضيض. على السوريين تقرير مصيرهم بدون تدخلات خارجية… ولا مخرج إلا في دولة المواطنة ذات السيادة.”.

لذا يجب خنق صوت المحاميد، وكل من يؤمن باستقلال القرار الوطني السوري.

    منيرفا الباروكي

ناشطة سياسية

Scroll to Top