الظلم في العالم العربي والطريق إلى العدل

طلبت الأمانة العامة للأمم المتحدة، من لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) عدم إصدار تقرير أعدته المنظمة تحت عنوان “الظلم في العالم العربي والطريق إلى العدل”. وقد علل أكثر من مسؤول في الأمم المتحدة عدم إصدار التقرير بضغوط تعرضت لها المنظمة من إسرائيل ودول عربية.

ورغم أن التقرير يعتبر وجهة نظر استشارية لا يترتب عليها أي إلزام أو محاسبة، فقد كان هناك إصرار على هذا الموقف الذي يطعن بمصداقية الأمانة العامة والأمم المتحدة كمنظمة جدية تهتم بوجهة نظر نخبة من الباحثين والمثقفين العرب، الذين قدموا وجهة نظرهم بالتعاون مع فريق الإسكوا، في كل مرحلة من الإعداد والبناء والصياغة والإخراج في جهد استغرق مدة عامين.

وكوننا على ثقة بأن هذا التقرير، سيأخذ حقه في القراءة والدراسة والنقد، أكثر من أي تقرير آخر صادر عن المنظمة الدولية، منذ عام 2011. وأن وضع اسم المنظمة الدولية عليه لن يعطيه قيمة أوفر أو مصداقية أكبر، فإن من الضروري معرفة نقاط مركزية توضح أسباب الرضوخ لإرادة حكومات محددة، ولو كان ذلك على حساب مصداقية وموضوعية الأمم المتحدة.

هذا التقرير يشكل باكورة إصدارات الدكتورة ريما خلف، المقدسية المولد، الأردنية الجنسية، والمرأة العربية التي نالت شرف القيام بالمهمات الصعبة في الأمم المتحدة واستحقت بجدارة لقب أهم إمرأة عربية شغلت منصب مساعد الأمين العام سواء من خلال إشرافها على “تقرير التنمية العربية”، أو عشرات التقارير غير العادية التي أصدرتها باسم مؤسسات الأمم المتحدة. ولعلها بهذا التقرير، أحبت توديع المنظمة الدولية بعمل يشكل وسام شرف لمنظمة اهتزت مصداقيتها وصار العديد من الخبراء يشبهونها بشركة محدودة تخضع لتأثير الدول القوية و/أو الغنية في حقبتنا.

هذا التقرير أيضا يحمل بصمات الفريق المركزي الذي يضم الدكتور رغيد الصلح من لبنان والدكتور محمد المرزوقي (أبو يعرب) من تونس والدكتور هيثم مناع من سوريا. أي ثلاثة من المثقفين العرب أولهم معروف بتوجهاته القومية الديمقراطية، والثاني بتوجهاته الإسلامية الديمقراطية والثالث مناضل حقوقي معروف بتوجهاته الاشتراكية الديمقراطية.

كيف يمكن لهذه التيارات الفكرية الثلاثة أن تعمل معا في بناء تحليلي وبحثي مشترك يتوصلون به لتشخيص واحد، واستنتاجات جامعة؟

قاد فريق الإسكوا في هذا العمل الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي، الذي لا يقل نجاحه الأكاديمي عن موهبته الشعرية والتزامه.

أما مجلس الاستشاريين، فقد ضم نخبة من الكتّاب والمثقفين والبحاثة الذين عرفوا بتعدد اتجاهاتهم السياسية ورصانة مواقفهم ودراساتهم: إصلاح جاد، أمين مكي مدني، إنعام بيوض، باقر سلمان النجار، جودة عبد الخالق، حازم أحمد حسني، حيان حيدر، راجية عمران، رضا السعيدي، رضوان السيد، رغيد الصلح، عروس الزبير، سعود المولى، شفيق الغبرا، صادق جواد سليمان، طاهر كنعان، علي أومليل، فاطمة سبيتي قاسم، فريدة العلاقي، فهمي هويدي، الفقيد كلوفيس مقصود، كمال خلف الطويل، مالك الصغيري، محمد الحسن لبات، محمد المرزوقي، محمد صالح المسفر، مصطفى كامل السيد، مضر قسيس، مها الخطيب، ناصيف حتي، هيثم مناع، هتاء حميدان، هيفاء زنكنة.

يمكن اعتبار هذا التقرير قراءة معمقة مبتكرة لقضية الظلم في العالم العربي. لاتفاق المحررين على فكرة أساسية تعتبر العدالة طريق الخلاص من التخلف والاحتلال والعنف والتطرف والدكتاتورية. وكما لخص أحد محرري التقرير القول: “إن كان التسامح هو الأب المباشر للديمقراطية في أوربة، والتعاون أساس خروج إفريقيا من ظروفها القاسية، فالعدل أساس التغيير والتقدم والبناء في عمق الوعي العربي”.

والظلم، ظلم الأشخاص وظلم الشعوب، ولا يمكن الحديث عن أحدهما دون الآخر. من هنا إفراد فصل كامل للقضية الفلسطينية، لأنها التجسيد الأعلى للظلم الواقع على شعب والمظالم الأساسية التي تعانيها مكوناته.

هذا المفهوم الشامل هو الذي يرعب الإسرائيلي ومن يدعم مشروعه في الغرب. فلسنا في هذه المقاربة أمام انتهاكات ومطالبات ومحاولات للتصدي لسياسات حكومة، نحن أمام مشكلة وجودية تفرض علينا التعامل بتصور شامل وليس في سقف الترقيع والتجميل.

الأمر نفسه ينطبق على التحليل الخاص بتصاعد مناطق العنف والصراع المسلح الذي يغطي ثلث الأرض العربية. كذلك صعود الإيديولوجيات الاستقصائية والتكفيرية. بحيث يخرج السؤال أمام كل قارئ للتقرير: هل يمكن بالمقدمات التي أنجبت واقعا ظالما يمكن أن نواجه الإرهاب والعنف والتطرف أم أن تغيير البنيات المدمرة لإنسانية الإنسان شرطا ضروريا للتخلص من العنف الأعمى والحروب القذرة ومختلف أشكال التطرف التي تنمو فيها كالفطر.

يعتمد التقرير منهجا عقلانيا متماسكا في تشخيص العلة وفي طرح التوصيات العلاجية الضرورية، وهو في ذلك لا يعتمد على “الحبوب المهدئة” أو الحلول المؤقتة، بل يطرح استراتيجيات عمل صلبة لمواجهة أصعب ما مر على العالم العربي في الأزمنة المعاصرة.

هكذا تقرير، يصعب على الأمم المتحدة تحمله، ولكن كشبيبة تطمح للخروج من هذا المستنقع وتحتفظ بحصتها في الحلم بغد أفضل، نحن بأمس الحاجة إليه.

[pdf-embedder url=”http://karkadan.org/wp-content/uploads/2019/06/Justice-Report-1.pdf”]

Scroll to Top